- د. مسعود صبري
يتعارف الناس فيما بينهم بما يعرف بـ”كذبة إبريل” ففي شهر إبريل من كل عام ينتشر بين الناس الخداع وتتنوع فيه أشكال المراوغة والتي تؤذي مشاعر الناس مما قد يتسبب بالأذى النفسي لعدد من الناس من جرائها.
وقد كانت السنة تبدأ من شهر إبريل بدلا من شهر يناير (كانون الثاني) في فرنسا. ثم تغير الأمر في عام 1654م بجعل أول السنة يناير بدل إبريل بأمر شارل التاسع ملك فرنسا.
وأما الأصل التاريخي لكذبة إبريل فلم يعرف على وجه التحديد، فقد تعددت فيه التفسيرات، منها أنها نشأت مع احتفالات الربيع، عند تعادل الليل والنهار في 21آذار (مارس).
ومنها أن هذه البدعة بدأت في فرنسا عام 1564م بعد فرض التقويم الجديد كما سبق، إذ كان الشخص الذي يرفض بهذا التقويم الجديد يصبح في اليوم الأول من شهر إبريل ضحية لبعض الناس الذين كانوا يعرضونه لمواقف محرجة، ويسخرون منه فيصبح محل سخرية للآخرين.
ومنها أن هذه البدعة تمتد إلى عصور قديمة واحتفالات وثنية. لارتباطها بتاريخ معين في بداية فصل الربيع، إذ هي بقايا طقوس وثنية. ويقال إن الصيد في بعض البلاد يكون قليلاً في أول أيام الصيد في الغالب، فكان هذا قاعدة لهذه الأكاذيب التي تختلق في أول شهر إبريل.
و يطلق الإنجليز على اليوم الأول من شهر إبريل اسم يوم جميع المغفلين والحمقى لما يفعلونه من أكاذيب حيث قد يصدقهم من يسمع فيصبح ضحية لذلك فيسخرون منه.
وأول كذبة إبريل ورد ذكرها في اللغة الإنجليزية في مجلة كانت تعرف بـ” مجلة دريك “ففي اليوم الثاني من إبريل عام 1698م ذكرت هذه المجلة أن عددا من الناس استلموا دعوة لمشاهدة عملية غسل الأسود في برج لندن في صباح اليوم الأول من شهر إبريل.
ولقد حذر علماء الشريعة من هذه البدع المنكرة، وعلى رأسهم العلامة الشيخ القرضاوي – حفظه الله-، وأفتى بحرمة هذه البدعة، وبنى الشيخ القرضاوي الحرمة على عدد من الأسس، هي:
- الأول:
أنها كذب، والكذب ليس من أخلاق المؤمنين وإنما هو من أخلاق المنافقين، وفقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان”. وفي حديث آخر: “أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا”، منها خصلة الكذب.
- الثاني:
أنها خلق مناف للإيمان، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانًا يا رسول الله؟ قال: نعم، قيل أيكون بخيلا؟ قال: نعم، قيل أيكون كذابًا؟ قال: لا”.
- الثالث:
أن الكذب خيانة للصاحب والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “كبرت خيانة، كبرت خيانة، أن تحدث أخاك بحديث هو لك مصدق وأنت به مكذب.”
- والرابع:
“أنها تقليد أعمى لغيرنا، ولا يجوز لنا كأمة جعلها الله أمة وسطًا، وجعلها شهيدة على الناس أن ننقل عن الغربيين الغث والسمين والهزل والجد والطيب والخبيث وما يليق وما لا يليق.
ويؤيد وجهة نظر الشيخ القرضاوي الدكتور هاني بن عبد الله الجبير القاضي بمحكمة مكة المكرمة والدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي وعدد من علماء السعودية . واستدلوا بعدد من الأدلة الشرعية، منها ما ورد عن عن ابن مسعود – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّاباً” متفق عليه.
وما روى مالك في الموطأعن صفوان بن سليم قال: قلنا يا رسول الله: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: “نعم”، قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: “نعم”، قيل: أيكون المؤمن كذَّاباً؟ قال: “لا”.
بل الكذب في المزاح محرم؛ عن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: “أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً” رواه أبو داود بسند صحيح.
ولم يستثنى من هذا الحكم إلا الكذب للإصلاح بين اثنين، أو حال الحرب، أو في حديث الرجل لزوجته والمرأة زوجها؛ انظر ما رواه البخاري ومسلم
ويرى الشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة عمان أنه إن كان مطلق الكذب بهذه الخسة والنذالة والفحش في الإجرام وهو بهذا القدر من الإثم فان ما يسمى بـ (كذبة ابريل) ابلغ في الخسة وأفحش في النذالة وأعظم من الجرم واشد في الإثم لأنها ناشئة عما تكنه النفوس من الإعجاب بالكفرة الفجرة واستحسان قبائحهم والزهو بتقليدهم والاعتزاز بالسير في منهاجهم وما هو إلا رمز بّين، وعلامة واضحة على ما في هذه النفوس من موالاتهم والرغبة بالمسارعة في هواهم فان من شأن المحب إن يسارع في هوى محبوبه وأن يحب الظهور بمظهره والتحلي بحليته والحديث بلسانه وكل عاقل يدرك انه ما من أمر أسرع في نقض إسلام مسلم وهد أركان إيمانه من ذلك.