فقهيةقضايا معاصرة

سداد الديون بعملة مغايرة

  • د. مسعود صبري

من فقه الاغتراب الذي يتعلق بباب الديون، أن يقترض الإنسان من أخيه مبلغا (بالدراهم مثلا)، ويتم الاتفاق على أن يردها له أو لأهله ممن يوكلهم لقبض الدين بعملة مغايرة (كالريال أو الجنيه ونحوهما)، وقد يجد بعض الناس حرجا في ذلك، لأنه أعطى عملة، وأخذ عملة أخرى، وليس هناك قبض في المجلس، فبيع العملة بالعملة المغايرة جائزة شرعا شريطة القبض في المجلس.

والحق أن جمهور الفقهاء المعاصرين على جواز رد الدين بعملة مغايرة، وهو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي الدولي، كما أفتى بذلك عدد من الفقهاء منهم: فضيلة عطية صقر – رحمه الله-، والدكتور عبد الله الفقيه المشرف على فتاوى الشبكة الإسلامية وأستاذ الشريعة بجامعة قطر، و الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم، وهو من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات ، والفقيه السوري الدكتور محمود عكام، وغيرهم.

  • شروط الجواز:

ولكن الفقهاء اشترطوا في الجواز عدد من الشروط، أهمها:

-ألا يكون الاتفاق عند أخذ الدين، بل يكون وقت السداد، فإذا أخذ الإنسان دينا من أخيه بالدنانير، فلا يجوز له وقت قبض الدين أن يتفق على رده ريالات أو دراهم أو جنيهات ونحوها، بل يكون الاتفاق وقت رد الدين، وليس عند الاتفاق.

-كما اشترطوا لذلك ألا يكون هناك ربح في الرد، بل تحسب قيمة الدين، وتحسب سعر العملة وقت السداد، ويعطى قيمتها بالعملة المغايرة من غير ربح ولا كسب؛ ابتعادا عن شبهة الربا.

-وسعر الصرف المعتبر هو سعر يوم تنفيذ الحوالة المصرفية، إذ يتعذر اعتبار سعر صرف يوم وصول الحوالة للدائن بحسب الأعراف المصرفية السائدة.

-ومن الشروط أيضا: أن يقبل الدائن دينه بالعملة المغايرة، فإن أصر على قبول دينه بالعملة التي دفع بها الدين؛ كان من حقه، ووجب على المدين أن يدفع له بالعملة نفسها.

 

  • أدلة الجواز:

واستدل المجيزون بعدد من الأدلة، منها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في المسند والمستدرك والسنن قال:

كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير فوقع في نفسي من ذلك، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة أو قال حين خرج من بيت حفصة فقلت يا رسول الله رويدك أسألك إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير فقال: ” لا بأس أن تأخذهما بسعر يومهما ما لم تفترقا وبينكما شيء”.رواه الخمسة – أحمد وأصحاب السنن الأربعة – وقد صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقى.

قال الإمام الشوكاني تعليقا على الحديث: فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره، وظاهره أنهما غير حاضرين جميعا، بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما فى الذمة كالحاضر

 وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن خيركم أحسنكم قضاء” كما رواه البخاري ومسلم.

كما استدلوا بأنه قد ورد عن ابن عمر صورة فيها قضاء دين بعملة مغايرة، وهى أنه سئل عن أجيرين له عليهما دراهم، وليس معهما إلا دنانير، فقال أعطوه بسعر السوق، لأن هذا جرى مجرى القضاء، فقيد بالمثل كما لو قضاه من الجنس والتماثل هاهنا، دنانير بدراهم – من حيث القيمة لتعذر التماثل من حيث الصورة.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى