- د. مسعود صبري
اليوجا علم منبثق من المعرفة الهندية القديمة (الفيدا) (VEDA)، أما كلمة “يوجا” فهي كلمة من اللغة السنسكريتية –لغة آسيا القديمة- وتعني الاتحاد بين الجسم والعقل والاتصال بالإله.. لا تفرق بين جسم الإنسان وعقله بل تجعلهما وِحدة واحدة. وقيل إنها تعني السجود للشمس بثمانية مواضع.
وتعتمد هذه الرياضة على عشرة أوضاع معلومة كما يشير الدكتور عبد الله الفقيه، منها الوضع الخامس الذي يكون بالانبطاح على الأرض منبسطاً بحيث يلامس الأرض: اليدان والأنف والصدر والركبتان وأصابع القدمين، وبهذا يتحقق السجود للشمس بثمانية مواضع من الجسم.
وتبدأ تمارين اليوجا بالوضع الأول الذي يمثل تحية للمعبود وهو الشمس. وهذه التمارين لابد أن يصاحبها جمل من الألفاظ المصرحة بعبادة الشمس والتوجه إليها، وهو ما يسمى بالمانترات، وتردد بصوت جهوري وبطريقة منتظمة الإيقاع، وتتضمن هذه المقاطع ذكر أسماء الشمس الاثني عشر.
وإن كانت ممارسة اليوجا بما تشتمل عليه من ممارسات تتعلق بالعقيدة الهندوسية، فلا خلاف في حرمة ممارستها بهذا الشكل، وهذا ما أفتى به عدد كبير من فقهاء العصر، منهم: دار الإفتاء المصرية برئاسة فضيلة المفتي علي جمعة، في الطلب المقيد برقم 3320 لسنة 2005م، و تمت الإجابة عليه بتاريخ 3/1/2006، حيث نصت فتواه أن اليوجا لا بد فيها من إضافة مفهوم الجورو (المرشد) ومفهوم الشكرات (مراكز التركيز ) ومفهوم الإنرجي (الطاقة العليا)، وكلها مفاهيم تتعلق بالوثنية والشرك، بل يرى الدكتور علي جمعة أن إصرار البعض على تسمية محض الحركات باليوجا غير جائز شرعا، وهو من باب تسمية الأشياء بغير اسمها؛ ليحصل التحليل أو التحريم، مستدلا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا» رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، وفي رواية الدارمي عن عائشة رضي الله عنها : «يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا فَيَسْتَحِلُّونَهَا».
وهو ما أفتى به –أيضا- الدكتور عبد الله الفقيه، حيث رأى أن اليوجا ليست رياضة، وإنما هي نوع من العبادة الوثنية التي لا يجوز للمسلم أن يقدم عليها بحال، و أن ما يروج له بعض الناس لليوجا من أنها تجلب راحة النفس أو صفاء الروح ليس أمر خاصاً باليوجا، وإنما هو عام في كل من ردد كلمات مخترعة مبتدعة أو شركية مع حضور القلب وتركيز الذهن والنظر إلى صورة ونحوها فإن هؤلاء ـ كما ذكر أهل العلم ـ تتنزل عليهم الشياطين، وتملأ عقولهم وقلوبهم بالخيالات والأوهام، فيشعرون بهذا الصفاء المكذوب، الذي يتحدث عنه بعض أرباب الطرق الملازمين للأذكار المحدثة والأوراد البدعية.
كما صدرت فتوى بتحريم ممارسة اليوجا على المسلمين من مجلس الإفتاء الوطني بماليزيا برئاسة عبد الشكور حسين – والذي أفتى بأن اليوجا حرام على المسلمين ممارستها؛ لأنها تتصل بطقوس هندوسية التي تضر بإيمان الفرد واعتقاده بدينه الإسلامي، وأنها تتسبب في تآكل الإيمان وضعفه لدى المسلمين، وأن الأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن وسائل أخرى يجدون فيها ما يرون في اليوجا من فوائد، وهي عندها في كثير من الأمور كالصلاة و الاستغفار والذكر ونحو ذلك.
وهو ما أفتى به –أيضا- الدكتور زكريا أستابا – من الكلية الإسلامية بجامعة ماليزيا الوطنية–، والذي رأى أنه ينبغي على المسلمين أن ينأوا بأنفسهم عن ممارسة اليوجا؛ لأنها تبعدهم عن الإيمان شيئًا فشيئًا.
ويستند المحرمون أيضا ما نقله الدكتور أحمد شلبي –رحمه الله- من أن اليوجا تستخدمها الماسونية في الدعوة إلى معتقداتهم الفاسدة، وهي تزعم أنها مجرد ممارسات رياضية و تدريبات جسمانية، وتبدأ باسم اليوجا ثم تنشر سمومها و معتقداتها بالرباط الإنساني و غيره. وتلقف بعض المسلمين هذه التقنية فأضفوا عليها شيئاً من الآيات والأحاديث؛ لتقويتها و إقناع الناس بها. وكل هذه العلوم و الأفكار و الاعتقادات و الممارسات عبارة عن بعض ثمرات الفراغ الروحي، و البعد عن الله عز وجل، و الهروب من مواجهة المشاكل والواقع.
غير أن بعض المحرمين – كدار الإفتاء المصرية، والدكتور عبد الله الفقيه- رأوا أن خلو اليوجا من الأعمال الوثنية يخرجها عن وصف (اليوجا) وتبقى مجرد حركات رياضية يجوز عملها بشروط، أهمها:
مخالفة ترتيب الأوضاع المذكورة في اليوجا وإدخال بعض الأوضاع الجديدة عليها منعاً للمشابهة.
الثاني: عدم فعلها في الأوقات التي يحرص الهندوس على أدائها فيها كوقت شروق الشمس استنادا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار”، فإذا كانت الصلاة لله تعالى ممنوعة في هذا الوقت تجنباً لمشابهة الكفار فكيف بأداء أفعال ـ ولو رياضية ـ يفعلها الكفار بعينها في هذا الوقت، كما يشير الدكتور عبد الله الفقيه.
ولعل هذه النظرة الاجتهادية أقرب للصواب، فربما كان هناك من يمارس اليوجا ولا ينظر إلى محتواها العقدي، غير أنه ملزم بألا يتبع طريقتها، وأن يفرغها من محتواها، وألا يمارسها في وقتها، وألا يردد تلك الخرافات والخزعبلات البدعية؛ حفاظا على دينه، وله أن يبدلها بكلمات من ذكر الله تعالى، وإلا كان الابتداع عن الممارسة أولى.