- السؤال:
قصتي ما رأيكم فيها؟
تزوج “م” وكان عمره 28 عاما من “ن” وكان عمرها 22 عاما، وأنجبا بعد عام طفلة، ثم سافرا إلى دولة عربية وعاشا 8 سنوات، وهناك أنجبا ثلاثة أطفال آخرين، ثم لظروف إنهاء العقد رجعت الزوجة إلى بلدها.
وسافر الزوج إلى دولة أوربية بحثا عن عمل فمكث أربعة أشهر، ثم عاد لوطنه وبحث عن عمل فلم يجد العمل المناسب، فدرس دراسات عليا بالجامعة، وبعد انتهاء امتحاناته جاءته فرصة عمل في دولة أوربية فسافر وترك زوجته مع أولاده لمواصلة الدراسة معهم.
وهناك عمل لمدة عام ثم عاد لوطنه في عطلة لمدة شهرين، وفي السنة الثانية سافر وتزوج زواجا شرعيا من شابة مسلمة (بإذن أهلها وموافقتهم) من أوربا (أ) ولم يخبر زوجته، وواصل معها الحياة (وكان الدافع للزواج هو الفتنة) في سكن مؤجر بعيدا عن أهلها، ولكن في نفس المدينة.
وعرفت الزوجة الأولى بزواجه، واستمر الحال على هذا الوضع ثلاث سنوات يعيشان في سعادة، وأنجب خلالها (من الزوجة الثانية) طفلين، ولسفر الزوج لزيارة زوجته الأولى طلبت الثانية المعيشة وولادة الطفل الثاني في بيت أمها فأذن لها، وقبل ولادة الطفل الثاني تدخلت أم الزوجة الثانية وأفسدت العلاقة بسبب مطالب مادية (لا بد من شراء شقة) متعسفة، وطلب “م” من زوجته الثانية أن تترك بيت أمها ويسكنا في شقة منفصلة فرفضت مستسلمة لمطالب أمها رغم أن “م” أجّر الشقة وأطلعها عليها، لكن رأي الأم كان الأقوى، وأحضر “م” أشخاصا يحكمون ولكن دون جدوى.
وفي أثناء سفره وغيابه عند الأولى ذهبت للمحكمة وكتبت طلبا للطلاق، وزورت توقيعات الزوج بأنه موافق على الطلاق (أعطت للمحكمة عنوان بيتها واستقبلت الخطاب القادم من المحكمة ووقعت عليه)، وعندما عاد الزوج وجد الطلاق قد تم، ولا يمكن الرجوع فيه لفوات المدة المقررة من المحكمة وهي أسبوعان.
وكان في استطاعة “م” أن يفعل مشاكل ويرفع قضايا تزوير أوراق رسمية في حالة غيابه ومعه أوراق رسمية تثبت ذلك (خروجه ودخوله من المطار)، ولكنه آثر الهدوء على المشاكل لمصلحة الأطفال ورعايتهم، وأن ذلك مطلبها؛ فللمرأة حق في طلب الطلاق من المحكمة في أي وقت وبأي سبب كان (في هذه المنطقة ولقلة عدد الرجال تكون نية التزوج أحيانا هو إنجاب الولد ثم تطليق الزوج والعمل لتربية ولد أو اثنين، فإن لم تجد المرأة ذلك زنت أو أخذت طفلا بالتبني من الدولة لسد غريزة الأمومة، بل إن البعض منهن يربين الكلاب لأجل ذلك).
انتهت الحياة الزوجية مع الزوجة الثانية بعد ثلاث سنوات، ولم يخبر الزوج (م) زوجته الأولى (ن)؛ وذلك لكي يستمر في عمله ومعرفة أحوال أولاده من الثانية (أ).
وبعد سنة تعرف (م) علي شابة (س) وقصتها تزوجت الزواج الأول وطلقت زوجها؛ لأنه كان يشرب خمرا ولا ينفق على بيته وكان لها منه ولد، ثم تزوجت الزواج الثاني من آخر، طلب منها أن تعيش معه هكذا بدون زواج حتى يفهما بعضهما، ولكن بعد مدة عندما عرفت أمها بذلك رفضت، وقالت لا بد من الزواج، مكثت معه ثلاث سنوات ثم دبت المشاكل معه إلى أن انفصلا جسمانيا كل واحد في بيت منفصل، وطلبت من زوجها الثاني أن يعيش معها في بيتها وألا تذهب إلى بيته، فكان لا يذهب لها، وصعبت حياتها، وكان غير ملتزم بالإسلام من شرب للخمر وعدم صلاة، وكانت قد بدأت الالتزام وتعلمت الصلاة وأمور الإسلام.
فعرضت مشكلتها على “م” فقال لها هذه ليست حياة، إما أن تعيشي معه أو تطلبي الطلاق وتتزوجي غيره، قالت لا يريد الطلاق (كان زواجهما عند إمام مسجد وقالت إنها تشك في صيغة الزواج التي تمت) قلت لها لك أن تخلعيه بأن تقولي ذلك في حضور زملاء العمل ليعرف الجميع أنك مطلقة منه والله يرزقك غيره ففعلت وتركته، وبعد ذلك بثلاثة أشهر ونصف تزوجها (م)، ولم يخبر (م) زوجته الأولى بزواجه الثالث من (س)، مع أن (أ) علمت وباركت الزواج؛ لأنها تعيش في بلدها.
الزوجة الأولى (ن) تظن أنه ما زال متزوجا من (أ) والآن (م) متزوج من الأولى (ن) والثالثة (س) وكل واحدة منهما في دولة بعيدة عن الأخرى، وهو يعيش معظم وقته مع الثالثة (س) بسبب أن عمله موجود في هذه الدولة وليس بسبب ميله أو حبه للأخرى، وأنه لو عاش في بلد الأولى لا يستطيع أن ينفق على الأولى والثالثة وأولاد الثانية، كما أن جمعهم في مكان واحد صعب؛ لأن أولاد الأولى تربوا في بيئة عربية ويريدون استكمال دراستهم بالمدرسة والجامعة، ويخاف من فتنة أولاده في الغرب وهن فتيات.
وفي المرحلة الأخيرة (6 أشهر) طلبت الأولى (8 سنوات لا تلتقي بزوجها إلا ثلاثة أشهر كل سنة)، أما يعيش معها زوجها فقط أو يطلقها؟ ويبدو من كلامها أنها وقعت في جريمة الزنا (بقصد أو بدون قصد) فهل يستمر في الحياة معها؟
والأسئلة:
1- إذا طلق “س” وترك “أ” مع ولديها، وأرسل لهم النفقة الخاصة بهم ولم يعش معهم لتربيتهم، فهل يعتبر مذنبا؟
2- طلب (م) من زوجته (ن) أن تقبل العدل (نصف سنة لكل زوجة) فرفضت وقالت إما أنا أو هي.. فما الحكم؟
3- طلب “م” من زوجته “ن” أن يحضر “س” ويعيشا معا في بلد واحد مع ملاحظة عدم وجود أولاد لـ “س” منه فرفضت.. ما الحكم؟
- الجواب:
مع تعقد الحياة المدنية تفرز لنا مشاكل لم تكن فيمن كان قبلنا، ومع كون الحياة المدنية فيها تعقيدات، فإننا نعقدها أكثر من طبيعتها، فتخرج لنا الأعاجيب، فيكون فينا من البلايا والخطوب مالم يكن فيمن قبلنا.
ولعل عدم فهم الإنسان نفسه فيما تحتاج يجعله يقع في مآزق من حيث لا يدري، كما أن الإسراع في اتخاذ القرارات، خاصة فيما يخص بعض الشئون الغير قليلة مثل الزواج يجب أن يفكر الإنسان في اتخاذ قرار فيها بعد تفكير عميق، وحسابات دقيقة، ويجتهد في استفراغ وسعه، حتى إذا فعل ما بدا أنه الصواب في نظره، مع استخارة الله تعالى، كان معذورا فيما فعل، وسيحيطه الله تعالى برعايته ومعيته، ويجعل له من كل هم مخرجا ومن ضيق مخرجا، كما أن نتائج اختيارات الإنسان يجب أن يتحملها، ويعلم أنها من كسب يده، بالإضافة أن عدم العلم بالأمور الشرعية يحرم الإنسان حقوقا له، أو يوقعه في مشكلات من طبعها أن تجعل حياته جحيما.
وقبل الخوض تفصيلا في مشكلتك، أحب أن أذكر أن هناك فرقا بين الحب ومجرد الميل ومدى حاجة الإنسان بالارتباط بأخرى، وما يسد من فجوات، وما يفتح من جروح، فالموازنات العقلية والشرعية والاجتماعية والنفسية يجب أن تكون ضوابط حاكمة في اتخاذ مثل هذه القرارات.
ودعني أخبرك بالجانب الشرعي أولا، ثم أتحدث معك في المشكلة بشكل عام:
فتطليق الزوجة الثانية عن طريق المحكمة، لا يسقط حقك الشرعي من كونك زوجا لها من الناحية الشرعية، فيجوز لك العيش معها ديانة، لأن التوثيق في الزواج والطلاق إنما استحسنه الفقهاء، لأنه يضمن حقوق المرأة، فإن لم يوثق العقد في الزواج، فيمكن للزوج أن ينكر علاقته بها، وتكون زانية أمام القانون، ويترتب على هذا أنه قد يطعن في شرفها من لا خلاق له، وما يترتب على هذا من عقوبات، أما عدم توثيق الطلاق، فيترتب عليه أنه يمكن للزوج أن يطعن في زواج المرأة بعد طلاقها، وأنها مازالت على ذمته، وبالتالي فالزوجة الثانية مازالت في شرع الله زوجة لك.
ومن هذا، فيمكن لك الاتفاق معها على الرجوع، وتخبرها بأنها ما طلقت منك أمام الله، ولكن يجب أن تعقد عليها مرة أخرى أمام المحكمة، ليكون هناك توافق بين الباطن والظاهر.
أما الزوجة الثالثة، فزواجك منها فاسد، ويجب أن ينتهي، لأن طريقة الخلع التي قامت بها غير صحيحة شرعا، فالخلع ليس من الزوجة وحدها، وليس هو مجرد إخبار من الزوجة للزوج أو لأصحابه أو أصحابها، وإلا وجدنا آلافا من الزوجات خالعن أزواجهن، فالواجب أولا أن تطلب المرأة الخلع من زوجها، فإن وافق، أمضي الخلع، وإن رفض الزوج الخلع تقدم المرأة طلبا بالخلع للقاضي، والقاضي هو الذي يحكم بالخلع، ويا حبذا لو وافق الزوج عليه، بل يذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يشترط في الخلع موافقة الزوج.
والتي ترى أنك تزوجتها كزوجة ثالثة، ليست زوجة لك، فلا هي قدمت طلبا للخلع، لا من القاضي أو الإمام، ولا من المحكمة المدنية في بلدها، إن كانت تقر بهذا، ولا إلى إمام المركز الإسلامي، فالزواج بينكما فاسد.
وإن كنت ترى أنك لست بحاجة إلى الزوجة الثالثة، فهي ليست زوجتك، ويمكن إخبارها بهذا، وتكون قد انتهيت من أول مشكلة.
يبقى موضوع الزوجة الثانية، والتي أنجبت منها ولدين، فبالنسبة لها هناك شقان:
- الأول:
الزوجة، وهل أنت في حاجة إليها أم لا؟ وموقفها الحقيقي منك بعيدا عن ضغوط الأم، مع الوضع في الاعتبار كل ما حدث؟ فإن رأت أنها تريد الطلاق الشرعي، فلك أن تطلب منها أن تختلع نفسها، وترد إليك ما أخذته من مهر، أو تصر على موقفها، وتطلقها أنت، وتعافيها من هذا.
- الثاني:
الأولاد، فإن كنت ترى أن الأم ستراعيهم وتهتم بتربيتهم، فيمكن بقاؤهم مع أمهم، لأنها أحق شرعا بحضانتهم، مع السؤال الدائم، والمتابعة لهم في الإنفاق والتربية أيضا.
فتزورهم كل فترة من الزمن، ويمكن لك الانتقال بأسرتك الأصيلة من الزوجة الأولى والأولاد إلى عملك في الغرب، حتى وإن عشتم في الشقة المؤجرة التي كانت تسكنها الثالثة أو الثانية، فتكون في بلد فيه أسرتك وأولادك من الزوجة الثانية.
هذا ما أظن أنه يمكن اتخاذه بالنسبة لمشكلتك، إن رأيت أن هذا مناسبا لظروفك.
- د. مسعود صبري