فقهيةقضايا معاصرة

وثيقة الطفل

  • د. مسعود صبري

اشتملت تعديلات وثيقة الطفل على عدد من الأمور التي يجب أن تبدو فيها الرؤية الشرعية واضحة، و خاصة أن عددا من تلك القوانين لها آثار سلبية وتصادمية مع الأحكام الشرعية، فضلا عن آثارها السلبية للمجتمع المسلم، والذي تسعى فيه ضمن عدد من الوثائق الدولية إلى طمس الهوية الإسلامية في مجتمعاتنا، نحو عولمة العالمي الإسلامي ومحاولة تغريبه.

ولكن الأغرب ليست الدعوة إلى مبادئ تخالف الشريعة الإسلامية، إنما موافقة مجلس الشورى المصري من حيث المبدأ على مشروع قانون بتعديل أحكام قانون الطفل (رقم 12 لسنة 1996) بكل بنوده، بحيث تم تغيير بعض الفقرات فيه، تتعلق بتجريم ختان الإناث، ورفع سن الزواج للجنسين إلى 18 سنة، حتى تكون هناك مساواة بينهما في سن الزواج وإلا بطل العقد، مع اشتراط توقيع الكشف الطبي للمقبلين على الزواج، وجواز أن ينسب الابن لأمه. حيث جاء في تعديل المادة (15): “للأم الحق في الإبلاغ عن وليدها وقيده بسجلات المواليد واستخراج شهادة ميلاد منسوبًا إليها كأم”. و حق الطفل أن يتقدم بالشكوى للجهات المختصة إذا تعرض للعنف والإيذاء من والديه أو من يقوم على رعايته.

وكان المجلس القومي للطفولة والأمومة  قد أصدر مسودة مشروع تعديل قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 في أكثر تعديل لأكثر من 60 مادة في قانون الطفل.

وهذا لا يعني أن كل ما جاء في الوثيقة يناقض الشريعة، فغالب النصوص فيها تتوافق مع أحكام الفقه، وتتماشى مع روح التشريع والحفاظ على الأطفال وحقوقهم، وخاصة فيما يتعلق بتحسين المعيشة ورعاية المعاقين وغير ذلك، ولكن لا يمنع هذا تصحيح ما جاء فيها مما يظن أنه  من الخطأ إقراره شرعا.

  • نسب الولد لأمه

 التعديلات والنصوص الجديدة كان بعضها محل رفض من الفقهاء المعاصرين، وخاصة ما يتعلق بحق المرأة في نسب ولدها إليها، وقبل عدد من الفقهاء التعديلات الأخرى ورفضها آخرون.

فيرى الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم عدم جواز إثبات المرأة ابنها نسبا لها وأن يسجل في السجلات الرسمية بأن البنوة مرتبطة بالزواج الشرعي، والعلاقة غير الشرعية لا تثبت بها بنوة، وذلك حتى نسد الطريق أمام الانحرافات في العلاقات بين الرجل والمرأة، فقد يكون الولد من الزنى، وإقرار حق المرأة في إثبات ولدها هو تقليد غربي غريب عن شريعتنا ومجتمعنا.و أن علاج حقوق اللقطاء لا يكون بمثل هذا القانون وإنما بمحاربة الرذيلة وتيسير سبل الزواج المشروع حتى يظل المجتمع الإسلامي بصبغته.

ويرفض الدكتور محمد كمال إمام إثبات الأم لولدها لأن الطفل المولود خارج إطار عقد الزوجية ينسب لأمه من خلال الولادة الطبيعية قولا واحدا، وتظل المشكلة في نسبته إلى أبيه فلا يثبت له النسب لأبيه إلا إذا أقر الأب دون الإشارة إلى أنه دون علاقة غير شرعية.

ويرى الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الفقه بجامعة الأزهر حرمة نسب الولد لغير الزوج، حتى لو عُرف والده، مستندا لقول رسول الله- عليه الصلاة والسلام-: “الولد للفراش، وللعاهر الحجر”؛ فإن لم يقر الزوج به فلا خلاف بين الفقهاء في حرمة نسبه إليه، وإنما وقع الخلاف في الزاني الذي أقر بابنه من امرأة زنى بها وهي غير متزوجة، فحرمه الجمهور وأباحه بعض التابعين ثم ابن القيم وغيره. وهو ما اختاره الدكتور محمد رأفت عثمان، وأنه يمكن الأخذ به بشرط أن يثبت بالتحاليل العلمية أنه منه وليس من غيره.

واعتبر الدكتور عبد الله سمك عميد كلية الدعوة سابقا أنَّ نَسَبَ الطفل لأمه تحت أي ظرف من الظروف مخالف للقرآن فلا يجوز.

ولم يخالف في ذلك إلا الدكتور إسماعيل الدفتار والذي رأى جواز نسب الولد لأمه، واستند أن بعض الصحابة نسبوا لأمهاتهم كالزبير بن صفية. وهو رأي ضعيف جدا، مخالف لإجماع الأمة، وأنه ليس هناك عدد من الصحابة تسموا بأسماء أمهاتهم، ومن تسمى كان تسمي باسم أمه في الجاهلية لعدم معرفة أبيه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:” إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم”.

  • تحديد سن الزواج

أما تحديد السن، فقد اختلف فيه الفقهاء، فقبله البعض كإجراء تنظيمي وهو يوكل لولي الأمر، وإليه ذهب الدكتور محمد الدسوقي والدكتور إسماعيل الدفتار، والدكتور سعد الدين الهلالي

ورأوا أن هذا من الأمور التنظيمية التي يدخل في باب المصالح المرسلة والتي تخضع لرأي ولي الأمر، وهو أيضا رأي فضيلة مفتي مصر  الدكتور علي جمعة.

ويرى الموافقون على تحديد سن الزواج أن هذا لا يعني تحريم الزواج وإنما يعني منع توثيقه فقط.

وخالفهم بعض الفقهاء رافضين تحديد سن الزواج، لما قد يدعو إلى الفاحشة و انتشار الزواج العرفي بين الشباب والفتيات، مع رفضهم وجوب الكشف الطبي قبل الزواج، وإلا بطل العقد، ومن هؤلاء الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، والدكتور عبد الله سمك، و الشيخ أحمد عثمان من علماء الأزهر،  والدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ بجامعة الأزهر.

ورأى هؤلاء أن النصوص الشرعية تدعو للزواج ممن كان على خلق دون تحديد سن أو كشف طبي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إذا جاءكم من ترضَون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”. فجاء الحديث بهذا العموم دون اشتراط سن أو كشف طبي.

  • شكوى الطفل والديه

وحول حق الطفل في رفع دعوى ضد والديه إن شعر بالإساءة أو العنف، رأى عدد من الفقهاء المعارضين لتلك البنود، وعلى رأسهم الدكتور عبد الفتاح الشيخ رئيس اللجنة الفقهية بمجمع البحوث الفقهية ورئيس جامعة الأزهر الأسبق أن هذا بند مبهم وهو يجر إلى فساد فضلا عن مخالفته لنصوص الشرع التي تبيح للوالدين تأديب أولادهم شريطة ألا يلحقوا بهم أذى كبيرا، والتأديب حق شرعي للوالدين تجاه أبنائهم.

  • تجريم ختان الإناث

وحول تجريم ختان الإناث رأى الدكتور عبد الفتاح الشيخ أنه لا يجوز تجريم الوالدين أو الطبيب في ختان الإناث؛ إذ هو أمر مقر شرعا، فكيف يجرم فعلا هو من شريعة الإسلام.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى