- د. مسعود صبري
ربما لم يكن في فكر من اخترع المحمول أن يسوء استعماله ليصل أن يكون المحمول طريقا لانتهاء الحياة الزوجية، فمع حضور الشهود والأهل والأحبة فرحة الزواج غير أن بعض الأزواج استغل المحمول لينفس عن نفسه ويطلق زوجته بعيدا عن أي قيود اجتماعية مباشرة، وفي ظل ثورة الاتصالات هل تصح هذه الوسيلة لإنهاء أشرف حياة زوجية، وهل يمكن أن تسن قوانين لمنع هذه الوسيلة أم لا؟
وحيال هذه القضية تباينت آراء الفقهاء المعاصرين، بين من يرى الجواز بناء على صحة وقوع الطلاق من الرجل والتأكد من هذا، ووصول الطلاق للمرأة، وأنه لا اعتبار للوسيلة، وبين من يرى أن الوسيلة قد تفتح بابا للشر، ومن باب سد الذرائع يجب إغلاقها والإفتاء بتحريمها حتى لا يجر المجتمع إلى انحلال في طبيعة الأسرة، وأن الطلاق يجب أن يأخذ نفس طريقة الزواج.
الدكتور يحيى هاشم فرغلي أستاذ العقيدة بجامعة الإمارات يرى أن المحمول وسيلة تبليغ، والطلاق يقع بها كشكل من أشكال الكتابة شريطة توثيق الطلاق، وإقرار كل من الزوج والزوجة بإرسال وتسلم رسالة الطلاق، وأنه لا اعتبار للمكان هنا، المهم هو صحة وقوع الحكم.
ويجنح الدكتور نصر فريد واصل إلى صحة وقوع الطلاق عبر الإنترنت أو المحمول شريطة أن يوثق الطلاق لتتمكن المرأة من أخذ حقها وزواجها بعد الانفصال، ومنعا لادعاء الزوج أن الطلاق لم يقع، فإذا فعل كانت ورقة التوثيق تسدي للمرأة حقها الشرعي وتحفظها من تلاعب الزوج.
المستشار عبيد إبراهيم القاضي في محكمة الاستئناف بالشارقة يوقع الطلاق عبر وسائل الاتصال الحديثة، ويبنى فتواه على أن الفقهاء اتفقوا على وقوع الطلاق بالكتابة أو الإشارة بجوار المشافهة، ومادامت عبارة الطلاق يفهم منها الطلاق فلا عبرة بالوسيلة، بشرط التوثق من كون الزوج هو الذي بث رسالة الطلاق، ويقع الطلاق من تاريخ كتابتها، وتحصل المرأة على جميع حقوقها بعد الطلاق.
ويرى الدكتور محمد أحمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر أنه لا يشترط حضور الزوجة حال الطلاق، ويقع الطلاق حال غيبتها وقبل إخبارها، والطلاق بالمراسلة إنما هو مجرد إخبار بما وقع، ولكن الدكتور المسير يشترط أيضا النطق بالطلاق ، فإن كتب الزوج دون أن ينطق لم يقع الطلاق.
الشيخ هاشم يحيى بماليزيا أجاز الطلاق بالوسائل الحديثة ، ورأى أنها وسيلة شرعية لإعلام الزوجة بطلاقها، ودعا المحاكم الشرعية لقبولها ، لكنه اشترط لصحته حضور الزوجين للتأكد من وقوع الطلاق من صاحبه وفي محله.
على الجانب الآخر رفض عدد من علماء الشريعة هذه الوسيلة، وأفتوا بأن الطلاق إن وقع عن طريق المحمول أو الشبكة العنكبوتية فإن الطلاق لا يقع.
الدكتور عبد الوهاب الديلمي الفقيه اليمني ووزير عدلها السابق يرى عدم جواز هذه الوسائل في الطلاق، من باب دفع الضرر، حيث يمكن التلاعب بهذه الوسيلة من قبل أشخاص آخرين غير الزوج.
ويوافق الديلمي الرأي الدكتور محمود عكام أستاذ الشريعة بالجامعات الأردنية، والذي يرى أن الطلاق عبر رسائل المحمول أو البريد الإلكتروني تركه أولى لما قد يدخل هذه الوسيلة من الغش والخداع.
أما الدكتور عبد الحميد عثمان المستشار الشرعي لرئيس وزراء ماليزيا السابق فيرى منع هذه الوسيلة و يراها عملا خطيرا وغير أخلاقي يجب عدم التساهل معه، ورأى أنه على السلطات منع هذه الوسيلة وتقديم كل من يقدم عليها للمحاكمة لمنعها، وأن يأخذ الطلاق الشكل الطبيعي الذي جرى عليه عمل الناس.
الدكتورة آمنة نصيرة أستاذة العقيدة بجامعة الأزهر ترى أن استعمال الوسائل الحديثة في الطلاق يخالف منهج القرآن الذي جعل العلاقة الزوجية ميثاقا غليظا، وأنه لا يتصور هدم البيوت عبر رسالة على المحمول أو الإنترنت.
وتبني الدكتورة آمنة نصير عدم جوازها الطلاق عبر هذه الوسائل على أن الطلاق تسبقه خطوات للتأكد مع عدم استمرار الحياة وهذا هو منهج الإسلام، أما تلك الوسائل فإنها تختصر الطرق الشرعية لتنهي الحياة الزوجية بشكل لا يتلائم مع طبيعتها في الإسلام، وأنه من الواجب على السلطات القضائية التصدي لهذا السلوك حتى لا ينتشر ويصبح ظاهرة اجتماعية تهدد حياتنا بالخطر.
وإذا كان من يجيز الطلاق لا يوقعه إلا بعد التثبت والتأكد وتوثيقه أمام المحاكم، ومعنى التوثيق أن يقر الزوج بأنه طلاق، ولا يثبت الطلاق عندهم إلا أمام المحاكم، فيكون الطلاق هو ما وقع أمام المحكمة لا بالوسائل الحديثة، ومن حق السلطات أن تقيد المباح – مع اعتبار من قال بإباحته- إن كان هناك ضرر قد يلحق بالزوجة، وهذا لا يعني منع الرجل من طلاق زوجته بقدر ما تكون الوسيلة أقرب للتأكد والقبول الاجتماعي، وبهذا قد يرتفع شيء من الخلاف مع التأكيد على رفض الوسيلة الالكترونية وحدها لأن تكون بوابة الطلاق وإنهاء الحياة بين الزوجين.