فقهيةقضايا معاصرة

ما حكم إجبار البنت على الزواج ؟

زواج الغصب في الإسلام

تسأل إحدى الفتيات عن ما حكم إجبار البنت على الزواج ؟

د. مسعود صبري

تعد قضية (إجبار البنت على الزواج) من أهم الأمور في ممارسة العنف ضد المرأة، فمازالت مجتمعاتنا تشهد نوعا من التسلط داخل عدد غير من البيوت في إرغام الفتاة على الزواج ببعض الأشخاص، وهو عنف يجب الانتباه إليه، بل يجب أن يعطى الاهتمام أكثر من غيره من تلك القضايا التي قد يكون لها نصيب من الشرع،  ولكنها قد يشوبها بعض الممارسات الخاطئة، مثل الختان، وتعسف الزوج في استعمال حق القوامة، ومنع المرأة من زيارة أهلها مثلا وغيرها من الأمور، فمقصد الحرية من أعلى مقاصد الشريعة في حياة الناس، وفي الوقت الذي نشكو فيه من الانحلال الأخلاقي والممارسة الفاحشة تحت ستار الزواج السري، أو زواج المصايف والمشاتي أو حتى الممارسات الخاطئة صراحة، نجد على النقيض في مثل هذا الزمن من يجبر ابنته على الزواج بمن لا ترغب به، ويعتبر ابنته ملكا له كقطعة أثاث لا يجوز لها أن تتزوج بإرادتها، فوالدها – دائما حسب زعمه- أعلم بمصلحتها، ولا رأي لها في هذا .

ويأخذ هذا النوع من العنف ضد المرأة أشكالا متعددة، فقد يكون بالإيذاء الجسدي، أو بالسب والشتم والتهديد، وقد يأخذ شكلا من أشكال الضغط النفسي حتى تقبل الفتاة بالزواج ممن لا ترغب، حتى تزاح من بيت أبيها، أو تفرح الأم بزواج ابنتها، دون إدراك لخطورة ما صنعوا في حق ابنتهم التي لا شك أنهم يحبونها حبا شديدا.

 

إجبار البنت على الزواج في السنة النبوية

 

وممارسة مثل هذا العنف ليس جديدا، فقد حوت السنة النبوية طرفا من هذا، حيث أجبر عدد من الرجال بناتهم على الزواج ممن لا يرغبن، غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم أبطل الزواج، فقد ورد عن عائشة – رضي الله عنها- أنها قالت : {جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي من خسيسته ، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء}. أخرجه النسائي وأحمد.

ويبدو من هذه القصة أن الفتاة كانت ترى في ابن عمها زوجا صالحا توافق عليه، لكنها رفضت أن يجيء من باب الضغط عليها والعنف ضدها، ومثل هذه الصورة قد توجد في واقعنا فقد يكون الزوج كفئا للزوجة، ولكن إرغام الفتاة عليه يولد عندها نوعا من الرفض.

وليست هذه هي الصورة الوحيدة في عصر النبوة التي رد الرسول فيها زواج الكارهة، فعن عكرمة عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح بكر وثيب أنكحهما أبوهما ، وهما كارهتان ، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحهما }أخرجه الدارقطني.

و عن  خنساء، قالت: أنكحني أبي وأنا كارهة، وأنا بكر، فشكوت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ”لا تنكحها وهي كارهة.” أخرجه النسائي.

 

لا يجوز إجبار البنت على الزواج

 

فهذه وقائع تدل على حرمة زواج الفتاة رغما عنها، وحرمة ممارسة العنف ضدها لتتزوج بمن لا ترغب، وإن كان الشرع أعطى الحق للوالد أن يعترض على زواج من لا يراه كفئا لابنته، فإنه لا ينسى الأصل، وهو أن الموافقة الرئيسة إنما تكون لتلك الزوجة التي ستعيش في كنف من تختاره زوجا لها، تشاركه الحياة، فالزواج بصورة ميسرة هو شراكة بين الرجل والمرأة بشروط منها موافقة الولي، من باب أن الوالد أحرص الناس على ابنته ومصلحتها، والولاية منوطة بالمصلحة.

حل مشكلة الزواج بالغصب :

 

في حالة  إجبار البنت على الزواج بالغصب ، المطلوب من الفتاة  المقاومة السليمة برفض الزواج ممن لا ترغب مهما حدث، حتى لو اعتدي عليها بالضرب، أو أخذ منها موقف، فخير لها أن تتحمل أذى مؤقتا بدلا من أن تعيش حياة هي لها كارهة طوال العمر.

 ولا تظن الفتيات أن رفضها هو نوع من عقوق الوالدين، وأنها إن لم توافق على رأي أبيها؛ فإنها تكون عاصية عند الله تعالى، ففي الزواج لابد من التفاهم بين الفتاة صاحبة الشأن، وبين ولي أمرها صاحب الأمر، وبشيء من الحوار والمصداقة والمصاحبة بين الفتاة وأبيها وأمها يمكن الخروج برأي يقول بالموافقة أو الرفض، فإن أصر الأصل على الزواج، فلتصر هي على الرفض، ولا تتزوج إلا بما تظن أنه أنسب الناس لها، مع استشارة أهلها، وأخذ رأيهم وموافقتهم.

إننا بحاجة إلى أن نعيد الأمور في الأسرة إلى نصابها، وألا يجور أحد أعضائها على حق غيره، فتلتزم الفتاة الأدب مع أبيها وأمها برا وطاعة، ولا تتزوج بدون موافقة أهلها، لأن العلاقة بين الفتاة وأهلها لن تنتهي بالزواج، وعلى الجانب الآخر لا يظن آباء أن أبناءهم ملكا لهم يتصرفون فيهم كيفما يشاؤون، وأن عليهم السمع والطاعة العمياوين، فهناك مساحات حرية للأبناء لابد من ممارسة حقوقهم فيها دون منع الآباء.

فتاوى في الزواج الإجباري:

 

وقد رفضت المجامع الفقهية المعاصرة إجبار البنت على الزواج، وجاء في قرار المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث في الدورة الرابعة عشرة، في القرار الرابع: ما نصه:

استعرض المجلس موضوع الإجبار على الزواج والبحث الذي تناوله، وبعد المداولة والنظر قرر ما يلي:

أن القول الذي يجب المصير إليه والعمل به أنه يجب على الآباء أو الأولياء استئمار البنت في أمر زواجها، فإن وافقت عليه صح العقد، وإلا فلا، لقوله عليه الصلاة والسلام: “لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن”، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: “أن تسكت”، رواه البخاري. وعن عبدالله بن عباس: أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ: فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها”.

كما لم يجز للولي التعسف في استعمال حق الولاية بمنع تزويج الفتاة لمن هو كفء لها، وجاء في القرار الخامس من الدورة الرابعة عشرة ما نصه:

استعرض المجلس موضوع “عضل الولي”، وهو: (منع موليته من الزواج) والبحث الذي تناوله، وبعد المداولة والنظر قرر ما يلي:

أنه لا يحل للولي أن يعضل (أي يمنع) وليته إذا أرادت الزواج من كفءٍ بصداق مثلها، فإذا منعها وليها القريب انتقلت الولاية إلى من يليه في الولاية، أو إلى القاضي، أو من ينوب عن جماعة المسلمين إن لم يكن قاض كالقائمين على المراكز الإسلامية والمساجد في الغرب ممن يعود إليهم المسلمون في شؤونهم الدينية؛ لأن تأخير الزواج ووقوع العضل من بعض الأولياء سبب في مفاسد خطيرة على الفرد والمجتمع. وحيث إن ظاهرة العضل متفشية فيجب العمل على علاجها في المجتمع المسلم بما يحد منها أو يمنعها، وأهم ما يلاحظ في ذلك الفصل بين الأحكام الشرعية وبين التقاليد والأعراف، ثم توعية المسلمين بفوائد الالتزام بأحكام الشرع الذي شرعه الله لهم في شكل نشرات ودورات متخصصة، والعمل على تكوين مجالس تحكيم يمكن الرجوع إليها في مثل هذا الأمر”.

طريق العلاج:

 

وفي ظني أن تقوى الله تعالى، والحوار والصحبة بين الفتيات والآباء سبيل مهمة نحو زواج آمن، فليس الأمر متعلقا بتسلط الأبوين أو مجرد رغبة غير عاقلة من الفتاة، بل حرص من الوالدين على ابنتهما، وتعقل للفتاة أن تختار شريكها بناء على رؤية واضحة لمواصفات شريك العمر، فلا يكون هم الآباء الانتهاء من تزويج ابنتهم حتى يروا أنهم قد أدوا ما عليهم، وأن يزيحوا عن كاهلهم العبء الاجتماعي من كون ابنتهم لم تتزوج، ولا أن تسارع الفتاة للزواج من أول من تلقاه دون تفكير واع، فالنظر إلى المآلات المستقبلية، وما يترتب على الزواج بهذه الطريقة وما نراه في حياتنا من تجارب يجعلنا وقافين عند حدود الله تعالى وأن نعطي كل واحد حقه، فإن أبى الوالد إلا أن يركب رأسه، وكان الزوج كفئا للفتاة، سقطت عنه الولاية كما يقول الفقهاء، وانتقلت إلى أقرب الأولياء كالأخ أو العم، فنحافظ على ركن من أركان الزواج وهو الولي، كما نحافظ على الركن الأول من الإيجاب والقبول.

للمزيد عن  حكم إجبار البنت على الزواج  اقرأ ايضا

الإجبار على الزواج

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى