فقهيةقضايا معاصرة

تهنئة النصارى بعيد الميلاد

  • د. مسعود صبري

مع قرب رأس السنة الميلادية، يحتفل كثير من المسلمين بعيد ميلاد المسيح –عليه السلام- حتى أضحى الاحتفال بهذا اليوم علامة على ارتكاب المحرمات، فضلا عن أنه مشاركة لعيد ليس من أعياد المسلمين، واحتفال المسلمين بهذا العيد حرام شرعا.

  • ولكن هل يجوز تهنئة النصارى بعيد المسيح عليه السلام خاصة أن منهم من هو جار لنا، أو تربطنا به صداقة في العمل أو في الدراسة ونحو هذا؟

اختلف الفقهاء على رأيين في تهنئة النصارى بأعيادهم:

  • الأول:

أنه يحرم تهنئة النصارى بأعيادهم، وهو ما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله، والشيخ ابن بازو الشيخ محمد صالح المنجد، وهو المفهوم من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث بالسعودية.

  • الثاني:

جواز التهنئة فيما ليس فيه حرام، وهو ما ذهب إليه المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث،  والدكتور مصطفى الزرقا – رحمه الله ، والدكتور عبد الستار فتح الله أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، وفضيلة العلامة القرضاوي، والدكتور محمد السيد الدسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم.

أدلة المحرمين:

واستند المحرمون بالتهنئة أن التهنئة تعد من قبيل الرضا بالكفر وإقرار به، وإن لم يكن هو كافرا، ولا يجوز التهنئة بما لا يرضى الله به، و ذلك استنادا لقوله تعالى: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} وقال تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}.

  • ومن أدلتهم:

أن هذه الأعياد إما أن تكون ضالة فهي حرام، وإما أن تكون صحيحة، ولكنها منسوخة بالإسلام،وقد قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران/85] وأن تبادل التهاني هي من باب التشبه بالكافرين، وذلك  بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من تشبّه بقوم فهو منهم}. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم): “مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء.

أدلة المجيزين

واستدل من أجاز تهنئة النصارى المسالمين بأعيادهم بعدد من الأدلة، أولها: أن الله تعالى فرق بين الوثنيين وبين أهل الكتاب، فأعطى أحكاما خاصة لأهل الكتاب إن كانوا مسالمين، كما قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) الممتحنة: 8-9..

وأن الشرع أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم والزواج منهم، كما قال تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) المائدة:5. والزواج مبني على المودة، ومن لوازم المودة تهنئة الزوجة وأقاربها لما بينهم من مصاهرة.

أن التهنئة يتأكد جوازها إن كان أهل الكتاب ممن يصل المسلمين ويبروهم ويحسنوا معاملتهم، لقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) النساء:86.

كما يرى المجيزون أن التهنئة من باب حسن الخلق للغير، وهو أمر حث عليه الشرع، وقد تكون التهنئة من باب الدعوة وإظهار الصورة الحسنة للإسلام.

والتهنئة بعيد رأس السنة لا علاقة له بالعقيدة، لأنه تأريخ فحسب، ولما جمع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- الناس ليضعوا تقويما اقترح بعض الصحابة التقويم الرومي النصراني، فكان ضمن اقتراحات الصحابة، ولو كان حراما ما عرضوه.

على أن من أجاز التهنئة اشترط ألا تشتمل التهنئة على مشاركة في أعيادهم؛ فالمشاركة لهم حرام شرعا، كما اشترط أن تكون كلمات التهنئة كلمات عامة لا علاقة لها بدينهم أو شعائرهم، حتى لا نقرهم على شركهم، وإنما نهنئهم لما قد يكون بيننا وبنيهم من العلاقة الاجتماعية كوصل رحم أو صداقة في العمل أو الجيرة.

وإذا نظرنا إلى علة من ذهب إلى التحريم من كونه رضا بكفر الكافرين، أو مشاركة لهم في كفرهم، أو أنها تدخل من باب الولاء لغير المسلمين، فإن ما استدل به المجيزون ينفون عنه تلك العلل، وهذا يعني أن التهنئة إن كانت من باب الرضا والمشاركة فهي حرام شرعا، أما إن لم يكن فيها رضا بغير عقيدة الإسلام، ولكنها من باب الإحسان للغير، ماداموا مسالمين، فإن الإحسان إليهم مشروع، ولو بالتهنئة.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى