هل تتولى المرأة رئاسة الدولة؟ د. مسعود صبري
مازالت قضايا المرأة من الأمور التي تطفو على الساحة الشرعية بين الحين والآخر، ومازال الجدل دائرا في عدد من القضايا التي تنام حينا وتوقظ حينا آخر، ومن أهم تلك القضايا وأخطرها الرأي حول تولي المرأة رئاسة الدولة، وقد ثار جدل كبير بمصر حين أخرج الإخوان مسودة لحزبهم وكان منها: عدم السماح للمرأة بتولي منصب رئيس الجمهورية، ولكن العجيب في ذلك أن جمهور الفقهاء المعاصرين يحرمون على المرأة تولي رئاسة الجمهورية، ليزداد الجدل في تلك القضية بين من ينظر إلى رئاسة الدولة على أنها من الإمامة العظمى التي لا تجوز للنساء، وبين من ينفي كونها من تلك الإمامة العظمى فيبيح للمرأة أن تتولى رئاسة الدولة، ويحرم عليها فحسب أن تكون خليفة للمسلمين.
الدكتور سعاد صالح عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر فرع البنات سابقا، و تؤيد تولي المرأة لرئاسة الجمهورية ويساندها الرأي الدكتور محمد علي الزغول -عميد كلية الشريعة والقانون جامعة مؤتة بالأردن، وتستند في هذا إلى اعتبار أن إجماع الأمة قائم على أن الإمامة العظمى لا تجوز للنساء، وهي خلافة المسلمين، أما الآن وقد تغير الوضع، ولم تعد هناك خلافة إسلامية بل دويلات منقسمة، فيجوز للمرأة تولي هذا المنصب بشرط الكفاءة والقدرة على القيام بهذا المنصب دون تفريق بين ذكورة وأنوثة.
وأن الحديث الذي يستشهد به جمهور الفقهاء المعاصرين والذين يذهبون إلى التحريم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “خاب قوم ولو أمرهم امرأة”.(البخاري)، فإنه حديث خاص بالإمامة العظمى وليس رئاسة الدولة، بل إن القرآن أشاد بحكم بلقيس حاكمة اليمن، وكونها اعتمدت الشورى في الحكم حين شاورت قومها في أمر سليمان، بل قادتهم إلى الإيمان بالله تعالى، والآيات في سورة النمل، ولكن شريطة أن توازن المرأة بين واجبها بين واجباتها كأم وزوجة، وبين كونها رئيسة للجمهورية.
ولكن الأكثر جدلا هو خروج فتوى من دار الإفتاء المصرية تجيز للمرأة تولي منصب رئاسة الجمهورية وهي فتوى منسوبة لأمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية بتاريخ: 4/3/2007، وهي أيضا رأي الدكتور علي جمعة مفتي مصر.
وقد استندت فتوى دار الإفتاء الأخيرة – إضافة إلى التفريق بين الإمامة العظمة والرئاسة أن حديث “خاب قوم ولوا أمرهم امرأة” كان حادثة عين خاصة بدولة الفرس، وأنه قد حكم النساء بعض الأقطار الإسلامية في أزمنة مختلفة، وكانت تلقب بألقاب منها: السلطانة، والملكة، والحرة، وخاتون، ويذكر التاريخ الإسلامي أن هناك أكثر من خمسين امرأة حكمن الأقطار الإسلامية على مر التاريخ؛ بداية من ست الملك في مصر، ومرورًا بالملكة أسماء والملكة أروى في صنعاء، وزينب النفزاوية في الأندلس، والسلطانة رضية في دلهي، وشجرة الدر ملكة مصر والشام، وعائشة الحرة في الأندلس، وست العرب وست العجم وست الوزراء والشريفة الفاطمية والغالية الوهابية والخاتون ختلع تاركان والخاتون باد شاه وغزالة الشبيبية.. وغيرهن كثير.
كما استندت فتوى دار الإفتاء إلى أن تولي المرأة رئاسة الدولة تعد من الأمور الخلافية الظنية وليست من الأمور القطيعة، وأن ترجيح رأي فيها ليس خروجا عن الشرع، كما أنه لا يصح جعل التقاليد والعادات الموروثة في زمان أو مكان معيَّن حاكمة على الدين والشرع، أو مضيقة لواسعه، أو مقيِّدة لمطلقه، بل الشرع يعلو ولا يُعلى عليه، كما أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، ويقيد المباح، فإذا رأى الحاكم جواز ترشح المرأة للرئاسة جاز العمل بقوله.
جمهور الفقهاء المعاصرين يرون حرمة تولي المرأة لهذا المنصب الحساس، إلى هذا ذهب الشيخ ابن باز والشيخ عثيمين – رحمهما الله، و الدكتور سعيد رمضان البوطي، و الدكتور نصر فريد واصل المفتي الأسبق لمصر والشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر والدكتور رفعت فوزي رئيس قسم الشريعة الأسبق بكلية دار العلوم، والدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وغيرهم.
وقد استند جمهور الفقهاء إلى أن وظيفة الحاكم يندرج تحتها عدد من الوظائف الدينية كصلاة الجمعة وخطبتها والأعياد، وصلاة الاستسقاء والكسوف.. إلخ. ومن المعلوم أن المرأة لا يتأتى لها النهوض بهذه الشعائر العبادية بشكل شخصي في كل الأوقات، فضلاًً عن أن تنهض بها على مستوى القيادة للآخرين.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تولي المرأة منصب الحكم فقال: “خاب قوم ولوا أمرهم امرأة”. والعبرة – فيه – بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
كما أن منصب الرئاسة يحتاج إلى جهد الرجل أقدر فيه على المرأة، كما أن تولي المرأة الرئاسة على الرجل يتنافى مع قوامة الرجل، كما قال تعالى (الرِّجالُ قوَّامونَ عَلَى النِّسَاءِ) (سورة النساء : 34).
أما التفريق بين خلافة المسلمين ورئاسة الدولة، فلا محل له، لأن هذه تسميات، فكلاهما يقوم بوظيفة الحاكم، والاستشهاد بتولي بلقيس الحكم في غير محله، فإنها كانت تحكم شعبا يعبد الشمس، وهو ليس شرعا لنا.
بالإضافة إلى هذا يستند الدكتور محمد كمال إمام رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية أن تولي المرأة الرئاسة يخالف العرف الدستوري، وهذا العرف جرى في البلاد العربية والإسلامية بألا تتولى المرأة رئاسة الدولة، وجرى ذلك على مر عقود وأجيال، والعرف الدستوري ملزم قانونا.
ويبدو سبب الخلاف بين جمهور الفقهاء المحرم وبين دار الإفتاء المصرية ومن وافقهم متوقف على عدة أمور، أهمها:
هل تعتبر رئاسة الدولة من الإمامة العظمى؟ و تخصيص حديث: “خاب قوم ولوا أمرهم امرأة” أو القول بعمومه، والاستناد إلى تاريخ الأمة، و المغايرة بين الواقع القديم والواقع المعاصر، وهل تغير الواقع يغير الحكم الشرعي كنوع من الاجتهاد أم لا؟
للمزيد عن هل تتولى المرأة رئاسة الدولة؟ اقرأ أيضا