د. مسعود صبري
تابعنا عن كثب هذا الحادث الأليم من مقتل الدكتورة مروة الشربيني – رحمها الله وتقبلها في الصالحين-، وقامت استنكارات عديدة من جهات سياسية ومدنية، وكانت الكلمة الأقل صوتا كانت صوت العلماء الذين قل في هذا الحادث صوتهم، وضعف نكيرهم إلا من رحم الله.
و رغم انعقاد دورة من دورات أحد المجامع المهتمة بالشأن الأوربي فإنه لم يصدر عنها استنكار أو بيان تجاه هذا الحادث، ولم يصدر عن علماء المسلمين – حسب الاطلاع الإعلامي- إلا ثلاثة بيانات، كان أولها بيان جبهة علماء الأزهر الذي يترأسها الدكتور محمد عبد المنعم، وأبرز أعضائها: الدكتور عبد الستار فتح الله، والدكتور يحيى إسماعيل، فقد أصدرت الجبهة بيانا في 6/7/2009، واحتوى البيان على لوم بعض كبار علماء المسلمين الذين أفتوا للغرب أن لهم الحرية في منع الحجاب أو النقاب أو اتخاذ ما يرونه ملائما لبلادهم؛ لأن هذا شأن داخلي، وأنه لولا تلك الفتاوى ما زادت حدة الهجوم على المسلمين، وأفتت الجبهة باعتبار مروة الشربيني شهيدة عند ربها، باعتبارها كانت تدافع عن حق لها، مع تمسكها بدينها في ديار الغربة، مع قتلها وهي حامل؛ استدلالا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “والمرأة تموت بجمع شهيد” ( مالك وأبو داود) أي المرأة التي تموت وفي بطنها جنين.
كما أصدر اتحاد المنظمات الإسلامية بأوربا والذي يرأسه شكيب بن مخلوف، ومن أبرز أعضائه الدكتور أحمد الراوي في 9/7/2009 بيانا عبر فيه عن استيائه لتزايد العداء والكراهة للمسلمين بأوربا، ودعا إلى معالجة جذور الكراهية وتشجيع التضامن المجتمعي في وجه الإساءات المتكررة من أي طرف، وأن يسعى المجتمع الأوربي لسيادة القانون ومنع أي اعتداء، وتشجيع التواصل بين المواطنين، من خلال كافة المستويات الرسمية و الشعبية.
وكان البيان الأخير الذي صدر عن أكثر من أربعين عالما، من الأزهر الشريف، وأعضاء من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء سوريا، ومن أشهر الموقعين عن البيان: ا.د. محمد بن موسى الشريف: داعية وأكاديمي سعودي
أ.د. صلاح الدين سلطان عضو المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، وأ.د عبد الله سمك أستاذ العقيدة الإسـلامية بجامعة الأزهر الشريف، وأ.د عبد الحي يوسف. نائب رئيس هيئة علماء السودان، ود. حسن قاطرجي عضو رابطة علماء سوريا.
واتفق العلماء الموقعون على البيان مع ما ورد في البيان من احتساب مروة الشربيني شهيدة عند ربها، وأنه من الواجب سعي الأطراف الرسمية والشعبية لتقديم القاتل للمحاكمة بأقصى عقوبة ممكنة، وأن الحجاب لم يكن رمزا للتطرف، بل هو واجب مطلوب في الإسلام والمسيحية واليهودية، وأن على الغرب أن يتقبل الطرف الآخر بدلا من اتهام المسلمين بعدم القدرة على التعايش، وأن ما حدث يوجب على المسلمين – خاصة في أوربا- تثقيف الغرب حول الحجاب وفضائله وأهميته في الإسلام، وذلك من خلال خطبة الجمعة والندوات و اللقاءات في الإذاعة والتلفزيون و الفضائيات والمجلات وغيرها من وسائل النشر والإعلام، وأنه من المهم كشف الزيف الغربي وفضح أوجه التطرف والإرهاب الموجودة عند كثير من أبنائه ضد المسلمين، وأنه من الواجب على الدول الغربية أن تحمي رعاياها، وأن تبسط الأمن على بلادها دون النظر إلى لون أو عرق أو لغة، وأن على المسلمين التزام الوسائل السلمية في التعبير عن رفضهم، واتخاذ الوسائل القانونية لأخذ الحقوق ومعاقبة المجرمين.
ولعل ما حدث من مقتل مروة الشربيني – رحمها الله- لينبه إلى دور العلماء؛ لأنه دور رئيس في إرشاد الأمة إلى قضاياها، كما أنه أحيانا يكون داعما لموقف الحكومات أن تتخذ موقفا حازما ينصر قضايا المسلمين.