فقهيةقضايا معاصرة

جدل فقهي حول الحبس الزوجي

  • جدل فقهي حول الحبس الزوجي        د. مسعود صبري

يتبادر إلى ذهن القارئ المسلم خاصة في الدول العربية دلالات كلمة (الحبس) التي تعني الإلقاء في السجن، ومنع الإنسان من ممارسة الحياة طيلة فترة حبسه، ولكن الحبس في الحياة الزوجية مصطلح له دلالاته عند الفقهاء في القديم والحديث، وقد تردد كثيرا في كتب الفقه القديمة أن تحبس المرأة نفسها لزوجها في بيتها مقابل نفقته عليها، هذا الاحتباس الذي قال به جمهور الفقهاء، ونصت عليه بعض الدساتير القانونية كما جاء في قانون الأحوال الشخصية المصرية: “تستحق الزوجة النفقة في القانون نظير حق احتباس الزوج لها على ذمته، ومن البين من نص المادة الأولى من القانون 25/1920 على النفقة المستحقة للزوجة وتشمل (الغذاء والمسكن و الكسوة و مصاريف العلاج بالإضافة لكافة المصاريف الأخرى).ـ من المقرر أن نفقة الزوجية واجبة على الزوج شرعاً لقاء احتباسها عليه وأن النفقة للزوجة ديناً عليه فى ذمته لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء طبقاً للمادة الأولى من القانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985واذا توافر شروط الاستحقاق، فهنا تستحق الزوجة النفقة مع يسار أو إعسار الزوج طالما كان قادرا على الكسب.”  هذا المعنى  لاقى مراجعة من بعض الفقهاء المعاصرين، فمنهم من رفض دلالة المصطلح، ومنهم من حاول تفسيره بشكل جديد، ومنهم من رأى الإبقاء عليه.

 وكان من فريق الرفض الدكتور قطب مصطفى سانو –نائب رئيس الجامعة الإسلامية الماليزية- حيث تحفظ على استخدام الكلمة في سياق العلاقة الزوجية؛ لما فيها من “انتقاص لحق المرأة” على حد قوله. واعتبر أن ما تذكره المدونات الفقهية من جواز امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته الناشز “فيه تجاوز للنص القرآني الذي لا يذكر شيئا عن هذا”.

وفضل الدكتور سانو الأخذ برأي ابن حزم في مسألة وجوب إنفاق الزوج على زوجته القائل بأن “سبب وجوب النفقة هو عقد الزواج نفسه”. وأبدى عدم تحبيذه لرأي كل من المالكية والشافعية والحنابلة والإباضية من أن سبب الوجوب هو “تسليم المرأة نفسها وتمكين الزوج منها”.

 وفي محاولة منه لتجديد معنى الاحتباس بعيدا عن المنظور الفقهي القديم رأى الشيخ العلامة الدكتور عبد الله بن بيه -وزير العدل الموريتاني الأسبق، و نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الاحتباس “معناه أنها لا يمكن أن تتزوج غيره أو أن يستمتع بها غيره، وليس معناه عند الحنفية احتباسها في البيت. فالزوج هو محبوس عليها وليست هي محبوسة عليه”.

ورفض الشيخ بن بيه الرأي القائل باعتبار العقد علة وجوب النفقة على الزوج، قائلا: “إن العقد علة وجوب الصداق (المهر)، أما وجوب النفقة فهو مقابل الاستمتاع”.

لكن الدكتور محمد رأفت عثمان –عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر الأسبق- رفض من جانبه رأي بن بيه، معتبرا أن “تصوير النفقة مقابل الاحتباس أو التمكين يوحي بأن وظيفة المرأة توفير متعة الرجل”.

وفي السياق نفسه اعتبر الدكتور محمد رواس قلعجي –الخبير بالموسوعة الفقهية الكويتية- أن هناك خطأ وقع فيه كثير من الفقهاء بأن عقد الزواج “عقد معاوضة” مقابل منفعة الاستمتاع.

 ويرى الشيخ محمد حسين عيسى من علماء مصر أن هذا الاحتباس لأداء حقوق الزوج ليس حبسا بالمفهوم العرفي بما اصطلح عليه الناس، وليس منعا لها من الخروج، ولكن معناه أن تعطيه ما له من حقوق الزوجية، وفي مقدمتها الجماع عندما يجد الرغبة في ذلك، وليس معنى هذا أن يمنعها من الخروج أو يمنعها من العمل؛ فقد يكون العمل المطلوب منها فرضا كفائيا يجب عليها أن تقوم به، كأن تكون طبيبة للنساء أو ممرضة أو مصلحة اجتماعية أو مدرسة أو غير ذلك من المهن التي لا يقوم بها إلا امرأة، فعند ذلك يتحتم عليها أن تقوم بهذا العمل، أما إذا كان العمل ليس فرضا كفائيا عليها، فيستحب أن يكون ذلك باتفاق مع الزوج، ولا تخرج بدون إذنه أو بدون موافقته إلى العمل؛ لأن عليها أن تطيعه خاصة إذا كان يكفيها في كل نفقاتها؛ فيكون خروجها عند ذلك لا معنى له إلا الرغبة فقط في العمل، الرغبة فقط في الخروج، ولا يكون ذلك لمصلحة شرعية شرعها الله سبحانه وتعالى.

ولكن عددا من الفقهاء المعاصرين يرون أن احتباس المرأة على زوجها واجب شرعي، وهو سبب للنفقة، فإن لم تحتبس عدت ناشرا، وسقطت عنها النفقة الشرعية، وعلى رأس هؤلاء الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، حيث رأى أن تفويت المرأة على الرجل حقَّ الاحتباس أو الاستعداد له بغير حق شرعيّ يُعَدُّ نشوزًا يُسْقِطُ نفقتَها الواجبة لها شرعًا على الزوج من تاريخ تفويت حق الاحتباس الكامل لحق زوجها، وامتناعها عنه من الناحية الفعلية ، وليس من تاريخ التحقق من هذا الامتناع ، وذلك لأن النفقة في مقابل حق الاحتباس الكامل لقوله تعالى: (الرجالُ قَوَّامونَ على النساءِ بما فَضَّلَ اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبما أنْفَقوا مِن أموالِهم فالصالحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ للغيبِ بما حَفِظَ اللهُ واللاتي تَخافونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُروهُنَّ في المضاجعِ واضْرِبُوهُنَّ فإنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيهِنَّ سبيلًا) (النساء: 34) وقوله تعالى:(أسْكِنوهُنَّ مِن حيثُ سَكَنْتُمْ مِن وُجْدِكُمْ ولا تُضَارُّوهُنَّ لتُضَيِّقوا عَلَيهِنَّ) (الطلاق: 6) وقوله تعالى: (ليُنْفِقْ ذو سَعَةٍ مِن سَعَتِه ومَن قُدِرَ عليه رزقُه فليُنْفِقْ مما آتاه الله) (الطلاق: 7) .

ولأن اعتبار النفقة من تاريخ التحقيق من هذا الامتناع قد يؤدي إلى تحايل في إطالة أمد الخصومة بما يؤدي إلى الإضرار بأحد الطرفين، والضرر يجب رَفْعُه شرعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضَرَرَ ولا ضِرار “.

و إن كان من الفقهاء من يرفض سقوط النفقة وإن كانت المرأة ناشزا، فإن هذا الرفض ربما كان من باب حسن العشرة لا من باب بيان الحقوق والواجبات، فعند الاختلاف يلجئ إلى القانون، أما في ظلال الحياة الوارفة، فالفضل لا العدل هو ميزان التعامل آنذاك.

للمزيد عن جدل فقهي حول الحبس الزوجي اقرأ أيضا

مسائل النفقة والمتعة والحضانة

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى