فقهيةقضايا معاصرة

شراء الوحدات السكنية من البنك

  • د. مسعود صبري

إفراز الحياة المدنية الجديدة “العمائر السكنية” وارتفاع الحالة الاقتصادية، وعجز كثير من الشباب عن إيجاد سكن خاص بهم لبدء رحلة الحياة، ما جعل الدولة وبعض مؤسساتها كالبنوك يقوم بعمل وعرض وحدات سكنية للشباب، ولأن هذه الوحدات تابعة للبنك فقد أثارت جدلا فقهيا حولها للوقوف على حكمها الشرعي من حيث الحل والحرمة.

وشأن كثير من المستجدات الفقهية، فقد انقسم الفقهاء حيال شراء الوحدات السكنية من البنك مواقف متعددة، فهناك من رأى أنه يحرم شراء الشقة بالتقسيط من البنك، وهو رأي الشيخ عبد اللطيف حمزة – مفتي مصر الأسبق – رحمه الله، فيما يخص قروض الإسكان، ولو كانت بنسبة قليلة (3%) كمصاريف إدارية. ورجحه الشيخ عبد الله الفقيه، بل رأى الدكتور الفقيه حرمة التعامل مع البنوك الربوية ولو في معاملة مباحة؛ لأن هذا من باب الإعانة على الحرام، إلا في حالة الاضطرار.

بينما يذهب فريق آخر إلى أنه يجوز شراء الشقة بالتقسيط من البنك، وهو رأي الدكتور علي جمعة مفتي مصر، وبه أفتى الشيخ صبري عسكر من علماء الأزهر،  كما أن الجواز المشروط هو رأي العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله، حيث أفتى بأن شراء الشقة من البنك بالتقسيط لا مانع منه بشرط أن لا يتم التعاقد مع البنك على شراء الشقة إلا بعد أن يشتريها البنك من مالكها الأول ، فإذا اشتراها وأصبحت ملكا له جاز شراؤها منه نقدا أو مؤجلا.

  • أدلة التحريم

-واستدل من قال بالحرمة بأن التعامل قائم على القرض الربوي، حيث تحدد الشركة أو البنك نسبة الفائدة منصوصا عليها، وهذا يختلف عن البيع بالتقسيط؛ وذلك استنادا لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء: 29.

-واستدل الشيخ عبد اللطيف حمزة بأدلة تحريم فوائد البنوك، وأنه لا فرق بين النسبة القليلة أو الكثيرة، ولو تسميت بأنها مصاريف إدارية؛ لأن كل قرض جر نفعا فهو ربا.

  • أدلة الجواز

-واستدل من قال بجواز الشراء بناء على تكييف المسألة أنها بيع بالآجل، وهو جائز على رأي جمهور الفقهاء، كما استند إلى قاعدة ” إذا توسطت السلعة فلا ربا”.

هناك إشكالية في هذه المسألة، وهي أنها تندرج تحت عنوانين: الأول: وهو الشراء بالتقسيط من البنك، والثاني: هو القرض السكني، أو “قروض الإسكان”. فأساس الاختلاف هو اعتبار شراء الشقة من البنك هل هي بيع بالتقسيط أم هي قروض إسكانية، فمن كيفها على الوجه الأول أجازها، ومن كيفها على الأمر الثاني حرمها، ومن هنا لابد أن نعرف ماهية المعاملة أولا، ومن خلال معرفة الماهية يمكن لنا أن نكيفها على أحد الوضعين.

فمن يعتبرها تندرج تحت “قروض الإسكان” يستجلب تعريف القرض في الفقه، وشروطه، ومنها: عدم الزيادة عليه عند الرد أو الهدية معه، لأن القرض من عقود الإرفاق، قال الإمام ابن المنذر :” أجمعوا على أن المسلف إذا اشترط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا”.

و لابد لصحة العقد من توافر أمرين : توافر الشروط، وتحقق المقاصد.

  • والراجح

في المسألة هو الجواز المشروط، فإن كانت الشقة ملكا للبنك ملكا حقيقيا، وهو يبيعها للناس بالتقسيط فلا حرج في هذا، أما إن كان يقرض المال لأجل شراء الشقة، فهو قرض ربوي محرم شرعا.

أما حرمة التعامل مع البنوك الربوية في معاملات مباحة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود وهو كانوا يتعاملون بالربا، ولكن ترجيح النهي هو من باب الورع وليس من باب الحلال والحرام.

كما أن تملك البنك للشقة ينفي الربوية مطلقا؛ بناء على قاعدة “إذا توسطت السلعة فلا ربا” ولكن فرق بين تمويل البنك وبين بيعه، ولا يمكن القول بحرمة البيع الحلال، وقد قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا)، فكان التحريم والتحليل على الفعل وليس على الشخص.

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى