الأطعمة والأشربةالعاداتالفتاوى

الأكل عند من ماله من حرام

  • السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما موقف الشرع إذا دعي الشخص إلى أناس لتناول الطعام، علما أن هؤلاء مصدر رزقهم من الحرام. أفيدوني جزاكم الله عنا خيرا.

 

  • الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإذا دعي الإنسان إلى طعام، فمن السنة أن يجيب من دعاه، تطييبا لخاطره، وتأليفا لقلبه، وزيادة في الرابطة بينه وبينه، وذلك أن إجابة الدعوة إلى الطعام ترفع كثيرا من الحواجز بين الناس، فالطعام من الأمور التي تأخذ شكلا خاصا في طبائع البشر، وربما لا يحب كثير من الناس أن يراهم غيرهم وهم يأكلون، فكان في الأكل مع الأصحاب نوع من الألفة والتواد، وتحقيق هذا مقصد شرعي، يسن إتيانه.
وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان وغيرهما: “ولو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدى إلي كراع لقبلت”.
وفي الحديث المتفق عليه: “أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها.”

وليس للإنسان أن يسأل عن مصدر كسب من دعاه وضيفه، إلا إذا كان عالما بحرمة كسبه، متأكدا منها، متقينا من هذا بلا شك أو اتهام، فلا يجوز له أن يأكل عنده.

أما إذا كان كسب المرء ليس كله من حرام، فقد ذكر الفقهاء آراء في ذلك حسب نسبة الحرام في المال:

  • الأول: التحريم مطلقا إلا لضرورة، قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يعجبني أن يأكل منه. وسأل المروزي الإمام أحمد عن الذي يعامل بالربا يأكل عنده ؟ قال: لا.
  • الثاني: التحريم إن زاد الحرام في كسب المرء عن الثلث.

  • الثالث: يحرم الأكل عند الرجل إن كان الحرام أكثر من الحلال.

  • الرابع: أنه يكره الأكل عند من كان ماله من حرام، ولا يحرم.

يقول الشربيني الخطيب من علماء الشافعية في آداب استجابة الدعوة إلى الطعام:
منها أن لا يدعوه من أكثر ماله حرام , فمن كان كذلك كرهت إجابته  فإن علم أن عين الطعام حرام حرمت إجابته وإلا فلا وتباح الإجابة ولا تجب إذا كان في ماله شبهة  ولهذا قال الزركشي: لا تجب الإجابة في زماننا ا هـ. ولكن لا بد أن يغلب على الظن أن في مال الداعي شبهة. انتهى

ويجوز إجابة دعوة من كان ماله من حرام ، والطعام عنده في حالات الضرورة، وذلك أن الشرع أباح للمسلم أن يأكل الميتة وغيرها مما حرم في مثل هذه الحالة ، فكان الأكل ممن كان ماله من حرام مباحا. على أن يأكل ما يقيم صلبه، ويكفيه دون إسراف فيه، قال تعالى: “فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه”.
و يكثر في زماننا أن يدعى بعض الناس عند أقاربهم ممن يعملون في البنوك الربوية، ويتحرجون من الأكل عندهم، والحكم في هذا أنه يكره الأكل عندهم ولا يحرم، لأنه ليس كل تعاملات البنوك حراما، وخاصة إذا ترتب على عدم استجابة الدعوة قطع صلة للرحم، فتقدم صلة الرحم الواجبة، على ترك الأكل من مال به شبهة.
ويمكن للمدعو أن يتبرع بشيء يسير إن أكل عند من كان في ماله شبهة، أو اضطر إلى الأكل ممن كان ماله من حرام، فإن هذا أدعى إلى خشية الله، وأصون للجسم من أن يدخله شيء حرام، فكان التبرع تكفيرا لما دخل في جوفه، وهذا من باب الورع، وليس من باب الوجوب الشرعي، وإن كان أقرب إلى مرضاة الله.

والله أعلم

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى