الطب المعاصرالفتاوىدار الإفتاء المصريةهيئات ودور الفتوى

حكم فصل التوأمين الملتصقين

  • السؤال:

ما الحكم الشرعي في فصل التوأمين الملتصقين؟

من تكون له سلطة الإذن بإجراء عملية الفصل: هل هي أسرة التوأمين، أو الأطباء، أو القضاء، أو التوأمان إذا بلغا؟

وما العمل إذا كانت هناك فرص كبيرة لنجاح عملية الفصل ورفضت أسرة التوأمين؟

هل يجوز إجهاض الأم الحامل إذا اكتشف وجود توائم ملتصقة أثناء الحمل؟

هل التوأمان الملتصقان روح واحدة أو اثنتان، شخص واحد أو شخصان؟

هل يحق للتوأمين الملتصقين الزواج، وما الحكم والكيفية؟

 

  • الجواب:

من المعروف أن الحمل ينشأ إذا لقحت البييضة الأنثوية بنطفة الرجل، فيعلق الجنين الذي ينغرس في بطانة الرحم ليأخذ في النمو، وعندما يكتمل نموه يخرج للحياة في صورة عادية، وقد يحدث أن يفرز مبيض المرأة أكثر من بييضة، وتلقح كل واحدة بحيوان منوي أو تنقسم البييضة بعد الإخصاب إلى خليتين، أو في طور متقدم تنقسم الكتلة الخلوية إلى جزئين، ثم تواصل كل خلية نموها إلى أن يتكون الجنين الكامل، ومن هنا تأتي التوائم، وقد يحدث ألا يتم الانفصال بشكل كامل فينتج عن ذلك ما يعرف بـ”التوائم الملتصقة” أو “التوائم السيامية”، وفي هذه الحالة يكون الطفلان متصلين أو ملتصقين أو ملتحمين ببعضهما في منطقة ما من الجسد مما يستدعي أن يتم إجراء عملية فصل بينهما، وأما تسمية هذا النوع النادر من التوائم بـ “التوائم السيامية”، فهو نسبة إلى توأمين ولدا بمدينة “سيام” في جنوب شرق آسيا عام 1811م لأبوين صينيين وكانا ملتصقين من جهة الصدر، ويقال: إن هذين التوأمين قد تزوجا من شقيقتين إنجليزيتين وأنجبا اثنين وعشرين طفلا، وقد توفيا عام 1874م، ولم يكن زمن الوفاة بينهما كبيرا حيث توفي أحدهما قبل الآخر بحوالي ساعتين، ويقال إن النسبة صارت إليهما؛ لأنهما أول حالة طبية رصدت في هذا الصدد؛ ولكن الإمام أبا الفرج بن الجوزي حكى في تاريخه المنتظم عن حالة توأمين ملتصقين رصدت سنة نيف وأربعين وثلاثمائة، وذكر ذلك في حوادث عام 352هـ، أي قبل حدوث حالة التوأمين السياميين بقرون عدة، قال ابن الجوزي: “أخبرنا محمد بن أبي طاهر، أخبرنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدثني أبو محمد يحيى بن محمد بن فهد، وأبو عمر أحمد بن محمد الخلال، قالا: حدثنا جماعة كثيرة العدد من أهل الموصل وغيرهم ممن كنا نثق بهم ويقع لنا العلم بصحة ما حدثوا به؛ لكثرته وظهوره وتواتره أنهم شاهدوا بالموصل سنة نيف وأربعين وثلاثمائة رجلين أنفذهما صاحب أرمينية إلى ناصر الدولة؛ للأعجوبة منهما، وكان لهما نحو من ثلاثين سنة وهما ملتزقان من جانب واحد ومن حد فويق الحقو -أي الخاصرة- إلى دوين الإبط، وكان معهما أبوهما، فذكر لهم أنهما ولدا كذلك توأما تراهما يلبسان قميصين وسروالين كل واحد منهما، لباسهما مفردا، إلا أنهما لم يكن يمكنهما -أي القميص-؛ لالتزاق كتفيهما وأيديهما في المشي لضيق ذلك عليهما، فيجعل كل واحد منهما يده التي تلي أخاه من جانب الالتزاق خلف ظهر أخيه ويمشيان كذلك، وإنما كانا يركبان دابة واحدة، ولا يمكن أحدهما المنصرف إلا أن ينصرف الآخر معه، وإذا أراد أحدهما الغائط قام الآخر معه وإن لم يكن محتاجا، وأن أباهما حدثهم أنه لما ولدا أراد أن يفرق بينهما، فقيل له: إنهما يتلفان؛ لأن التزاقهما من جنب الخاصرة، وأنه لا يجوز أن يسلما، فتركهما، وكانا مسلمين، فأجازهما ناصر الدولة وخلع عليهما، وكان الناس بالموصل يصيرون إليهما فيتعجبون منهما ويهبون لهما، قال أبو محمد: وأخبرني جماعة أنهما خرجا إلى بلدهما، فاعتل أحدهما ومات وبقي الآخر أياما حتى أنتن أخاه وأخوه حي لا يمكنه التصرف، ولا يمكن الأب دفن الميت إلى أن لحقت الحي علة من الغم والرائحة، فمات أيضا فدفنا جميعا، وكان ناصر الدولة قد جمع لهما الأطباء، وقال: هل من حيلة في الفصل بينهما؟ فسألهما الأطباء عن الجوع، هل تجوعان في وقت واحد؟ فقال: إذا جاع الواحد منا تبعه جوع الآخر بشيء يسير من الزمان، وإن شرب أحدنا دواء مسهلا انحل طبع الآخر بعد ساعة، وقد يلحق أحدنا الغائط ولا يلحق الآخر، ثم يلحقه بعد ساعة، فنظروا فإذا لهما جوف واحد، وسرة واحدة، ومعدة واحدة، وكبد واحد، وطحال واحد، وليس من الالتصاق أضلاع، فعلموا أنهما إن فصلا تلفا، ووجدوا لهما ذكرين، وأربع بيضات، وكان ربما وقع بينهما خلاف وتشاجر فتخاصما أعظم خصومة، حتى ربما حلف أحدهما لا كلم الآخر أياما، ثم يصطلحان” اهـ.

ويروى أن هناك حالة أخرى رآها الإمام الشافعي رضي الله عنه، رواها أبو نعيم في الحلية، لكن الحافظ الذهبي استنكرها في السير.

أما الحكم الشرعي لإجراء عملية الفصل بين التوأمين الملتصقين، فالأصل فيه أنه جائز؛ والأصل في جوازه ما رواه مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه»، وهذا الحديث أصل في جواز التدخل الجراحي متى احتيج إليه؛ فقطع العرق وكيه ضرب من ضروب الجراحة، ولا شك أن فصل التوأمين من آكد الحاجيات التي إن فاتت التوأمين حصل لهما من ضروب العنت والجهد والمشقة الحسية والمعنوية ما الله به عليم، ولكن يجب عند الإقدام على إجراء جراحة الفصل بين التوأمين مراعاة الضوابط الآتية:

أولًا: أن يكون القائمون بإجرائها من الأطباء المختصين الأكفاء.

ثانيًا: أن يأذن في إجرائها التوأمان معا إن كانت أهلية الإذن متحققة فيهما؛ بأن يكونا بالغين عاقلين مختارين، فإن كانا ناقصي الأهلية فإن الحق في ولاية الإذن بالجراحة يعتبر بحسب قوة التعصيب، فيقدم من ذوي الأهلية: الأب، ثم الجد وإن علا، ثم الابن -إن كان-، ثم الإخوة الأشقاء، ثم الإخوة لأب، ثم بنو الإخوة الأشقاء، ثم بنو الإخوة لأب، ثم الأعمام الأشقاء، ثم الأعمام لأب، ثم بنو الأعمام الأشقاء، ثم بنو الأعمام لأب، وهذا الترتيب هو الأصل في الإرث لولا أنهم قدموا الابن على الأب؛ لأن الغالب بقاء الابن وكونه في بداية حياته، وكون الأب والجد في إدبار حياتهما، ويلي الأقارب في سلطة الإذن صاحب الولاية العامة، وهو الحاكم أو القاضي في زماننا هذا.

ثالثًا: ألا يترتب على فصل التوأمين مفسدة تفوق مفسدة بقائهما ملتصقين؛ كوفاتهما، أو تلف عضو من أحدهما في مقابل سلامة الآخر، وكذلك يحرم إجراء الجراحة لو غلب على الظن حصول ذلك، ومن القواعد الشرعية المقررة أنه إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما، وأن الضرر لا يزال بالضرر المساوي أو الأشد، يقول الإمام البغوي في شرح السنة: “والعلاج إذا كان فيه الخطر العظيم كان محظورا”. اهـ، وكذلك إذا أكد الأطباء المختصون باليقين أو الظن الغالب أن أحدهما سيعيش بعد الفصل والآخر سيموت بحيث إنهما لو استمرا على ذلك لماتا جميعا جاز الفصل، ولكننا أيضا نشير إلى أنه يصعب وضع ضابط واحد لكل الحالات، بل نقول: إنه ينبغي أن تدرس كل حالة على حدة؛ لأنه قد يكون الأرجح في بعض الحالات أن يضحى بعضو لأحد التوأمين أو لكليهما في مقابل أن يتم لهما الانفصال الآمن، وتكون المفسدة الناشئة عن هذا أهون بكثير من مفسدة بقائهما متصلين مع سلامة أعضائهما.

رابعًا: أنه لا يجوز لطبيب إجراء الجراحة إذا لم يوافق عليها من له حق الإذن، فإن كانت هناك فرصة كبيرة لنجاح عملية الفصل ورفضت أسرة التوأمين، فإنه لا يتم إجراء العملية إلا بعد رفع الأمر للقاضي؛ ليرفع النزاع بين الولي الطبيعي وبين المتخصصين الذين يرون وجوب إجرائها.

خامسا: أنه لا يجبر التوأمان عليها إن كانا بالغين عاقلين، ولو استمر موجبها، طالما كانا راضيين بما ابتليا به، بخلاف ما إذا قبل أحدهما ورفض الآخر، فيرجع حينئذ للأطباء المختصين، فإن قالوا بإمكان إجراء جراحة الفصل الآمن بين التوأمين، جاز إجبار الرافض منهما عليها؛ لما في امتناعه من مضارة أخيه.

أما بخصوص حكم الإجهاض إذا ما اكتشف الطبيب وجود توائم ملتصقة أثناء الحمل، فيفرق هنا بين حالتين: الأولى: أن يكون قد مر على الحمل مائة وعشرون يوما فأكثر في بطن الأم، فإذا كان كذلك فقد نفخت فيه الروح، ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح»، وإذا ما نفخت الروح في الحمل لم يجز إسقاطه، وكان إسقاطه قتلا للنفس التي حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق، أما إذا كان الحمل لم تنفخ فيه الروح بأن كان قبل هذه المدة فيجوز إسقاطه والحالة هذه طالما لا يوجد ضرر محقق أو مترجح على الأم من جراء الإجهاض؛ وذلك اتقاء للمشكلات التي تتلازم مع ولادة التوائم الملتصقة من صعوبة العملية التي تكون في الغالب بشق البطن، مع احتياجها لتقنية ومهارة عالية، فضلا عن التكاليف الباهظة لعملية الفصل.

وقد أجاز بعض العلماء إسقاط الحمل قبل نفخ الروح فيه إذا كان ثم عذر معتبر؛ كأن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه، كما نقله ابن عابدين في حاشيته عن ابن وهبان من فقهاء الحنفية.

ولا شك أن ما ذكرناه من المشكلات أقوى في الإعذار مما ذكره ابن وهبان، وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرح البهجة: “إسقاط الحمل إن كان قبل نفخ الروح جاز، أو بعدها حرم”. اهـ، وفي متن الإقناع للحجاوي من كتب السادة الحنابلة: “ويجوز شرب دواء لإلقاء نطفة”، وفي الفروع لابن مفلح الحنبلي أن ظاهر كلام ابن عقيل في الفنون: أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح، قال: “وله وجه”.

أما أن كل واحد من التوأمين شخص مستقل له روح مغايرة للآخر فهذا مما لا ينبغي التوقف في صحته، ومن أبلغ الأدلة عليه أن كل واحد منهما يكون له تفكيره وميوله التي قد لا يشاركه فيها الآخر، وقد يموت أحدهما ويبقى الآخر حيا بعده زمنا كما هو مشاهد معلوم، وهذا لا يكون إلا أن يكون كل منهما متميزا عن الآخر بروحه وشخصه.

وأما عن زواج التوائم الملتصقة، فإن الزواج عقد من العقود متى توفرت فيه شروطه وأركانه كان عقدا صحيحا، وكما تقدم فإن كل واحد من التوأمين مستقل عن الآخر حكما، فإذا أجري عقد الزواج تام الشروط والأركان صح عقده، ولم تؤثر حالة الالتصاق في إفساد العقد؛ لأنها أمر خارج عنه.

وأما عن كيفية ممارسة الحياة الزوجية فهذه أمور إجرائية تفصيلية تخضع لأحكام الشرع الكلية وقواعده العامة التي منها أن الضرر يزال، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وأن ما أبيح للضرورة فإنه يقدر بقدرها، وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، وأن المشقة تجلب التيسير، وأن الأمر إذا ضاق اتسع، وأنه إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما، ونحو هذا من القواعد التي يتفرع عنها في هذا الصدد وجوب فعل أشياء، وحرمة فعل أشياء، واستحباب فعل أشياء، وكراهة فعل أشياء، وإباحة فعل أشياء، والشريعة المطهرة تستوعب هذا وغيره بمرونتها وسعتها وإحاطتها، والتفصيل في كل حالة بحسبها.

والله سبحانه وتعالى أعلم

 

  • المبادئ:

1- الأصل في إجراء عملية الفصل بين التوأمين الملتصقين أنه جائز، مع وجوب مراعاة الضوابط الشرعية عند الإقدام على إجراء هذه الجراحة.

2- لا يجوز إسقاط الحمل بعد نفخ الروح فيه، أما إذا لم تنفخ فيه الروح فيجوز إسقاطه إذا كان ثم عذر معتبر طالما لا يوجد ضرر محقق أو مترجح على الأم من جراء الإجهاض.

3- لا ينبغي التوقف في صحة أن كل واحد من التوأمين الملتصقين شخص مستقل له روح مغايرة للآخر.

4- حالة الالتصاق في التوأمين الملتصقين لا تؤثر في إفساد عقد الزواج متى توفرت فيه شروطه وأركانه؛ لأنها أمر خارج عنه.

5- من القواعد الشرعية المقررة أن الضرر يزال، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وأن ما أبيح للضرورة فإنه يقدر بقدرها، وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، وأن المشقة تجلب التيسير، وأن الأمر إذا ضاق اتسع، وأنه إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما، وأن الضرر لا يزال بالضرر المساوي أو الأشد.

 

  • دار الإفتاء المصرية

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى