حفظ الجثث بالتجميد.. مخالفة للشريعة وتأليه للعلم
د. مسعود صبري
حفظ جثث الموتى عن طريقة التجميد وعدم دفنه وحفاظه عن أن يتحلل الجسد وتركه عددا من السنوات مقابل مبالغ طائلة عسى أن يتقدم العلم يوما وتعود الحياة إلى هذه الأجساد المحفوظة دون غيرها إلى الحياة مرة أخرى، قوبلت بتحريم علماء المسلمين لها، وعدوها خرقا لقواعد الشرع الحنيف، وتألها للعلم، وانحرافا عن العقيدة السليمة، بل هو عمل يخرج العلم من سياقه الصحيح لمعرفة قدرة الله، إلى سياق آخر مغلوط وهو تحدي قدرة الله في خلقه.خاصة أن بعض المسلمين بدؤوا في حفظ جثثهم وعدم دفنهم مع الموتى في القبور.
- مخالف لمقاصد الشريعة
الدكتور محمد كمال إمام رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، يرى أن ” حفظ الجثث بالتجميد” مخالف للشريعة الإسلامية، والإنسان ليس مجالا للبيع والشراء، فتكون تلك الوسيلة محرمة شرعا، لأنها تخالف مقاصد الشريعة، والمقصد من هذه الوسيلة غير شريف، كما أنه يخالف قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) العنكبوت:57، فمهمة ما بعد الموت أن يدفن في المقبرة، فيكون حفظه مخالف لسنة الله وقوانينه في الكون، كما أنه مخالف لأوامر الشرع القطعية.
- ضوابط التحريم
ويذهب الدكتور يحيى إسماعيل الأمين العام لجبهة علماء الأزهر، وأستاذ الحديث بجامعة الكويت إلى حرمة “حفظ الجثث بالتجميد”، ويبني تحريمه بناء على عدة ضوابط، أهمها:
- مصادمة هذا الفعل للنصوص الشرعية، فالسعي لأجل إعادة الحياة للميت يخالف ما جاءت به نصوص القرآن من كون الموت حق على كل إنسان، كما قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) طه:55.
- أن ما زاد على الضرورة في الكفن هو نوع من الإسراف المحرم، فحق البدن بعد الموت أقل ما يتوصل به من كفن بثلاثة أثواب ونحوها مما قرره الفقهاء في كتبهم، ومازاد عنه يعد إسرافا.
- ما ورد عن عمرو بن العاص – رضي الله عنه- أنه قال في مرض وفاته: “شنوا علي قدرا من التراب”، فهذا إيذان بأن البدن ذهب إلى الأرض.
- أن الموت في الشريعة نوعان، موت معان، فيظل الإنسان قائما حيا لكنه في عداد الأموات، كما قال تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) الفرقان:44. وقوله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف:179. والنوع الثاني للموت هو مفارقة الروح للبدن، فالبدن بالموت صندوق انتهت مدته، ثم يرجع إلى أمه الأرض، فيعود إلى دورته الطبيعية التي كتبها الله تعالى، ويبقى حتى ينزل مطر السماء فيعيده، ويحيى مرة أخرى للحساب، فيكون دفن الميت أداء للأمانة إلى أصحابها.
- أن ما ينفق في هذه العملية من أموال طائلة إنفاق في غير محله، يسأل عنه الإنسان أمام ربه، كما جاء في حديث أبى الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه”. رواه الطبراني.
- أن مثل هذا العمل فيه نوع من استرخاص حياة الإنسان الذي كرمه الله تعالى، كما قال: (لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء: 70.
- أنه اعتداء على كرامة الإنسان، ومن مطالب كرامته دفنه في التراب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كسر عظم الميت ككسر عظم الحي ‘أخرجه أبو داود، وحسنه ابن القطان وابن دقيق العيد. وسبب ورود الحديث يبين الحفاظ على كرامة الإنسان ميتا، فعن جابر قال خرجنا مع جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا جئنا القبر إذا هو لم يفرغ منه فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وجلسنا معه فأخرجه الحفار (عظما ساقا) أو عضدا فذهب ليكسرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تكسرها فإن كسرك إياه ميتا كسرك إياه حيا أن ولكن دسه في جانب القبر” أسباب ورود الحديث للسيوطي بتحقيق الدكتور يحيى إسماعيل ج 1 /113.
- أن مثل هذا العمل مظنة أن ينحرف الناس جميعا فضلا عن المسلمين عن العقيدة، فقد ورد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بقطع الشجرة التي كانت تحتها البيعة وأمر بإخفاء قبر دانيال سدا لذريعة الشرك والفتنة ونهى عن تعمد الصلاة في الأمكنة التي كان رسول الله ينزل بها في سفره وقال : أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فلا. إغاثة اللهفان لابن القيم ج 1 / 368
و يؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية والأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية المصري أن مسألة تجميد الجثة للحفاظ عليها وجعل بعض أنشطتها الحيوية تعمل هو نوع من التلاعب والتغيير في خلق الله و محاولة للتحكم في أمر لا يندرج ضمن صلاحية الإنسان.
ويضيف أن المقرر شرعا هو أن أمر الحياة والموت خاصية لله سبحانه وتعالى والنصوص متضافرة على ذلك منها :“الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” (الملك: 2)، فالله هو المتفرد بصنعة خلق الإنسان وهو الذي يستودعه عندما يحين أجله ، و على هدي ذلك فإن أي تدخل يناقض هذه الحقيقة القرآنية والشرعية من جانب الإنسان عن طريق استخدام تقنية علمية أو بطريقة عادية هو أمر مرفوض شرعا ، ولا يصح قبوله.
كما يشدد أن التجميد لمنع الفناء للجثة هو محالة لتغيير خلق الله وسنته في فناء وبلاء الجسد بعد الموت، وعليه فهو أمر محرم شرعا لقوله تعالى: “وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا” (النساء:119) وهذا في معرض الذم والتقبيح لمثل هذا السلوك الذي يتحكم في أخص خصائص الربوبية التي هي من صميم قدرة الله تعالى وطلاقة خلقه وإبداعه للبشرية.
ويستطرد الدكتور الجندي قائلا :” إنه بناء على ذلك فإن لجوء بعض الناس لاستخدام التقنية العلمية في تجميد بعض الآدميين على أمل استعادتهم بعد فترة تطول أو تقصر بحسب ما يتم اتباعه في هذا الشأن هو أمر ينطوي على افتراء وتجاوز في حق الله تعالى، و يجدر بالمسلم صحيح النظر أن يتخلى عن مثل هذه الممارسات وأن يقلع عن الانسياق في مثل هذه التجارب التي تتعارض مع كون الله تعالى وحده الخالق المحيي والمميت.”
ويؤكد على أن تنفيذ هذا الأمر يجعل الإنسان سلعة ولها ثمنها ، حيث يترتب على هذا العمل إهدار كرامة الإنسان وجعل الأعضاء الآدمية سلعة تباع وتشترى ويتاجر بها وهو الذي يتعارض قوله تعالى :”وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ” (الإسراء:70).
كما يقطع الدكتور محمد دسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة بأن هذا العمل من أوله لأخره محرم، فمادامت الروح قد خرجت من الجسد وانتهت حياة الإنسان، فلا يمكن أن تعود له الحياة إلا يوم البعث، أما ما يقال بأنه يمكن الحفاظ على الجسد انتظارا لأمل استئناف حياة جديدة فهذا غير مقبول شرعا؛ لأن الناس جميعا يموتون والإحياء يكون بيد الله وحده.
ويضيف: إن هذا العمل وهو تجميد الجثث لا يوافق عمل الفراعنة كما قد ينظر إليه البعض حيث إن فراعنة مصر لجئوا إلى التحنيط لكونهم اهتدوا بأن هناك بعثا بعد الموت فأرادوا بفكرهم البشري أن يحفظوا جسد الإنسان لهذا البعث ، أما نحن في عصرنا فنعلم ونوقن بأن البعث يكون بعد الموت والتحلل، حيث يبعث الله جميع الخلق يوم القيامة، وهو أمر عقدي يكاد يجمع عليه جميع الناس في زماننا.
ويشدد على أن مجرد الحفاظ على الجسد ليس له جدوى؛ لأن هذا الحفاظ لا يمكن أن يستمر مهما كانت تقدم الأدوات التي تحميه وتجعله وكأنه على صورته الطبيعية، فإنه يتحلل شيئا فشيئا ولو بدرجة قليلة فتلك سنة الله في خلقة الذي قال في كتابه الكريم :“اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ” (الروم: 54)، فبعد مرحلة الضعف والشيبة لا يمكن أن يعود إلا بأمر من الله تعالى.
ويرى الدكتور دسوقي أنه لو لجأ المسلم لهذه الطريقة يكون مرتكبا لمعصية عظمى، وأفسد على نفسه عقيدته وإيمانه؛ لأنه في هذه الحالة يكون وكأنه أدخل في عقيدته اعتقادا بأن البشر يمكن أن يعيد لجسده الحياة فيما بعد.
ويستطرد قائلا: “إن التفكير بهذا الشكل خيالي لا جدوى منه وهو تعطيل للعلم في بحث أمور لا تعود على البشرية بطائل، و إلا هل يمكن للعلم أن يمنع الموت وهذا كله وضع للعلم في غير موضعه؟.
ويختتم كلامه بالتأكيد على أن اللجوء لمسألة تجميد الجثث والحفاظ عليها بعد الموت يخالف العقيدة الإسلامية، ويبتعد عن حكمة الله في إنزال العلم على خلقه والأولى أن ينشغل العلم بعلاج الأمراض الفتاكة التي تقضي على البشرية كل يوم.
- تحد للخالق
و ترى الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن مسألة تجميد الجثة بعد موتها للحفاظ عليها يعتبر تحديا للخالق، وهو تحد لن يفيد ولن تكون له جدوى حيث يقول تعالى في كتابه الكريم ” وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” (الأنفال: 30).
وتضيف أن مثل هذا العمل يخالف نصا قرآنيا صريحا بان جسد الإنسان إلى الفناء، وهو قوله تعالى: “قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ..مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ..مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ..ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ..ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ..ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ” ( عبس: 17-22)، وهذا دليل أن بعد الموت يعقب القبر والتحلل، وعليه يعد هذا العمل ” تجميد الجثة” محرم ومحاولة لتحدي سنة الله في الكون ، واللجوء إليه يفسد عقيدة المسلم، ويجعل في أمرها شكا حيث إنه لجأ إلى عمل يخالف حقيقة واردة في النصوص الثابتة من القرآن والسنة ألا وهي فناء جسد الإنسان.
من جهته يوضح الدكتور مصباح حماد وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن فكرة تجميد جسد الميت للحفاظ عليه هي فكرة قديمة عرفت عند الفراعنة بفن التحنيط وقد كانوا يفعلون ذلك مع ملوكهم من منطلق عقيدة عندهم أنه قد يحيا في القبر ومن ثم كانوا يضعون معه الطعام والشراب وبعض المقتنيات التي يتصورون أنه سينتفع بها بعد حياته في القبر، وعليه فهي فكرة لا سند لها من شرع وإنما هدتهم عقولهم إلى هذا.
ويضيف أنه في عصرنا نجد من يريد التشبه بهؤلاء اعتمادا على التقدم العلمي في مجال الطب ويلجأ بعض الأثرياء إلى تجميد جثة الميت آملين أنه في المستقبل ربما يتوصل العلماء إلى إعادة الحياة إلى الجسد.
ويشير قائلا إلى أنه “إن فعل ذلك الأمر من الملحدين فهو متوقع انطلاقا من عقيدتهم أما عند المسلمين فإنه يجب رفض تلك الفكرة، فلو كانت في هذه الفكرة ميزة لكان سيد الخلق أولى بها ولهدى الله الصحابة إليها، وكيف يكون ذلك والآيات كثيرة في القرآن ظاهرة في كيفية الحياة بعد الممات ومن قادر على هذا إلا الله تعالى فهو وحده القادر على أحياء الموتى؟!”.
ويشدد الدكتور مصباح على أن بعد الموت حياة تختلف عن حياتنا الدنيا فهي حياة برزخية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وقد أخبرنا القرآن أن للميت مصيره إلى ما بدأ به فهو بدأ من تراب ويعود إلى التراب فكيف نتجرأ على تصاريف الله تعالى في أمر الآخرة.
ويوضح:” إننا لم نر أو نسمع أن ميتا قبر ثم عادت إليه الحياة الدنيوية والله تعالى يقول: “مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى” ( طه: 55) أي للبعث والحساب، وهذه هي شريعة الإسلام التي أوجبت احترام الميت وعدم العبث به فالميت له حرمته بغض النظر عن دينه الذي مات عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ” كسر عظم الميت ككسره حيا”
ويضيف أنه لا يجوز خرق هذا الاحترام إلا لضرورة كما في تشريح جثة الميت لمعرفة سبب الوفاة إذا اشتبه أنه قتل، أما غير ذلك فالعبث بجسد الميت ولو بالتجميد أو بالتحنيط حرام في شريعتنا ، فالإنسان بعد الموت أصبح أمره في يد الله وحده
ويطرح الدكتور مصباح سؤالا على من يقومون بمثل هذه العملية للموتى قائلا:” ما الفائدة التي ستعود على الحياة من هذا الصنيع بأمواتهم ؟ وهل يجوز أن نفعل بالميت هذا الأمر مع هذه الاحتمالات الخيالية للعلم، كم من أمور كثيرة تخيلها العلم ولم تتحقق ؟ فيا أيها المسلمون اثبتوا على شريعتكم وعلى أمر الآخرة كما جاء بها القرآن الكريم وكما جاءت بها السنة المشرفة.”
ويوجه في ختام كلامه نداء بقوله: “ينبغي على المسلمين ألا ينخدعوا بمثل هذه الأمور خصوصا ما يتعلق بأمر الآخرة والاعتقاد الجازم بأن الموت هو خط فاصل وحاجز بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة.”
- انحلال عقدي
وعن الرؤية العقدية المتخصصة لمسألة تجميد الإنسان بعد موته تؤكد الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن فكرة تجميد الأجساد بعد موتها والحفاظ عليها فكرة تخالف الفكر العقدي للإسلام، ويرجع السبب في ظهورها إلى الابتعاد عن ربط فلسفة العلم بالعقيدة.
وتضيف أن الإسلام يرفض مثل هذا النوع من العلوم العبثية، ولذلك كان من باب العقائد في الإسلام الربط بين الضوابط الأخلاقية والبحث العلمي، حيث إن العقل عندما يجوب العلم وتفتح أمامه أبواب ذلك العلم فإنه يحتاج إلى لجام حتى لا يهبط بهذا العلم إلى العبثية في العمل العلمي.
وتشدد على أن العلم أمر جليل والإسلام يكرم العلماء حتى أنه يجعلهم ورثة الأنبياء ووريث الأنبياء لابد وأن يتحلى بأخلاق الأنبياء في أن يحمل الرسالة بأمانة وبدقة وبعيدا عن العبث فيما خلق الله في أحسن تقويم
وتوضح أن العقيدة الإسلامية الصحيحة، والتي تكون البناء الإيماني والعقدي للمسلم تجعل من أساسيات الإيمان بالله اليقين بأن الله خلق الإنسان لعمر ما ثم ينتقل بعد انتهاء العمر إلى عالم آخر حفلت به العقيدة الإسلامية وبمفرداته و مآلاته.
وتضيف أنه بناء على ذلك فإن اهتمام العلم بتجميد الجثث والحفاظ على جسد من انتهت سنوات العمر به في العبادة والاستخلاف والعمل وتعمير الدنيا، فهذا يعد موطن العبثية.
وتتساءل قائلة:”ما الذي سيعود على مفهوم الاستخلاف والعبادة الذي خلق من أجلهما الإنسان في أن يتم تجميده ويحنط بعد موته، مع أنه سيكون صامتا لا يعطي أي وظيفة فعلية في صنع الحياة؟! أم أنهم يريدون تقليد الفراعنة بالحفاظ على هذه الجثث عونا لإعادة البشر؟!
وتجيب أن “هذا هو العلم العبثي بكل ألوانه وهو عودة إلى قرون خلت سواء عند الفراعنة، حيث العناية بالإنسان بهذه الصورة العبثية والحرص عليه ،وهو نوع من التمادي في الأبحاث العلمية التي لا يوجد لها أية ضوابط، مهما أدى ذلك إلى إهانة جسد الإنسان دون فائدة منها.
وتستطرد الدكتورة آمنة بأن “خلاصة الأمر أن تجميد الجثث مسألة عبثية بالدرجة الأولى، ودليل على أن الإنسانية إذا غاب عنها الضابط العقدي وحقيقة وجود الإنسان ، وإذا غاب عن عقل الإنسان لجام العقيدة تنفلت الأمور ومنها هذه القضية “.
وعن الحكم بفساد عقيدة المسلم الذي يلجأ لهذه الوسيلة تقول الدكتورة آمنة نصير: “إن لجوء المسلم لهذه الطريقة عودة لمفهوم التخليد تخرجه من العقيدة على قدر توجهه للقضية فإذا كان التوجه إليه أنه يريد أن يعين الخالق على إعادة البعث فهذه ساذجة منه، وإذا كان اعتقد أنه بالعقل يستطيع إعادة الجسد للحياة بعد موته فهذا نوع من التأله العلمي وهنا لا يعطي الألوهية مكانها ويعد الكفر بعينه ــ وهذا نوع من الافتتان بالعقل في مجال الأبحاث العلمية وهو شيء مدمر؛ لأن العقل إذا خلا من الضابط العقدي يجمح ويجنح ولا يكون أمامه أي موانع تضع له ما يوقفه”.
وتنصح من يلجأ لمثل هذه الطريقة أن ينظر إلى ما يحدث من عواصف وأعاصير تطوي مدنا كاملة ليعرف عظمة قدرة الإلهية التي لا يصل إليها أي عقل علمي مهما وصلت من تقدم.
وإذا كانت هذه هي آراء عدد من العلماء التي ترى أن حفظ الجثث بالتجميد نوع من العبث وخروجا عن قوانين الله تعالى في الكون، ومخالفة لأحكام الشريعة والعقيدة، فهل يعيد الناس التفكير في هذا الأمر، أم يظل العبث العلم مستمرا، لينتفع به من يقومون به، حيث الحصول على الأموال الطائلة ويبيعون الوهم للناس، ويعيش من يريد حفظ جثته وهما في الحياة لا يدركه إلا بعد الوفاة؟ والأخطر من ذلك: هل سيدق هذا ناقوس الخطر في حياة المسلمين، ويحافظون على عقيدتهم وأموالهم و فكرهم، أم أنهم سيجرون وراء كل ناعق دون الرجوع إلى ضابط العقيدة والدين؟ فإن كان اليوم دعوة لحفظ الجسد، فإن الأيام حبلى تلد لنا كل جديد، مما يعني أن الأمر يحتاج إلى وقفة عاقلة تهدي بنور ربها حتى يسير الإنسان المسلم على بصيرة من أمره، جاعلا الكتاب والسنة ضابط تفكيره، إذ يجب عليه أن يسير على هدى من الله.
للمزيد عن حفظ الجثث بالتجميد اقرأ أيضا