فقهيةقضايا معاصرة

فقهاء: سياط التعذيب في قفص الاتهام

  • د. مسعود صبري

تأخذ بعض الدول أشكالا من التعذيب ضد المتهمين لأجل استخراج معلومات منهم، بهدف الاعتراف بشيء معين، وهذا التعذيب محرم في الشرع كقاعدة؛ لأن التعذيب يوقع ضررا على المتهم، وخاصة أنه لم تثبت إدانته بشيء.

يقول الأستاذ الدكتور يوسف قاسم أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة القاهرة:
انتزاع الاعتراف بالإكراه غير جائز شرعا ولا قانونا، ولا يترتب عليه أي أثر، ويحكم عليه بالبطلان. وقد نص بعض الفقهاء على جواز ذلك إذا كان من ينتزع منه الاعتراف مشهورا بالفجور ومعروفا باللؤم، ولا يزيد الإكراه على المطلوب، ولا يتم بوسائل ممنوعة.
ويرى الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة أنه لا يجوز التعذيب للحصول على اعتراف بأي حال من الأحوال. 

ونظرا لأن هذا يحدث أحيانا، فإن المحاكم المصرية قد أعطت عدة ضمانات منها:
 في حالة استشعار القضاة أن اعترافات المتهم انتزعت منه بأي وسيلة فلا تأخذ بها. أنها تأخذ باعترافات المتهم أمامها والذي يقوله بحرية تامة وليست وليدة إكراه. يقرر القضاء المصري أن الاعترافات وليدة الإكراه كأن لم تكن.

ويشير الدكتور أنور دبور أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة القاهرة  إلى أن: 
الإكراه على الاعتراف سواء كان إكراها ماديا أم معنويا، يجعل الاعتراف معدوما، ولا يترتب عليه أي أثر.  فلا يسأل الشخص عن اعترافه، ولا يستحق عقوبة، ولا يترتب على اعترافه أي أثر. ولا تترتب على هذا الاعتراف أي عقوبة جنائية، ولا أي حق مدني.

ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان: أرى الأخذ بالرأي القائل بحرمة الضرب للمتهم، وما على جهات الأمن والتحقيق والقضاء إلا بذل الوسع في الوصول إلى الحقيقة بالوسائل المختلفة البعيدة عن تعذيب المتهم أو ضربه خاصة أن العلم يعطى كل فترة ما يساعد على التعرف على مرتكبي الجرائم وتقديمهم للمحاكمة والذكاء المفترض في المحققين والقضاء أحد العوامل المساعدة على تحقيق هذا.
وينبي الدكتور محمد رأفت عثمان ذلك على صراحة النص القرآني في بيان عدم صحة إقرار المكره بما أكره عليه.وأن ما ورد من حديث في جواز ضرب المتهم المعروف بالفجور حتى يقر هو حكاية واقعة محتملة، وواقعة الحال الفعلية المحتملة لا تفيد عموم الحكم.

ويبقى هذا بيانا للحكم الشرعي يستوجب أخذ الأساليب الشرعية والقانونية لمنع تلك الجرائم في كثير من دول العالم شرقا وغربا مما تهدر به كرامة الإنسان بعد تكريم الله تعالى له، وإلحاق الضرر به الذي حرم الله تعالى فعله. ولكن الأخطر من ذلك هو شراء فتاوى من علماء لأجل اكتساب شرعية ما حرمه الله.

ويرى الدكتور عبد الله الفقيه أن تعذيب المسلم بغير حق حرام، وأن تعذيب المسجونين والمتهمين حرام من حيث الأصل، ولكن بعض العلماء استثنوا من ذلك المتهم المعروف بالفجور، فأباحوا أن يمس بشيء من العذاب ليعترف بالجرم المتهم به، واتفقوا على جواز تعذيب من عُرف أن الحق عنده فجحده. واستشهد بقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله- : أن يكون المتهم معروفاً بالفجور كالسرقة وقطع الطريق فإذا جاز حبس المجهول الحال فحبس هذا أولى…. وما علمت أحداً من أئمة المسلمين يقول إن المدعى عليه في هذه الدعاوى يحلف ويرسل بلا حبس ولا غيره.
فليس هذا على إطلاقه مذهباً لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الأئمة…. إلى أن قال: ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، الزبير بتعذيب المتهم الذي غيب ماله حتى أقر به في قصة ابن أبي الحقيق.

  ويرى الأستاذ الدكتور أحمد شويدح رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية بغزة ورئيس دائرة الإفتاء برابطة علماء فلسطين أن الأصل في المتهم أنه  بريء حتى تثبت إدانته، ويحرم عقابه على جرم إلا بالإدانة بدليل واضح وصريح كإقراره على نفسه دون إكراه، أو بشهادة شهود عدول”. لقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”. (الحجرات 6)، وقول الله تعالى: “وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون” (يونس 36). كما لا يجوز حمل الإنسان بالإكراه على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكل ما ينتزع من اعترافات بوسائل الإكراه فهي غير صحيحة وحرام شرعا.

و أن  سجن المتهم أيضا محرم في الشريعة، إذ السجن شرع للتهذيب والإصلاح والتقويم لا للتمثيل بجسم بالسجين أو تعريضه لأي شكل من أشكال الإهانة؛ لتكريم الله تعالى لهذا الإنسان. انتهى

وإن كان جمهور فقهاء الشريعة والقانون يرون حرمة التعذيب، فهل من سبيل لأن تسمع الحكومات شرع الله، أم يبقى الأمر مجرد إعلان حكم، ويبقى الحكم في وداع، والتعذيب للمظلومين في وداع آخر؟!!

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى