فقهيةقضايا معاصرة

افتراءات سيد القمني في ميزان الفقهاء

  • د. مسعود صبري

أثار قرار وزير الثقافة المصري نيل الكاتب سيد القمني جائزة الدولة التقديرية اعتراضا واسعا من علماء الأزهر، واعتبروه نوعا من تحدي القيم الإسلامية التي يدين لها المجتمع المصري، وأن كتابات سيد القمني مليئة بالافتراءات على الإسلام والنيل من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن مثل هذه الكتابات هي نوع من الردة التي تخرجه عن الإسلام إن لم يتراجع عنها ويتب منها.

ومما يؤخذ على سيد القمني أنه اعتبر الإسلام دينا يعد امتدادا للحزب الهاشمي من أجل السيطرة على قريش ومكة، وأن  النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليكمل طموحات جده.

كما نقل سيد القمني أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ بعض الوسائل للسعي تلك السيادة، ومنها: زواجه من خديجة بنت خويلد، لتوفر له الأمان المالي، بل جاء في كتبه أن النبي صلى الله عليه وسلم سقى أباها خمرا، حتى يوافق على زواجه بها، وأنه من الواجب إعادة النظر إلى المادة الثانية في الدستور المصري التي تجعل الشريعة مصدرا رئيسا للتشريع.

وأن القرآن مسروق من شعر أمية بن أبى الصلت  لشبه ما نقل من شعر عن أمية بن أبي الصلت من أمور تحدث عنها القرآن.

 والواقع – كما يقول الدكتور إبراهيم عوض أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس أن عددا من كبار دارسي الأدب الجاهلي، من المستشرقين قبل العرب والمسلمين، قد رَأَوْا عكس هذا الذي يزعمه المبشرون، إذ قالوا بأن هذه الأشعار التي تُنْسَب لأمية مما يتشابه مع ما ورد فى القرآن عن خلق الكون والسماوات والأرض، وعن العالم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب وجنة ونار، وعن الأنبياء السابقين وأقوامهم وما إلى ذلك، هى أشعار منحولة عليه.

 قال ذلك على سبيل المثال تور أندريه وبروكلمان وبراو من المستشرقين، ود. طه حسين والشيخ محمد عرفة ود.عمر فروخ ود.شوقى ضيف ود. جواد على وبهجة الحديثى من العلماء العرب، وإن كان من المستشرقين مع ذلك من يدعى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أخذ بعض قرآنه من شعر هذا المتحنّف كالمستشرق الفرنسي كليمان هوار، ومنهم من قال إن الرسول وورقة قد استمدا كلاهما من مصدر واحد.

ورد أستاذ للأدب يرفع الالتباس عما يدلسه سيد القمني، فليس هذا رد فقهاء فحسب، بل رد متخصصين في الأدب والشرع، بل هذا منقول عن مستشرقين غير مسلمين.

أما سعي النبي صلى الله عليه وسلم لتوفير الأمان المالي بزواجه من السيدة خديجة، فمن  الثابت تاريخيا أن السيدة خديجة هي التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم الزواج، وأرسلت إليه من تلمح له بهذا، وكان هذا قبل النبوة، و أن خديجة – رضي الله عنها- هي التي أخذت النبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل لتطمئنه إلى ما يجيئه من الوحي، وأما ادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم سقى أباها خمرا، فمن الثابت أيضا أن أباها قد توفي قبل زواجها، والموجود كان عمها، أما سقي الخمر، فهذا مما يشبه افتراءات اليهود على الأنبياء كما جاء في الكتاب المقدس، وكيف لنبي أن يقرب من الخمر، وقد جاء التشريع بعدها بتحريمه؟! حاشا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد اعتبر الدكتور نصر فريد واصل أن حصول القمني على الجائزة جريمة ضد هوية مصر الإسلامية، وأن سيطرة العلمانيين على الثقافة المصرية تظهر ملامحها في منح القمني الجائزة، ما يعني أن هوية المسلمين في خطر، بل هو دليل على

مخطط فصل الدين عن الدولة، والذي يتم (سرسبته) في أواصر المؤسسة الثقافية المصرية، وأن منح القمني سابقة خطيرة ومنذرة بالسوء وقذرة، مستندا إلى  أن دراسات القمني قذارة لا يمكن منح جائزة عنها، مع اعتبار أن قيمة الجائزة المادية تمولها أموال ضرائب المسلمين، بل يجب ضرورة ملاحقة القائمين على هذه الجائزة لإجبارهم على سحب الجائزة من رجل أمضى حياته للطعن في الإسلام وتاريخه، بل يجب أن تكون هناك انتفاضة إسلامية لسحب الجائزة ودعم حملة مناهضة تكريم القمني.

كما اعتبر عدد من العلماء هذه الجائزة إحدى مظاهر التوغل الفكر العلماني في مصر، والذي لا يفتأ يحارب الدين باسم حرية الفكر والعقيدة، كما يقول الشيخ فرحات المنجي المستشار السابق لشيخ الأزهر، وأن هذا أضحى ديدن وزارة الثفافة في عهد فاروق حسني، والتي تطبع الكتب التي يرفض مجمع البحوث الإسلامية نشرها على نفقة الوزارة الخاصة متحديا علماء الأزهر، محاربة الإسلام في عقر داره ببلد الأزهر الشريف، وأن حصول القمني على الجائزة يشبه وعد بلفور

 بل طالب المنجي سحب الجائزة من القمني لأنه”بحالته الراهنة، وبما يحمله من قواعد فقهية بل واعتقادية، هو عامل تخلف عظيم، بل إنه القاطرة التي تحملنا إلى الخروج ليس من التاريخ فقط، بل ربما من الوجود ذاته.”

وإلى نفس المسلك الذي يحمل وزير الثقافة الوزر ينحو الدكتور محمد عبد المنعم البري المراقب العام لجبهة علماء الأزهر،والشيخ عبد الله مجاور الأمين العام السابق للجنة الفتوى بالجامع الأزهر،  حيث رأيا أن حصول القمني على الجائزة أمر طبيعي وعادي في ظل قيادة فاروق حسني لوزرة الثقافة، فهناك سعي لهدم الدين في مصر لصالح القوى العلمانية واليسارية من خلال وزارة الثقافة والاتجاه العلماني بمصر.

ويرى الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ الفلسفة الإسلامية ، أن تكريم القمني لا يخرج عن السياق العام الذي يتبعه النظام لضرب التيار الإسلامي بموافقة من الدولة والسلطة بمصر.

ورغم أن جائزة سيد القمني جاءت من وزارة الأوقاف، إلا أن دار الإفتاء المصرية أصدرت فتوى بتاريخ 9/7/2009 المقيد برقم 1262 لسنة 2009، ومما جاء فيها أن سب الرسول صلى الله عليه وسلم وازدراؤه مما يخرج عن الملة، وأنه محاسب في الدنيا والآخرة، بل هو مجرم بنص القانون كما جاء في المادة 98 من قانون العقوبات.

وجاء في فتوى دار الإفتاء:” أما بخصوص ما ذكر في واقعة السؤال: فإن هذه النصوص التي نقلها مقدم الفتوى ـ أيا كان قائلها ـ هي نصوص كفرية تخرج قائلها من ملة الإسلام إذا كان مسلما، وتعد من الجرائم التي نصت عليها المادة سالفة الذكر من قانون العقوبات، وإذا ثبت صدور مثل هذا الكلام الدنئ والباطل الممجوج من شخص معين فهو جدير بالتجريم لا بالتكريم، ويجب أن تتخذ ضده كافة الإجراءات القانونية العقابية التي تكف شره عن المجتمع والناس وتجعله عبرة وأمثولة لغيره من السفهاء الذين سول لهم الشيطان أعمالهم وزين لهم باطلهم، قال تعالي “قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.” واللجنة التي اختارت له الجائزة إن كانت تعلم بما قاله من المنشور في كتبه الشائعة فهي ضامنة لقيمة الجائزة التي أخذت من أموال المسلمين.”

كما قام عدد كبير من العلماء والدعاة بالرد عليه، وأصدروا بيانات تبين أباطيله، ومن أهمها: بيان جبهة علماء الأزهر، والذي كان له صدى كبير في مصر، خاصة في وسائل الإعلام، وهناك دراسة علمية قيمة للباحث منصور أبو شافعي بعنوان: “قراءة نقدية لكتابات القمني عن القرآن” منشورة بموقع إسلام أونلاين، وغيرها من الكتابات العلمية.

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى