فقهيةقضايا معاصرة

حكم شراء الأصوات في الانتخابات

يسأل السائل عن حكم شراء الأصوات في الانتخابات؟

  • د. مسعود صبري

تمثل ظاهرة شراء الأصوات في الانتخابات إحدى الظواهر السيئة في المجتمعات الإنسانية عامة، وفي المجتمعات الإسلامية خاصة، وذلك للتسابق حول الفوز بالمقعد النيابي دون النظر إلى معايير الاختيار المشروعية والقانونية، ولربما أقر بعض المرشحين بسلبيتها، لكن عند الواقع قد يلجأ إليها متناسيا الآثار السلبية لهذه الظاهرة، معللا أنه نجح باختيار الناس، وليس عن طريق التزوير، ولا شك أن هناك من المرشحين من يرى حرمة هذه الوسيلة، وهو يرفضها حتى لو أدى ذلك إلى رسوبه وعدم اختياره.

التكييف الفقهي لشراء الأصوات:

لا خلاف بين الفقهاء المعاصرين في أن شراء الأصوات الانتخابية لأجل الحصول على مقعد نيابي حرام شرعا، ولكن آراء الفقهاء تعددت في وجه الحرمة وتكييف المسألة.

الدكتور عجيل النشمى رئيس مجلس علماء الخليج يرى حرمة شراء الأصوات الانتخابية، وأنها خيانة للشهادة ، وقد قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) [الطلاق/2]” وقال سبحانه أيضا (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة/283] ولا يجوز للمسلم أو المسلمة أن يشهد إلا بحق فلا يعطى صوته وشهادته إلا لمن يعرفه معرفة واضحة.

ويستدل النشمي من السنة بما ورد عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة فقال لي يا ابن عباس: لا تشهد إلا على ما يضئ لك كضياء هذه الشمس “وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الشمس.” أخرجه الحاكم.

إسقاط النائب بالتزوير

ويكيف النشمي شراء الأصوات بأنها شهادة زور، لأنها شهادة كذب ليوصل بها من لا يستحق إلى موضع ومقام خطير، يتحكم به في مصير بلد ويتحدث فيه نيابة عن كثيرين بل إنه يمثل الأمة، ولا يمثل نفسه ولا دائرته فحسب فإذا كان هذا الشاهد أو هذا الناخب قد أخذ مالا لتوصيل هذا النائب فإن هذه شهادة زور مركبة، جمعت بين الكذب والبهتان وأكل المال بالباطل.

 ويفتي النشمي بأنه ينبغى أن يُسقط عن النائب منصب النيابة فترفع عنه الحصانة النيابية ليقدم إلى المحكمة لأن ما بنى على باطل فهو باطل، مستدلا باتفاق الفقهاء على نقض الحكم القضائي إذا تبين أن الشهود قد شهدوا زورا وكذبا ويضمنون ما ترتب على شهادتهم من ضياع أموال وغيرها. بل يرى النشمي سقوط عضوية النائب بشهادة زور واحدة حتى لو لم يكن لها تأثير على النتيجة، نظرا لأصل العمل لا لنتيجته كاختلاط الحلال بالحرام فإن الحرام يغلب الحلال ومن سرق مرة فهو سارق ومن قتل مرة فهو قاتل كما لا يجب أن يعطى فرصة لترشيح نفسه مرة أخرى من باب العقوبة والردع لغيره.

حيل كبني إسرائيل

الدكتور سليمان معرفي أستاذ الشريعة بجامعة الكويت يرى حرمة شراء الأصوات، بناء على أنها نوع من الرشوة لعن فيها المعطي والآخذ والواسطة بينهما، وأنها أيضا نوع من التزوير والكذب، وكذلك بالنظر إلى مآلات شراء الأصوات من انتشار الخيانة والفساد وخراب الذمم وأكل الحرام، وأن يصل إلى هذه المناصب المهمة الوريبضة من الناس، ومن لعنهم الله تعالى ورسوله والمؤمنون، وكلها من كبائر الذنوب.

ولا يشترط – كما يرى الدكتور سليمان معرفي – أن تكون الرشوة بدفع المبالغ المالية المباشرة، فهناك وسائل تحايل شبيهة بما كان يفعله بنو إسرائيل،  فبعض المرشحين يقوم بتقديم الرشاوى على طريقة بنى إسرائيل عن طريق منح تذاكر سفر أو أثاث منزل أو ما شابه ذلك.

وإن كان هناك من الناخبين من يتبرع لجمعيات خيرية في أوقات الانتخابات، فإن هذا حكمه حسب نية المتبرع، نكل الأمر فيها لله، غير أنه من الواجب على الأشخاص أو الجمعية ألا تتأثر بهذا، ولا تعطي أصواتها للمتبرع لمجرد التبرع، بل لابد أن تتجرد، وكأنه لم يعطها شيئا.

وليس الإثم موقوفا على المعطي فحسب، بل الآخذ أيضا معلون عند الله تعالى، ويجب عليه أن يراقب الله وألا يتأثر بتلك الرشاوى، وأن يختار من يراه الأصلح.

 

مخالفة الشرع وولي الأمر:

الدكتور وليد الربيع أستاذ الشريعة بجامعة الكويت يرى أن الانتخابات شهادة على صلاحية المرشح لتولي المنصب، وتزكية لصلاحيته، ويتفق الدكتور الربيع على أن شراء الأصوات من الرشوة المحرمة شرعا، لأن الرشوة هي بذل مال وما في معناه لإبطال حق أو لإحقاق باطل، فهى ما يبذله الإنسان من مال أو منفعة أو خدمة لغيره ليتوصل به إلى تحقيق مصلحة له وهى حرام بلا خلاف بين العلماء ومن كبائر الذنوب سواء أكانت للحاكم أم للقاضي أم للعامل أم للشاهد أم لأى شخص يمارس عملا واجبا عليه ، وحرمتها على الباذل والآخذ وعلى الوسيط بينهما، والدليل على ذلك من الكتاب  قوله تعالى : (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة/188]

ومن السنة ما ورد عن ابن عمر رضى الله عنه قال “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى والرائش.” ولا شك أن بذل الرشوة للوصول إلى الوظائف والولايات العامة خيانة لله وللرسول وللأمة ” يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.” 

وقال صلى الله عليه وسلم “من استعمل رجلا على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين.” وقال عمر: من ولى من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، فإذا كانت تولية القريب أو الحميم بلا مقابل – إذا كان غير صالح لذلك المنصب – خيانة لله وللرسول وللأمة فكيف بمن قبل مالا أو منفعة ولو خدمة في مقابل إيصال من لا يصلح لذلك الموضع المهم الذي يمس مصالح المسلمين عامة.

وشراء الأصوات مخالفة شرعية أيضا لما فيه من مخالفة ولى الأمر حيث منع مثل هذا التصرف ورتب عليه عقوبة مادية، والمنع يشمل بذل الأموال النقدية وكذلك بذل المنافع والخدمات على أى وجه كانت.

آداب مرشح الانتخاب

الدكتور محمد عبد الرزاق الطبطبائى العميد الأسبق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت يتفق مع القول بالتحريم في شراء الأصوات، لكنه يلفت الانتباه إلى عدد من الأمور الهامة في العملية الانتخابية، ومن أهمها:

أن يكون المرشح ملما بأحكام الشريعة الخاصة بالترشح، ومن أهمها: ألا ينافس على منصب دنيوي، أو لأجل مكاسب زائلة، وألا يناسب من يرى أنه أكفأ منه وأجدر بالمنصب، وأن يعلم من نفسه القدرة على القيام بحق هذا المنصب، وألا يسرف في حملته الدعائية حتى لا يقع في الإسراف، وألا ينشغل عن طاعة الله في فترة الانتخابات خاصة.

ومن واجب الناخبين أن يختار الأكفأ ممن تتوافر فيه الكفاية والقدرة على القيام بالعمل الذي سيوكل له العدالة والحكمة، فإذا توفرت هذه الشروط في المرشح لا يجوز اختيار غيره بحجة مبادلة الأصوات أو شرائها أو غير ذلك، كما على الناخب أن يحذر من أن يكون اعتبار الاختيار لصلة القرابة أو الصداقة أو الجوار أو المصلحة أو للجماعة أو الفرقة التي ينتمي إليها، والأشد من ذلك أن يكون اختيار المرشح قائما على أساس الرشوة سواء كانت مادية أو لمصالح أخرى فهي حرام شرعا وإن وقع ذلك منهما أى من المرشح والناخب فهما ملعونان وعلى من أخذ الرشوة أن يردها فورا على الراشى.

وإذا كانت تلك فتاوى أساتذة الشريعة بتحريم شراء الأصوات فيبقى ضمير كل ناخب هو الفيصل في أن يتبع شرع الله، وأن يختار الأصلح، أو أن يغرد خارج سرب الشريعة غير مبال بحلال أو حرام.

 

للمزيد عن حكم شراء الأصوات في الانتخابات اقرأ ايضا

الرشوة أثناء الانتخابات وانتخاب غير الكفء

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى