فقهيةقضايا معاصرة

زواج التمثيل واقع أم لا؟!!

  • د. مسعود صبري

يبدو أن سيل الفتاوى لا ينتهي في ظل ثورة الاتصالات الحديثة، وأن كثيرا من الاجتهادات  الفقهية التي كانت حبيسة المساجد والأماكن المغلقة أضحت في كل مكان مما جعل المردود منها أكثر جدلا مما كان الحال عليه من قبل.

ومن هذه الفتاوى التي أثارت جدلا كبيرا في الأوساط الاجتماعية والفنية والعلمية ما أفتى به الشيخ فرحات المنجي – أحد علماء الأزهر- بوقوع الزواج الذي يتم على سبيل المحاكاة و التمثيل في الدراما.

وقد استند الشيخ فرحات المنجي بصحة زواج التمثيل على عدد من الأدلة، أهمها:

أن الزواج الذي يتم بين ممثل وممثلة، في حضور مأذون، مع وجود الصيغة الشرعية التي ينطق بها، في وجود عدد من الشهود يعد صحيحا شرعا وواقعا يترتب عليه آثاره الشرعية، وهذا يعني أن العقد قد توافرت فيه شروطه الشرعية.

الأمر الثاني الذي يستند إليه الشيخ فرحات المنجي أن الشرع أقر وقوع الزواج والطلاق ولو كان هزلا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : “ثلاث جدّهن جدّ، وهزلهن جدّ، النكاح والعتق والطلاق”.

و إن كان الشيخ المنجي هو صاحب الفتوى، فإن عددا من العلماء وافقه على فتواه، بمثل تلك الاعتبارات والأسانيد الفقهية، من توافر الشروط الشرعية، والاستناد إلى الحديث النبوي الذي يعتبر هزل الزواج واقعا، وإن لم يرد الشخص مقصده، لكنه أجرى اللفظ على لسانه.

غير أن فريقا آخر من الفقهاء رفض أن يكون الزواج الذي يحصل في التمثيل زواجا شرعيا واقعا، ويحكمون بأنه ليس زواجا ولا يترتب عليه أي شيء، مما يعني جواز قيام الممثلين بالزواج في الدراما دون خوف من وقوعه.

ويستند هذا الفريق إلى عدة أصول تنفي صحة زواج الأفلام والمسلسلات، ومن أهم وأقوى الأدلة المستند عليها:

عدم وجود الولي الشرعي، فالذي يزوج في التمثيل ليس هو ولي المرأة أو الفتاة، وجمهور الفقهاء على أن النكاح بلا ولي نكاح باطل؛ استنادا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم :”لا نكاح إلا بولي”، وهو ما  استدل به الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر سابقا وعضو مجمع البحوث الإسلامية.

الدليل الثاني: أن الحديث الذي يستند إليه من يقول بصحة الزواج في التمثيل حكم عليه عدد من المحدثين بالضعف، فقد ضعفه الشيخ مصطفى العدوي، وأشار إلى الروايات الضعيفة للحديث التي أوردها الإمام ابن حجر والإمام الشوكاني وغيرهما، وممن ضعفه في عصرنا أيضا الشيخ الألباني، وإن كان حكم عليه بالحسن من مجموع طرقه. وهذا ما استند إليه الدكتور مجدي شلش رئيس قسم أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بعدم وقوع هذا النوع من الزواج.

الدليل الثالث: عدم وجود نية الزواج، فالذي يحدث في التمثيل لا يقصد به إنشاء زواج أو طلاق، وإنما هو نوع من المحاكاة والتمثيل.. وبهذا قال الدكتور مجدي شلش والدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة إسكندرية.

الدليل الرابع: أن التمثيل الذي يحدث في التمثيل لا ينطبق عليه الجد، ولا ينطبق عليه حالة الهزل التي أشار إليها الحديث النبوي، فالجد أن يقصد الزواج، والهزل أن يعبث باللفظ دون أن يريد الزواج، والممثل لا هو جاد ولا هو هازل، وإنما يقوم بتأدية دور، فلا يكون جادا ولا هازلا، وبالتالي لا يصح الزواج.

وإن كان الفقهاء المعاصرون قد اختلفوا في صحة وقوع الزواج من الفتاة غير المتزوجة، غير أن الجميع متفق على أن المرأة إن كانت متزوجة في الحقيقة، فإن عقد الزواج في التمثيل غير صحيح ولا يقع، لحصول الزواج أصلا، ولعدم صحة زواج المتزوجة.. وهو ما قال به الدكتور مصباح حماد وكيل كلية الشريعة، والدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بالإضافة إلى الدكتور محمد كمال إمام، والدكتور محمد رأفت عثمان، وغيرهم.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى