- د. مسعود صبري
فتحت الفتوى التي تصدرت عن أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية برئاسة مفتي مصر الباب من جديد حول إشكالية أثر السياسة على الاجتهاد الفقهي من عدمه.
وحددت الفتوى أن بناء الاجتهاد في أي مسألة ومنها بيع الغاز تتوقف على عدة عناصر هامة أهما أن هذا التصرف البشري تشمله الأحكام الشرعية الخمسة من الحرمة والوجوب والندب والكراهة والجواز، بالإضافة إلى الظروف المحيطة والأشخاص والمآلات التي يترتب عليها هذا التصرف، مع العلاقات البينية التي تحيط بالمسألة، ثم رأت دار الإفتاء المصرية أنها لا تمتلك الوسيلة العملية، ولا الخبرة الفنية، ولا المشاركة السياسية ولا الاقتصادية التي تُمَكِّنها من استجلاء الصورة ومن تحصيل التأكد الذي يجب على المفتي أن يعتمد عليه في مثل هذه الحالات، وبقية العناصر شأننا أمامها كذلك، وعليه فإن الصحيح في هذا الشأن أن تعرض تلك المسائل على الحوار الوطني بين الحكومة من جهة وبين المعارضين لهذا الاتفاق من جهة أخرى، مع الاستعانة بأهل الاختصاص في مثل هذه الأمور؛ من الخبراء الاقتصاديين والمُحَلِّلين السياسيين وعلماء القانون وكذلك الشرعيين.”
ثم عقبت فتوى دار الإفتاء أن تصرف ولي الأمر ينفذ ويكون صحيحا حتى يتم ذلك الحوار الوطني، ويكون العمل في هذا مباح شرعا ولا يحرم، فإذا ما تم النقاش وتغير الرأي إلى ضده، فيختلف الحكم ساعتها.
والقول بجواز تصدير الغاز للكيان الصهيوني لم يقبله عدد كبير من العلماء، وكان على رأس تلك الفتاوى المحرمة لتصدير الغاز لإسرائيل بيان صدر عن جبهة علماء الأزهر بتوقيع أمينها العام الدكتور يحيى إسماعيل حبوش أستاذ الحديث بجامعة الكويت، والدكتور أحمد شويدح رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية بغزة ورئيس رابطة علماء فلسطين، و الدكتور ماهر السوسي أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الإسلامية بغزة، و الدكتور حسن الجوجو رئيس محكمة الاستئناف الشرعية بقطاع غزة ، والدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف، وعدد من علماء الأزهر الشريف.
بينما رأى الشيخ محمد على الجوزو مفتي جبل لبنان أن الفتوى يجب ألا تقف عند جزئية معينة، وإنما يجب أن تتناول طبيعة العلاقة مع إسرائيل والإفتاء بوجوب مقاطعتها، وتساءل عن قيمة الإفتاء بالحرمة في ظل قيام عدد من حكام العرب بالتنسيق والتعاون وعقد المعاهدات مع إسرائيل.
وكان بيان جبهة علماء الأزهر بنى حرمته على عدد من الأدلة الشرعية أهمها:
أن بيع الغاز المصري يعد مخالفًا للإجماع الشرعي لعلماء الأمة الإسلامية الذي ورد خلال اجتماعهم التاريخي في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية والذي نشرته مجلة الأزهر الشريف قراراته في إبريل عام 1970. وأن من المقرر شرعا – بالإجماع- حرمة بيع السلاح للعدو، والغاز من الأسلحة، وأن كل ما يخدم عدونا يحرم شرعا، وأن على العلماء أن يبينوا حكم الله تعالى فيما يستجد للناس من نوازل ولو لم يعمل بها الساسة، وأن القول بأن بيع الغاز جاء وفقا للمعاهدات، فإن تلك المعاهدات ليست شرعية وإنما هي معاهدات سياسية فحسب.
كما شدد عدد من علماء فلسطين على وجوب الإفتاء بحرمة تصدير الغاز لإسرائيل، لأن هذا سيكون نوعا من المقاومة في ظل ما يعيشه الشعب الفلسطيني من الحصار الظالم، وأن من نصرة المسلم لأخيه المسلم أن تضغط الدول الإسلامية على إسرائيل لا أن يمدوها بالسلاح ضد إخوانهم في وقت تمنع إسرائيل عن أهل غزة الطعام والشراء والغاز والوقود ولا يجدون ما يعالجون به جراحاهم. وأن حرب إسرائيل ليس لفلسطين وحدها، بل لغالب الدول العربية والإسلامية وأن مدها بالغاز هو من باب الاعتراف بها فضلا عن تقويتها.
كما أن إسرائيل دولة محاربة، وبيع الغاز لها تقوية لها ولصناعاتها على حرب المسلمين، كما أنها تمنع الغاز عن أهل فلسطين، فيحرم مدها به.
كما أنه لو كانت هناك مصلحة اقتصادية لمصر في بيع الغاز لإسرائيل فإنه لا اعتبار لها؛ لأن تصرفات الحاكم منوطة بالمصلحة، و المصلحة المعتبرة هنا ما كان فيها نفع للإسلام والمسلمين.
كما استندوا إلى أن العلماء القدامى والمحدثين أفتوا بعدم جواز أو بيع أي سلعة تقوي العدو وتساعده على محاربته وعليه أي سلعة تصدر لليهود بيعاً أو هبة تقوية على محاربة الفلسطينيين حرام بإجماع كل العلماء.
كما استند الفقهاء المحرمون ما نص عليه الفقهاء قديما من أن المتاجرة مع العدو بما فيها تقويتها علي حربنا كالسلاح والحديد، ولو بعد صلح، لأنه – صلي الله عليه وسلم – نهي عن ذلك.
كما أفتى علماء فلسطين أن العمل في تصدير الغاز لإسرائيل حرام شرعا؛ بناء على أن كل وسيلة تؤدي إلى الحرام فهي حرام، فيما يرى والدكتور بسام العف أستاذ الفقه في كلية الدعوة بغزة أنه ليس هناك دليل شرعي يحرم العمل في مشروع إمداد إسرائيل بالغاز، مع كونه يرى الحرمة في الإمداد، إلا إذا كانت هناك ضرورة تلجئ مصر إلى تصدير الغاز إلى إسرائيل.
ومع كون مساعدة العدو المحارب هي من الأمور المجمع على تحريمها قديما وحديثا، فإنه يبدو أن الوضع العالمي الجديد وانطلاق الفتوى من اعتبار تعامل دولة قومية مع إسرائيل دون ربط ذلك بالأمة، فيما كان الفقهاء القدامى يتعاملون مع مثل هذه التصرفات من منطلق ( الأمة) وليس من منطلق ( الدولة)، مما يتوجب على الفقهاء إعادة النظر إلى المسائل التي تبنى على فكر الدولة القومية لا على التعامل مع مفهوم الأمة الواحدة التي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.