فقهيةقضايا معاصرة

واجب المسلمين تجاه أزمة الرسوم المسيئة

  • د. مسعود صبري

في ظل حالة من العداء الذي تبديه بعض الدول الغربية لمقام سيد الخلق –صلى الله عليه وسلم- تجيء ذكرى المولد النبوي الشريف، والأمة تعيش حالة من الانحدار الحضاري والانهزام العسكري، مما يستدعي تذكر عدد من النقاط الهامة التي تتعلق حياة بسيد الخلق، وعلى رأسها ما يمكن فعله ضد حملة الرسوم المسيئة ضد النبي صلى الله عليه وسلم، و الواجبات الشرعية التي يجب على المسلمين أن يقوم بها تجاه حق نبيهم صلى الله عليه وسلم.

و أول قضية تثار هنا هو ما يعرف بالحق في حرية التعبير وبيان حدوده، ويرى المستشار طارق البشري رئيس لجنة الفتوى بمجلس الأمة المصري سابقا أن حرية التعبير محدودة على الرخص والمباحات، وأنها لا تتعدى حق الغير، أي أن الحريات تقف عند حدود حقوق الآخرين فلا يحل انتهاك حق للغير باسم الحرية، ما دام حقًّا مُعترفًا به من الجماعة أو الدولة. وأنه لا يجوز في الفكر الإسلامي التعدي على الثوابت الدينية باسم حرية التعبير، كما أنه يرى أنه إن تعارض حق الفرد والجماعة حاولنا التوفيق بينهما، فإن كان الجمع بينهما صعبا، فقدم حق الجماعة على حق الفرد. وأن النسبي من الحقوق والحريات والرخص، مما هو من شئون البشر، يقف عند حدود المُطلق من ثوابت الدين.

ومن وجهة أخرى، فقد بدا الغرب صاحب الحرية يتنازل عن حريته، بل لم يعد غربا مسيحيا كما يزعم، وإلا كانت مسيحية زيفا لا قيمة لها، لأن الأديان أصلها واحد، والإسلام يجعل الإيمان بالرسل كلهم واجبا، وأن الاعتداء على نبي من الأنبياء خروج عن عقيدة التوحيد التي تجمع الأديان كلها.

ولكنه ليس من الحكمة أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي، ومما أفرزت تلك الحملات بعض الفتاوى التي تنادي بمقاطعة الدول التي تتبنى تلك الحملة المسيئة، وقد أفتى بهذا عدد من العلماء على رأسهم شيخنا العلامة الشيخ القرضاوي، فأوجب المقاطعة الاقتصادية للدانمارك، ومن حذا حذوها في الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي مقاطعة واجبة على المسلمين أفرادا وجماعات وحكومات. وقال الشيخ بعد نشر (17) مجلة دانماركية رسوما مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم: نادينا في السابق بمقاطعة البضائع الدنماركية، وندعو بهذا اليوم؛ وهو أمر يوجع القوم (الدنماركيين)”. مؤكدا على أن محمدًا –صلى الله عليه وسلم- ليس هينا علينا، فكيف نشتري بضاعة قوم يسبون نبينا”.

غير أن الشيخ صالح الفوزان -عضو هيئة كبار العلماء– قد ربط المقاطعة للمنتجات الدنماركية إن جاءت بموافقة ولي الأمر. وجاء في فتوى له: “إذا أمر ولي الأمر بمقاطعة دولة من الدول وجب على الجميع أن يقاطعوها لأن هذا من مصلحتهم ومن مضرة العدو وطاعة لولي الأمر، أما إذا لم يأمر ولي الأمر بالمقاطعة فالإنسان بالخيار إن شاء أن يقاطع هو بنفسه وإن شاء ألا يقاطع.. هو بالخيار في هذا الأمر”.

غير أن هذا لا يجعلنا نحيد عن النهج في الجهاد السلمي، فلا يجوز حرق السفارات كما حدث في آونة سالفة عقب تلك الأزمة، بل الواجب كما خرج من منظمة المؤتمر الإسلامي أن نشدد على  مسئولية جميع الحكومات تجاه ضمان الاحترام الكامل لجميع الأديان والرموز الدينية، وعدم جواز استغلال حرية التعبير كذريعة للإساءة إلى الأديان. و ضرورة العمل الجماعي لإبراز حقيقة الإسلام وقيمه السامية، والتصدي لمحاولة تشويه صورته وقيمه وتدنيس الأماكن الإسلامية، والعمل الفعال مع الدول والمؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية لحثها على تجريم هذه الظاهرة، باعتبارها شكلا من أشكال العنصرية.

كما أن هذا يحتم علينا بعض الأدوار تجاه نبينا – صلى الله عليه وسلم- وهي كما أوضحها الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين، ومن أهمها تلك الحقوق: الإيمان به عليه الصلاة والسلام، وأن تجتهد الأمة في طاعته فيما أمر، وأن يجتنبوا ما نهى عنه، و أن يحبوه صلى الله عليه وسلم حبا يترجم إلى عمل، وأن يعلموا أبناءهم حبه، و وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}الفتح الآية رقم 9 ، وكثرة الصلاة عليه، وجوب التحاكم إليه والرضي بحكمه صلّى الله عليه وسلّم كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} سورة النساء الآية 59.

غير أن هذا – كما يرى الدكتور حسام عفانة- لا يجيز الاعتداء على من يعيشون في ديارنا من أهل تلك الدول التي نشرت فيها الإساءات للنبي صلى الله عليه وسلم.

وإن كانت تلك الإساءات تجيء من الغرب، فإن ما حدث من عدم التحرك هذه المرة يوجب علينا كمسلمين أن نراجع أنفسنا في علاقتنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم حكاما ومحكومين، وأن ننظر في حق نبينا تجاه أنفسنا قبل أن ننظر لغيرنا.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى