المرأةفقهيةقضايا معاصرة

المرأة على كرسي مشيخة الأزهر!

د. مسعود صبري

في مقالة نشرت بصحفية الشرق الأوسط مع شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي يوم الثلاثـاء 15 رمضـان 1421 هـ 12 ديسمبر 2000 العدد 8050 سئل: هل يمكن للمرأة المسلمة أن تتولى مناصب عليا، كأن تكون شيخة الأزهر مثلا؟

  • فأجاب:

المرأة موجودة في كل المجالات، وعندما توجد امرأة مسلمة لها من العلم ما لشيخ الأزهر فلتتفضل لهذا المنصب. من الناحية المبدئية، لو وجدت امرأة راسخة العلم مما يؤهلها لمشيخة الأزهر لا مانع من ذلك.

ولكنه عاد مرة أخرى وأفتى بعدم جواز المرأة لتولي منصب شيخ الأزهر، مع كونه أجاز لها أن تكون رئيسة للدولة، وقد نشر ذلك في نشرتها جريدة عكاظ في عددها (15139) الصادر في يوم الخميس الموافق 29محرم (1429هـ) تحت عنوان “مناصب الولايات العامة والقضاء…هل تحق للمرأة؟ ” وعنوان آخر “تولي المرأة رئاسة الدولة لا يخالف الشريعة”.

  • غالبية رافضة

وقد طرح هذا الموضوع في أروقة البرلمان المصري (مجلس الشعب)، بعدما صرح الدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق بأنه ليس هناك ما يمنع من تولي المرأة أكبر المناصب في الدولة حتى وإن كان منصب شيخ الأزهر، ولكن القول بأن تتولى المرأة مشيخة الأزهر قوبل بالرفض من الغالبية العظمى من شيوخ وأساتذة الأزهر الشريف، ولم يقبله إلا قلة منهم، بل جاء الرفض أيضا من خارج مصر، حيث رد الشيخ ربيع المدخلي – رحمه الله – على شيخ الأزهر في قبوله للمرأة رئيسا للجمهورية، وكذلك توليها منصب المشيخة، حسبما يفهم من كلامه.

وكان اللافت للنظر رفض الدكتورة سعاد صالح أن تكون المرأة شيخا للأزهر؛ لأنها ترى أن ذلك يعد من الإمامة العظمى التي لا تجوز للنساء.

وقال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الشيخ إبراهيم الفيومي: إن الإسلام لا يمنع المرأة من تولي منصب معين وإنما يترك لها الحرية في اختيار العمل الذي يتواءم مع طبيعتها.

وأعلن الغالبية منهم علماء الأزهر الرفض المطلق لاختراق المرأة لهذا المنصب منبهين إلى أن الأزهر لا يتعلق بمصر فقط ولكن العالم الإسلامي أجمع. ويرون في منصب شيخ الأزهر أنه إمام عام للمسلمين في كافة الدول الإسلامية ومن الصعب أن تتولاه المرأة خاصة وأن الرجل قد خلق لكي يتحمل المشقة والعمل، وأن من غير المتصور أن تتولى المرأة هذا الأمر. وأضافوا أن هناك ممنوعات خاصة للمرأة تجعلها غير جاهزة دائماً لأداء الفرائض أو الحكم في أمور الدين فهي لا تقرب المسجد في حيضها ولا يجوز لها قراءة القرآن وأن تولي المرأة منصب شيخ الأزهر لا يكون إلا عندما تخلو الأرض من الرجال.

ولكن على الصعيد البرلماني، فهناك من البرلمانيات من يسعين إعداد مشروع قانون بتعديل القانون المنظم للأزهر لتدخل المرأة بنداً أساسياً في نصوصه وأحقيتها في تولي هذا المنصب خاصة وأن هناك سيدات يتولين الآن أرفع المراتب الجامعية في جامعة الأزهر.

  • هل المشيخة منصب إداري؟

ويبقى التساؤل قائما: هل يحق للمرأة أن تكون مشيخة الأزهر، حسبما يدعو إلى ذلك بعض المنظمات الخاصة بحقوق المرأة وبعض الحقوقيين ومن البرلمانيات المصريات، بدعوى أن منصب شيخ الأزهر إنما هو منصب إداري؟

وللإجابة على هذا السؤال، لابد من معرفة أن شيخ الأزهر يجب أن يكون عضوا في مجمع البحوث الإسلامية، وأن تعيين شيخ الأزهر إنما يكون بقرار من رئيس الجمهورية، وأنه بحكم منصبه يتولى رئاسة مجمع البحوث، وهذا يعني أن الإشكالية الأولى هي أن تدخل المرأة عضوا في مجمع البحوث الإسلامية، وهو ما يغلقه المجمع أمام النساء ممن تخصصن في علوم الشريعة، مما يحول بينها وبين الوصول إلى المشيخة، فضلا عن رأي رئيس الجمهورية الذي يعين شيخ الأزهر من قبله وبقراره منه وحده.

أما عن قرار تعيين عضو في مجمع البحوث الإسلامية، فلابد من تزكية عضويين من أعضاء المجمع، سواء أكانوا من داخل مصر أم خارجها، لأن مجمع البحوث الإسلامية ينص في لائحته الداخلية على أن يكون أعضاؤه خمسين عضوا، يكون منهم عشرون على الأقل من خارج مصر، وهذا ما حدا بمجمع البحوث أن يختار سبعة أعضاء حتى الآن من خارج مصر، بعد أن اقتصر على المصريين وحدهم فترة من الزمن، ويكون بعد تزكية العضويين انتخاب من المجلس شريطة أن يحضر الثلثان، وينتخب العضو بالأغلبية، بشرط ألا يقل عدد الأعضاء عن نضف العدد الكلي لأعضاء المجمع، ويكون التصويت سريا، ويصدر باعتماد العضوية قرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض الوزير المختص، كما تنص على ذلك اللائحة الداخلية لمجمع البحوث الإسلامية.

وفي هذه الآلية لا أجد حرجا أن تكون المرأة لو كانت فقهية أن تكون عضوا بمجمع البحوث الإسلامية حسب الآلية الموجودة للانتخاب والتعيين.

ولكن هل بالفعل يعد منصب شيخ الأزهر منصبا إداريا بحتا أم أنه منصب ديني يحتاج إلى أن يصل من يتولاه رتبة الاجتهاد؟

لاشك أن رئاسة أية مؤسسة تعني أن تكون هناك أدوار إدارية، فلا يمكن نفي صفة الإدارة عن منصب شيخ الأزهر، فالمشيخة وما يتبعها من مجمع البحوث الإسلامية فيها إدارات كثيرة جدا، فضلا عن تلك الأدوار التي يقوم بها شيخ الأزهر بشخصه كإمام أكبر للمسلمين تخطى دور أئمة المسلمين في الدول الأخرى، ونال المنصب من الشهرة ما لم يكتب لغيره من المناصب الدينية في العالم العربي والإسلامي، ولكن هذا المنصب ليس إداريا فقط، فقد نصت  المادة (10) من القانون المصري رقم 103 لسنة 1961م على أن مجمع البحوث الإسلامية هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، وتقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث، وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة، وبيان الرأي فيما يَجِدُّ من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

و جاء في المادة الأولى من اللائحة الداخلية لمجمع البحوث الإسلامية:

“شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرئاسة في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر وهيئاته، وهو رئيس مجمع البحوث الإسلامية”.

وهذا يعني حسب القانون واللائحة الداخلية لمجمع البحوث الإسلامية أن شيخ الأزهر هو صاحب الاجتهاد الفقهي الأول، مما يعني أنه من الواجب قانونا أن يكون شيخ الأزهر قد وصل رتبة الاجتهاد الفقهي؛ لأن كلمته- حسب القانون- هي الكلمة الفصل في القضايا الفقهية، بل والدينية عامة، وأنه منصب ذو سيادة، ويعد من المناصب الحساسة جدا.

 

التكوين العلمي هو الأساس

ويأتي التساؤل: هل من الأولى أن نسعى إلى فتح مثل هذه القضية، وأن نثير جدلا في أحقية المرأة لتولي منصب مشيخة الأزهر، أم نهتم بالتكوين العلمي للنساء أولا؟  وهل هناك من المشتغلات بالفقه والشريعة بمصر من بلغت رتبة الاجتهاد الفقهي حتى نقول إنه يجب أن يسمح لها أن تكون شيخة للأزهر، أم أن الأمر لا يعدو كونه نوعا من الترف الفكري الذي تسعى إليه بعض الجهات التي تشتغل بما يعرف بـ( حقوق المرأة)؟

وإننا كمتابعين للشأن الشرعي على الساحة المصرية وغيرها لا نجد ممن ظهر في ساحة الفقه والإفتاء – على الأقل- امرأة واحدة نراها بلغت رتبة الاجتهاد الفقهي، نعم، هناك من النساء من يقمن بتدريس علوم الشريعة بجامعة الأزهر، ومنهن من تتولى عمادة كليات، وربما اشتغلت إحداهن بالإجابة على الفتاوى،  وهو أمر حسن لمن أجادته، ولكن التدريس شيء، وتحصيل ملكة الاجتهاد الفقهي شيء آخر، وإن الإفتاء في أبواب من الفقه في مسائل مشتهرة معلومة، سواء ما تعلق بفقه النساء أو غيرهن شيء، وأن تكون المرأة صاحبة الكلمة الشرعية الأولى في مصر، وما يتبع ذلك من سلطانها في العالم العربي والإسلامي شيء الآخر.

إن من الأولى أن تشغل الأذهان وتصرف الجهود إلى محاولة تخريج جيل من النساء قادرات على حمل الأمانة الشرعية، وبلوغ رتبة الاجتهاد، ولو بأقل درجاتها كما يعرفها علماء أصول الفقه، وحين نخرج هذا الجيل من النساء، وحين يبرز منهن من تخرج للعالم العربي والإسلامي باجتهادات فقهية وقدرة على إدارة أكبر مؤسسة دينية في العالم العربي، ساعتها يكون من المجدي أن نعدل القانون، وأن ترغم المرأة الجميع أن يخضعوا لسلطان علمها ومكانتها، وقد وجد من النساء في عصور المسلمين المتأخرة من بلغت تلك الرتبة، بل منهن من جلسن يدرسن للرجال، فبدلا من المجادلة لأحقية المرأة أو عدمها، نحن بحاجة إلى إعداد هذا الجيل من النساء الذي يساعد إخوانهن من الرجال في حمل أمانة هذا الدين، وساعتها ستجد المرأة أبواب مجمع البحوث الإسلامية مفتحة لها، ويمكن ساعتها أن تجلس على كرسي المشيخة بحقه، أو أن تكون مفتية للديار المصرية أو وزيرة للأوقاف ونحوها لا بدعوى أنها امرأة، فتزاحم الرجال في كل صغيرة وكبيرة، بحق كان أو باطل.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى