المرأةفقهيةقضايا معاصرة

التفسير النسوي للقرآن

د. مسعود صبري

عقد في مدينة كولونيا الألمانية مؤتمر نظمته مؤسسة (فردريش إيبرت) الألمانية بعنوان: “قوة النساء في الإسلام.. توجهات وإستراتيجيات نسائية للقرن الـ21″،وقد ناقش المؤتمر في جلسات وورش عمل عددا من  المحاور الهامة، ومن أهمها:
احتكار الرجال لباب الاجتهاد والتفسير فيما يتعلق بالقرآن والسنة وقضايا الشريعة الإسلامية ومدى مطابقتها لواقع العالم المعاصر وحقوق المرأة المسلمة بإصلاح قوانين الأحوال الشخصية والجدل حول الحجاب وخاصة في تركيا، وغيرها من قضايا المرأة المسلمة.

ومنذ عدة سنوات قامت جماعة حديثة أسمتها منشئاتها: “المبادرة النسائية الإسلامية للروحانية والمساواة” -حسب ما ذكره موقع العربية يوم الإثنين 20 نوفمبر 2006م- ودفعتهم تلك الفكرة إلى الدعوة لإنشاء مجلس نسائي لتفسير القرآن الكريم، معتبرات أن هذا التفسير النسوي خطوة على طريق تحسين صورة الإسلام في الغرب!

وربما كان الأخطر في هذا قضية “التفسير النسوي للقرآن”، وهي فكرة يلح عليها الغرب منذ فترة طويلة، وتعقد لها المؤتمرات منذ عدة سنوات، حيث رأى الغرب أن تفسير القرآن من الرجال لا يتماشى ورؤيته في عدد من قضايا المرأة.

“التفسير النسوي للقرآن” فكرة رفضها عدد كبير من علماء الشريعة، مثل: الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد -أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، والدكتور عبد الصبور شاهين -المفكر الإسلامي، و الدكتور حسن الشافعي رئيس الجامعة الإسلامية بباكستان سابقا، والأستاذ الدكتور محمد شريف -رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، و الدكتور محمد السيد الجليند الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة،.

وعلل العلماء رفضهم لمثل هذه الفكرة بعدد من الحجج والبراهين، من أهمها: أن القول بأن هناك تفسير ذكوري وأنوثي يفتح بابا لتحريف القرآن الكريم، وأن لتفسير القرآن شروط يجب توافرها فيمن يقوم بتفسير القرآن الكريم، ثم ما الجديد الذي ستقدمه تلك النسوة، فإنهن لن يجدن إلا ما قام به المفسرون وفسروا به القرآن الكريم.

ومن أهم دواعي رفض مثل هذا التفسير أنه ينطلق من تفسير غربي للقرآن الكريم، وأن النسوة اللاتي يردن تفسير القرآن قد تعلمن في الجامعات الغربية وليس لديهن ثقافة إسلامية واسعة تؤهلهن لتفسير القرآن الكريم، بل إنهن سينطلقن من مبادئ تفسير الكتاب المقدس، فتسحب تلك القواعد على القرآن الكريم، وهو خطأ محض، مما يجعل التفسير الجديد تفسيرا مشوها.

أما المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة، والدكتور أحمد يوسف سليمان أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة فقد رأيا أن نتمهل في هذه التجربة، وألا نتعجل بالحكم عليها حتى نرى الثمرة ثم نحكم عليها، لأن الرفض المبدئي سيزيد تلك النسوة تمسكا بطريقتهن.

والدعوة إلى أن تقوم  نساء دون الرجال بتفسير القرآن الكريم هو خطأ محض يقعن فيه، فإن كن يقلن إن الرجال استأثرن بتفسير القرآن، فإنهن قد وقعن في نفس الخطأ، والقرآن لا علاقة له بالذكورة والأنوثة، إن المطلوب هو أن يكون هناك منهج منضبط في تفسير القرآن الكريم يقوم به كل من توافرت فيه شروط التفسير سواء أكان رجلا أم امرأة، فقد كان من أمهات المؤمنين من فسر القرآن كعائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وكذلك من التابعين، بل وفي العصر الحديث أيضا، فقد كتبت السيدة زينب الغزالي رحمها الله كتابا في تفسير القرآن الكريم، وقد  تعلم عدد من العلماء على يد عدد من النساء، فطرح قضية الجنس أمر هام في العلوم الشرعية، فالدين للرجال والنساء، ولكن محاولة رفع جنس يرى نفسه ناقصا هو نوع من تأكيد النقص، فالمطلوب في تفسير القرآن هو ألا يحيد عن الطريق، وألا يفسر حسب الأهواء، سواء أكان هذا الهوى سياسيا أم اجتماعيا أم جنسيا، ولتكن مشاركة المرأة فعالة مع إخوانها من العلماء الرجال، كما كانت عالمات الأمة من قبلها ، فتدخل المرأة الميدان بوصف العلم لا بوصف الأنثى، المهم أن تمتلك الأدوات، حتى تكون أهلا للتفسير.

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى