- د. مسعود صبري
مع التطور المصرفي والمؤسسات المالية في عصرنا، وسيطرة بعض الأوضاع التي تتعلق بقانون العمل،ظهرت أوعية جديدة لكسب المال بعد وفاة الإنسان، وكانت النظرة الفقهية القديمة أن كل مال مكتسب بعد الوفاة هو من الميراث الشرعي، لكن هذه النظرة تصطدم مع قوانين تلك المؤسسات المالية التي تجعل العائد من المعاش أو من المال المستفاد من التأمين محصورا على عدد من أفراد العائلة، أو أنها تتيح للمشترك أن يحدد عند العقد المستفيد من هذا المال بعد وفاته، وبقي الأمر محل اجتهاد بين من ينظر الرؤية القديمة التي تلحق هذه الأموال بالميراث، وبين من يجعلها حسب عقد تلك المؤسسات المالية.
واختلفت كلمة الفقهاء المعاصرين في طبيعة هذا المال المستفاد بعد الوفاة إلى رأيين:
- الأول:
أنه يجب توزيع المال المستفاد من التأمين بعد الوفاة على الورثة، وأنه جزء من التركة، وهو رأي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله، الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر.
- الثاني:
أن المال المستفاد من التأمين بعد الوفاة ليس من التركة، ولا يوزع على الورثة، وإنما يخضع لرغبة المتوفى ووصيته أو إلى القوانين المنظمة لهذا العقد.. وهو رأي الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق– رحمه الله، ورأي الدكتور الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق، والدكتور علي جمعة مفتي مصر، وهو ما ذهب إليه الشيخ أحمد هريدي مفتي مصر في فتوى له صادرة في شعبان سنة 1388 هجرية – 23/10/1968 م. و هو ما أفتى به القاضي سليمان بن إبراهيم الأصقه رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن بالسعودية،و الدكتور سعود بن محمد البشر عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء، وهو رأي قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية بالكويت.
- أدلة اعتباره من الميراث
واستند الرأي القائل أن المال المستفاد من التأمين بعد الوفاة من الميراث على ما يلي:أن هذا مال آل إليه، وأصبح ملكا له، فيضم إلى باقي التركة، ويقسم على الورثة،و أن التركة كل ما كان للإنسان حال حياته وخلفه بعد مماته من مال أو حقوق أو اختصاص ، وكذلك ما دخل بعد موته في ملكه بسبب كان منه في حياته.
- أدلة اعتباره من غير الميراث:
واستند من رأى أن مثل هذه الأموال لا علاقة لها بالميراث بعدد من الأمور، وهي : أن العضو المتوفى لم يمتلك مقدار هذا المبلغ قبل وفاته حتى يحتسب المال المأخوذ ضمن التركة، بالإضافة إلى تكييف المال المأخوذ على أنه منحة من صندوق التكافل الاجتماعي بعد الوفاة، فلا يدخل في الإرث. كما أن المبلغ يعد مجهول القيمة قبل استحقاقه لأنه يحسب على آخر مرتب للعضو مضروبا في عشرين شهرا، والتركة هي كل مال مملوك للميت سلفا يتركه بعد وفاته. و أن التقسيم الذي يحتسبه القانون قد رضي العضو بذلك القيد ابتداء، فيجب الوفاء به، وأن الأهل هو الرجوع إلى أهل الاختصاص في المسألة.
لابد أولا أن ينظر إلى تكييف العقد، وطبيعة التصرف، وذلك على النحو التالي:
أما من حيث إن المال آل إلى ملك المشترك المتوفى؛ فإنه لم يؤل؛ لأن مقتضى العقد يقضي بأنه تبرع للغير بما سيؤول إليه، فقد خرج عن ملكه إلى ملك غيره، واعتبر وقت وفاته هو وقت مآل المال الذي لم يكن معه حال حياته إلى من وهبه وتبرع له. كما أن من الواجب الوفاء بالعقود، والعقد قد جعل الحق في هذا المال للقرابة من الدرجة الأولى: الأم والأب والأبناء، و يدخل في هذا أيضا أن يخصص المشترك لبعض أقاربه وأن يختار ممن حددهم قانون العقد، يضاف إلى هذا أنه لم يثبت من خلال العقد أن المشترك تراجع عن هبته، لأن الهبة لا يجوز الرجوع عنها بالوفاة؛ فتثبت الهبة والتبرع بعد وفاة المشترك. وبناء على تلك المحددات، فليس بلازم اعتبار تلك الأموال من الميراث.