فقهيةقضايا معاصرة

هل غرقى السواحل الإيطالية شهداء؟

  • د. مسعود صبري

كانت التصريحات التي نسبت إلى مفتي مصر الدكتور علي جمعة حول الشباب المصري الذي سافر بطرق غير رسمية للبحث عن لقمة العيش وغرقوا على السواحل الإيطالية والتي تقضي بأنهم ليسوا شهداء، أثارت رفضا فقهيا لعدد من العلماء.

وقد استندت التصريحات التي قالها فضيلة المفتي في ندوة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة 6/11/2007، ثم أعاد تأكيدها لبعض البرامج الفضائية وبعض الصحف أن الشباب الذي سافر إلى إيطاليا ليس فقيرا، فكل منهم قد دفع ما يقرب من 4500 دولار، وكان من الممكن أن يقيم كل منهم مشروعا به في مصر.

ولكن الإشكالية الفقهية هنا: هل من استطاع السفر لبلد أخرى، سواء أكان يمتلك  المال أم استدانه، كما هو حال كثير من الشباب بما جاء في تصريحات أهليهم ومات في طريقه لا يعد شهيدا؛ لأنه خالف قوانين الهجرة؟

وقد وافق على هذه الفتوى الدكتور عطية لاشين أستاذ الفقه بجامعة الأزهر؛ مستندا في فتواه بالتحريم على أمرين:

الأول: أن هجرة هؤلاء فيها مخالفة لولي الأمر،

والثاني: أن المقصود من هجرتهم دنيوية بحتة، و أن حديث الشهداء ومنهم الغريق والمبطون، فسره الدكتور عطية لاشين على أنه الموت الفجاءة الذي ليس فيه مخاطر.

هذه الفتوى قوبلت برفض عدد من أساتذة الشريعة وعلماء الأزهر، ورأوا أنه من الواجب على المفتي أن ينأى بنفسه عن مثل هذه الفتوى، وممن رأى أن غرقى السواحل الإيطالية شهداء الدكتور طه جابر العلواني رئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا السابق، ورئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا، والدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية والأستاذ بجامعة الأزهر، و الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى في الأزهر،و الشيخ على أبو الحسن مستشار شيخ الأزهر للفتوى ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا و الدكتور حامد الفقي، أستاذ الفقه بكلية الشريعة الإسلامية، والدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية فرع البنات بجامعة بالأزهر سابقا.

  • وقد استند الفقهاء الذين أفتوا بأن غرقى السواحل الإيطالية شهداء إلى عدد من الأدلة، أهمها:

أن الذين ماتوا، إنما ماتوا وهم يطلبون الرزق الحلال، وهو شيء أمرنا الله تعالى به، فقصد العمل محمود شرعا؛ فلا يجوز اعتبارهم غير شهداء، وأنهم طماعون.

أن السعي على الرزق لم يحدد الشرع له مكانا معينا، بل جعل الله تعالى لنا الأرض جميعا، وأن السفر غير الرسمي إنما هو محظور من  المنطلقات الإقليمية، وليس من المنطلقات الشرعية، فلا يجوز أن نسحب عليه الحرمة الشرعية.

أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لبعض أصناف الناس بأنهم شهداء الآخرة، فقال صلى الله عليه وسلم : “الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله”. وقد جاء الحديث عاما، فلا يجوز تخصيصه، وعلينا أن نحكم بالظاهر، فقد يكون منهم من ذهب ليرتكب الكبائر،غير أن هذا بينه وبين ربه سبحانه وتعالى.

كما أن خطأ الوسيلة لا يحكم على خطأ المقصد، بل لابد من تفتيت الموضوع إلى مسائل.

وما بنى عليه المفتي من أن الذين سافروا ليسوا فقراء، وأن تكاليف السفر كان يمكن لأحدهم أن يقيم مشروعا ليس قراءة صحيحة للواقع؛ لأن آباءهم قد صرحوا أنهم قد استدانوا ورهنوا أراضيهم لأجل تسفير أبنائهم؛ طلبا للرزق وتحسينا لمستوى المعيشة بدلا من حالة الفقر التي يعيشون فيها.

وبدلا من هذا الهجوم كان من الأولى شرعا أن ينظر المفتي إلى سوء الأحوال الاقتصادية التي دفعت هؤلاء للهجرة خارج البلاد، وما يعانيه الناس من مصر من فقر شديد، وأن المسئولية لا تقع على المهاجرين وحدهم بل على المسئولين في الحكومة أيضا.

 و يبدو أن المشكلة ليست في الحكم على هؤلاء الغرقى بأنهم ليسوا شهداء من حيث الحكم الشرعي، ومع اعتباري أن الاجتهاد بأنهم ليسوا شهداء هو اجتهاد خاطئ، ولو كان اجتهادا مخلصا فصاحبه مأجور على كل حال مع خطئه، ولكن المشكلة في أن توظف الفتوى توظيفا سياسيا يغطي على تقصير الدولة في معالجة الفقر ورفع المستوى الاقتصادي لمواطنيها، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى