المصايف المختلطة د. مسعود صبري
مع دخول فصل الصيف يتجه كثير من الناس نحو ما يعرف بـ”المصايف“، والخروج على شواطئ البحور والمحيطات لأداء عطلة صيفية رائعة، وربما هناك من الناس من يرى أن مجرد الذهاب حرام شرعا، والأولى للإنسان أن ينفق هذه الأموال في الطاعة.
والمتتبع لأقوال الفقهاء المعاصرين يجد أن الذهاب للمصايف في حد ذاتها مباح شرعا إن لم تكن مختلطة، فإن كانت مختلطة، فقد اختلفوا حولها، بين من يحرمها على الإطلاق مادام الاختلاط موجودا بها كما هو المفهوم من عدد من، وبين من يبيحها بشروط.
العلامة القرضاوي يرى جواز الذهاب للمصايف بشرط عدم الاختلاط الفاحش وعدم الاطلاع على العورات فيقول :”الذهاب للشواطئ للاستجمام حق لكل مواطن ولكل إنسان؛ فليس الاستجمام حقًا لكل اللادينيين وحدهم، حتى إذا ذهب الإسلاميون أُنكر عليهم ذلك: فهل هواء البحر محرّم على أهل الدين؟
فإذا جاء وقت الصلاة جاء المسلمون على شواطئ البحر ليصلوا، فلماذا هذا الإنكار على المسلمين لما ذهبوا إلى الشواطئ؟
فهذه الظاهرة طيبة، فمنذ سنوات امتدت الصحوة الإسلامية، وربما مر الإنسان على شواطئ الإسكندرية الآن ليرى الملتزمين وهم يصلون، وقد ترى المحجبات والمصلين عند البحر؛ وهذا أمر نحبذه، ولا نرى فيه منكرًا شرعًا.
ويربط الشيخ عطية صقر من رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الأسبق – رحمه الله- أن الذهاب للمصايف يرتبط بالنية، فيقول: ” وشواطئ البحار يَقْصدها الكثيرون في الصيف لطِيب الهواء والاستحمام بالماء وهدوء الأعصاب ولغير ذلك من الأغراض التي لها علاقة بالحكم؛ لأن الأعمال بالنيات. ولو التزمَ الإنْسان، وخاصَّة النساء، بالحِشْمة المطلوبة والأدب في السلوك عامة ما كان هناك مانع من ارتيادها”.
ويرى الدكتور نصر فريد واصل جواز الخروج للمصايف مع حرمة كشف العورات والاختلاط المبتذل، ولا فرق في ذلك بين مكان ومكان، فالمصايف وغيرها سواء، وعلى كل مكلف مراعاة الواجبات والتكاليف الشرعية التي كلف بها والالتزام بها وعدم الخروج عليها، وهذا لا يحرمه بحال من التمتع بكل زينة في الحياة الدنيا التي أحلها الله لعباده بما في ذلك البحار والأنهار لقوله تعالى “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ”.
كما أجاز الشيخ أبو إسحاق الحويني: الذهاب للمطاعم والملاهي والمصايف في غير وقت زحام فقال: إن الذهاب إلى هذه الأماكن مباح ما لم يقترن به معصية من الاختلاط مع أهل الفجور سواء كان في المصايف أو المطاعم.
ومن المحرمين اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية، حيث أفتت: “إذا كان واقع المصايف كما ذكر، فلا يجوز للمسلم أن يذهب إليها، سواء كان رجلا أم امرأة، وسواء كان مع النساء محرم لهن أم لم يكن، وسواء نزلن البحر أم لم ينزلن؛ لأنها مواضع فتنة، وتتفشى فيها المنكرات، ويغلب على من ينزل بها أن يرى ما يخالف شرع الله من عورات مكشوفة، واختلاط نساء بغير محارمهن، وفضائح يندى لها الجبين، والتردد على هذه المصايف يميت الغيرة في النفوس، ويغريها بارتكاب المنكر، وفي البعد عنها السلامة، والمحافظة على العفاف والكرامة”.
وإلى هذا يذهب الدكتور عبد الله الفقيه حيث يرى أن وجود الأسر من الزوجين أو غيرهما في تلك المصايف المختلطة حرام لا شك فيه، لتحريم اختلاط الرجال بالنساء في جو من التعري والابتذال والنظر إلى العورات مما يشيع الفاحشة ويدعو إلى الزنا، كما هو معروف وحاصل في المصايف المختلطة، وأن إباحة الاختلاط مشروطة بالحاجة أو الضرورة، مع وجود ستر العورة وهو مما لا يكون في تلك المصايف، واستدل على ذلك بعدد من الأدلة الشرعية منها قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور: 30-31 وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة.
ويرى الشيخ عطية صقر – رحمه الله- أن الخروج عن أدب الإسلام مسئولية أولياء الأمور، من الأزواج والآباء، إلى جانب الجهات المسئولة عن الأمن والآداب، فلا بد من تعاون الجميع شَعبًا وحكومة على ذلك. مع العلم بأن “التصْييف” ليس أمرًا ضروريًّا حتميًّا حتى يُسْمح فيه ببعض التجاوزات، على قاعدة الضرورات تُبيح المَحْظورات، وإنَّما هو أمْر تَرْفِيهِيٌّ كَمَالِي، لا بدَّ فيه مِن مُراعاة كل الاحتياطات حتى لا تكون نتيجتُه إفساد الأخلاق والإسراف والتبذير.
للمزيد عن المصايف والاختلاط اقرأ أيضا