- د. مسعود صبري
نشأت فكرة “عيد الأم” في الدول العربية على يد ” مصطفى أمين” و أخيه ” علي أمين” مؤسسا دار الأخبار المصرية، ذلك أن أما كتبت لـ” مصطفى أمين” وشكت له في مكتبه من معاملة ولدها لها ، مع أنها أرملة، ولم تتزوج، وتفرغت لتربية أولادها، فكتب ” مصطفى أمين” في عموده يدعو لفكرة تخصيص يوم للاحتفال بالأم تكريما لها؛ وخاصة أن الإسلام كرم الأم وأمر ببرها، واقترح البعض أن يكون أسبوعا بدلا من اليوم، ولكن استقر الأمر على أن يكون يوما واحدا، وشارك القراء في تخصيص يوم 21 من مارس؛ لأنه أول أيام الربيع، فيكون رمزا للانفتاح والوفاء للأم، واحتفلت مصر في 21 مارس عام 1956، وتبعها بعد ذلك الدول العربية ومازالت، علما أن هذا اليوم هو رأس السنة عند الأقباط النصارى.
لكن هذا الاحتفال بـ”عيد الأم” اختلف حوله الفقهاء،
فمنهم من يرى أنه بدعة محدثة لا تجوز، وعلى رأسهم العلامة القرضاوي والعلامة ابن باز وابن عثيمين – رحمهما الله، والدكتور محمد الطبطبائي عميد كلية الشريعة بالكويت، والدكتور بسام الشطي بالكويت، والشيخ يوسف السند، والشيخ صالح الفوزان من علماء المملكة، وهو رأي اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية.
بينما رأى فريق آخر أن مثل هذا الاحتفال لا يتصادم مع ثوابت الشرع، فهو جائز وليس ببدعة، وإلى هذا الرأي جنح الدكتور محمد بكر إسماعيل – الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله، والدكتور عبد الفتاح عاشور الأستاذ بجامعة الأزهر، والمستشار فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء.
- أدلة من يرى أنه بدعة
وبنى العلامة القرضاوي رؤيته في أن الاحتفال بعيد الأم بدعة أنه أمر مستورد من الغرب، وأن الناس يرونه من مناقبه، لكنه في الحقيقية من مثالبه، فالأم في نظر الشرع لا تكرم في يوم وتنتهي العلاقة، فالعلاقة بين الابن وأمه موصولة كل يوم، أما الغرب فقد اخترع هذا لأنهم يتركون أمهاتهم في الملاجئ أو يقطعون الصلة بهم، فجعلوا هذا اليوم لأجل أن يعطوها هدية فحسب، وهذا يتنافى مع مبادئ الإسلام في البر الدائم بالأم.
و بنت اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث بالسعودية تحريمها للاحتفال على أنه بدعة محدثة، مستشهدة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد.” رواه البخاري ومسلم. كما أنه يدخل في باب التشبه بالكفار، واختراع عبادة لم يأذن الله بها، كما أن الاحتفال لم يكن من عمل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من عمل أصحابه ولا التابعين ولا سلف هذه الأمة. وهو ما استند إليه الشيخ ابن باز في فتوى خاصة مطولة له وافقت كل ما ذهبت إليه اللجنة.
ويضيف الشيخ الفوزان أنه ليس في الإسلام أعياد إلا الفطر والأضحى وما سواهما فهو بدعة وتقليد للكفار، وهو ما رآه أيضا الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة، والذي رأى أنه لا يجوز تقديم الهدايا ولا إظهار السرور في هذه الأيام فرحا بهذه البدعة، كما أنه أشار إلى أن الاحتفال بالعيد يجعل الأمة إمعة تابعة لغيرها دون هوية، وليس في ديننا نقص حتى نتبع غيرنا في استحداث مالم يكن عندنا.
ويرى الدكتور محمد الطبطبائي أن الاحتفال بعيد الأم إن كان لائقا بغير المجتمعات الإسلامية فهو لا يليق بمجتمع جعل الأم طريقا إلى جنة الله تعالى، والواجب ترك الاحتفال بالعيد وإبداله بصلة الرحم والبر الواجب.
أما الشيخ يوسف السند فهو يرفض تسمية مثل هذه العادات بالأعياد، فيمكن أن تسمى مناسبات، واعتبارها أعيادا فيه تغريب لهوية المجتمع المسلم، ومسخ للأجيال وإبعاد لها عن حضارة أمتها.
أما الدكتور بسام الشطي فهو يرى الحرمة لأننا أمرنا بمخالفة اليهود والنصارى، وأن الله تعالى أبدلنا بأعيادهم أعيادا خير منها: الفطر والأضحى.
- أدلة من قال بالجواز
يستند الدكتور عبد الفتاح عاشور إلى أن الاحتفال بيوم وتكريم أحد فيه ليس عيدا دينيا بل هو لون من ألوان التكريم، واختيار يوم للأم واجتماع الأسرة فيه وتكريم الأم لا يخالف قواعد الإسلام وليس فيه تقليد للغرب أو الشرق، إنما هو شكل جديد لتكريم الأم، ليس فيه مخالفة للشرع ولا تقليد لأحد.
أما المستشار فيصل مولوي فهو يرى نه لأنه ليس عندنا إلا عيدان، أما الاحتفال بالأم في يوم من الأيام فهي مناسبة وليست عيدا، والحرج الشرعي هو اعتبار هذا اليوم عيدا دينيا بالمعنى الشرعي، وأن تقليد غير المسلمين المحرم إنما يكون فيما هو خاص بهم، أما ما كان له أصل عندنا فليس بحرام.
أما الدكتور محمد بكر إسماعيل فهو يبني جوازه على أن هناك فرق بين بدع العادات وبدع العبادات، فبدع العبادات محرمة، أما بدع العادات فهو ليس مأمورا بها ولا منهيا عنها، فإن وافقت أصل عندنا فلا بأس بها، ويكون الاحتفال بيوم الأم جائزا بشروط ثلاثة هي: ألا يكون عيدا، وألا يراد به التشبه بالكفار، وأن يحذر من ارتكاب المحرمات في الاحتفال. ويستد بقول الشاطبي في تعريف البدعة المحرمة بقوله : ” هي طريقة في الدين مخترعة , تضاهي الشريعة , يقصد بالسلوك عليها التعبد لله سبحانه وتعالى “.