فقهيةقضايا معاصرة

تحويل العملات في مكاتب الصرافة

تحويل العملات في مكاتب الصرافة                     د. مسعود صبري

لا تخلو بلد من البلاد العربية أو الأجنبية من تحويل الأموال من بلد المهجر إلى البلد الأم أو غيرها من البلاد، فالمهاجرون من أوطانهم بحثا عن الرزق إلى بلاد أكثر وفرة للعمل، وأعلى عائدا في الراتب يحولون جزءا من أموالهم التي يتحصلون عليها إلى ذويهم في بلادهم؛ لأجل قضاء المصالح، أو إرسال نفقات للأهل وغيرها من الأغراض المشروعة، فيذهب الإنسان إلى مكاتب الصرافة، ويقدم المبلغ بعملة الدولة التي يعمل بها، ويطلب تحويلها إلى عملة بلده، أو عملة المرسل إليه، وهي عملة مغايرة لعمل بلد الإقامة، ولكنه لا يقبض هذه الأموال في يده، وإنما يطلب مع تغيير العملة أن ترسل دون قبض الأموال.

وهذه الصورة تتم مع مكاتب الصرافة، أو مع بعض الأفراد الذين يعلمون لحسابهم الخاص في هذا العمل.

وهناك صورة أخرى، وهي أن يطلب من يريد تحويل الأموال من بعض الأفراد الذين يعملون في تحويل الأموال أن يرسلوا مبلغا بالعملة الأجنبية، ويتم الاتفاق على ثمن التحويل، على أن يعطيه هذه الأموال بعد عدد من الأيام.

والفارق بين الصورتين: أن الصورة الأولى يدفع الشخص الأموال، ويتم تغيير العملة أو بيع عملة بعملة أخرى، على أن يتم إرسالها إلى بلد غير بلد الإقامة.

أما الصورة الثانية، فالشخص لم يبع عملة بعملة، وإنما طلب إرسال المبلغ، أي أنه اقترض مبلغا من المال، وتم تحويله بالقيمة الأجنبية، على أن يعطيه المال بالعملة المحلية، مع اشتراط تحويله.

وهذه المعاملة تسمى في الفقه (الصرف)، وهو بيع نقد بنقد من جنسه أو جنس غيره. وهذا البيع لابد فيه من توافر أربعة شروط حتى يكون صحيحا، كما يذهب لهذا الدكتور وهبة الزحيلي، والأربعة هي: التقابض قبل افتراق المتعاقدين، والتماثل، وألا يكون فيه خيار ولا تأجيل.

والتقابض يعني أن يقبض كل من المتبايعين العملة الأخرى قبل الانصراف؛ حتى لا يقعا في ربا النسيئة، والدليل على ذلك ما رواه الجماعة إلا البخاري من حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد، وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد” ولحديث عمر: “لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تبيعوا الورِق بالذهب أحدهما غائب والآخر ناجز.” مالك في الموطأ.

أما التماثل فيكون في الجنس الواحد، وليس في اختلاف العملات. وينهى أن يشتمل العقد على خيار، بل لا بد من البت في البيع، ويشترط فيه ألا يكون مؤجلا؛ لاشتراط القبض في المجلس.

ولكن القبض حقيقة لا يحصل في مكاتب الصرافة ولا البنوك، ولكن هناك قبض حكمي، وهو يأخذ أكثر من شكل كما يقول الدكتور محمد رواس قلعه جي، الأول: وهو أن يدفع مريد التحويل دنانير ثم يعطى شيكا بالعملة الأجنبية، وبهذا يكون قد تم التقابض في المجلس، وعليه فتوى المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، 13-20 رجب سنة : 1409هـ” يقوم تسليم الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف. ويعتبر القيد في دفاتر البنك في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بأخرى، سواء أكان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه”.

الصورة الثانية: أن يدفع مريد التحويل للبنك مبلغا على أن يحول بعد صرفه إلى بنك في بلد أخرى، فيصرف الشيك من البلد الأخرى، فهو صحيح على ما يرى  الدكتور محمد رواس قلعه جي على أنه نوع من الإجارة الصحيحة، وإن دخلها صرف.

فالصورة الأولى التي يذهب فيها الشخص لمكتب الصرافة أو البنك، ويقوم بعملية الصرف والتحويل، سواء أخذ شيكا أو حوالة، أو تم تحويل المبلغ إلى بلد أخرى، فهو صحيح،  وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز – رحمه الله مع اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وجاء فيها :” يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى ، ولو تفاوت العوضان في القدر ؛ لاختلاف الجنس ، ..، لكن بشرط التقابض في المجلس ، وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس “. “فتاوى اللجنة الدائمة” (13/448) .
وعلق الشيخ محمد صالح المنجد على الفتوى وقال:”عليه ؛ فإذا أعطيت العميل إيصالا معتمدا بالتحويل ، كان هذا بمثابة القبض”.

ولكن عدد من الفقهاء المعاصرين رأوا حرمة هذه المعاملة، ومن هؤلاء الدكتور الصادق عبد الرحمن الغرياني من فقهاء ليبيا، وحكى الخلاف فيها الشيخ عطية صقر رحمه الله.

  • و استند من قال بالتحريم على ما يلي:

أن الفقهاء اشترطوا في الصرف التقابض، وهو لا يحصل في تحويل العملات،

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عليه من أهل العلم على أن المصطرفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد.

كما استندوا إلى ما ورد في الموطأ من حديث مالك بن أنس قال مالك:

عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه التمس صرفاً بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني، وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال: حتى يأتيني خازني من الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع، فقال عمر: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالوَرِق ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء. أخرجه مسلم(2/1209)

ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم:” إذا اختلفت هذه الأجناس، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد”. ولا يحدث هنا قبض يدا بيد.

كما أنه إذا لم يتم القبض في عقد الصرف في الحين يفتح الباب واسعا للنزاع والتحايل والإنكار وأكل المال بالباطل. فتاوى المعاملات الشائعة، الدكتور الصادق عبد الرحمن الغرياني، ص:9

ولكن الراجح جواز هذه المعاملة إن تم قبض حكمي، وهو حصول الشخص الذي يغير الأموال ويحولها على شيك، أو حوالة، أو ورقة تدل على التحويل؛ لأن هذا في مقام القبض، ولحاجة الناس إلى هذه المعاملة.

أما طلب التحويل قبل دفع العملة التي يتم بيعها بالصرف وتحويلها، فهي حرام شرعا؛ لأنه في مقام القرض، وساعتها تكون المعاملة ” سفتجة”، وهي محرمة، ولهذا ذهب الشيخ مصطفى الزرقا إلى حرمة تحويل الأموال من البنوك؛ لاعتبارها سفتجة، وليست كذلك، لأن السفتجة إقراض المال في بلد واستيفاؤه في بلد آخر درءا لخطر الطريق ومؤونة الحمل، فتكون الصورة الأخيرة هي المحرمة.

 

للمزيد عن تحويل العملات في مكاتب الصرافة اقرأ أيضا

الأبعاد الفقهية والأخلاقية في شراء الهامش “الفوركس”

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى