استشاراتالزواج

الزواج لأجل الكسوف

  • السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

 السلام عليكم و شكرا جزيلا على المجهودات الجبارة التي تبذلونها في سبيل خدمة الإسلام و الإنسانية. أنا شاب من الجزائر أبلغ من العمر 23 سنة من مدينة في الجنوب الجزائري حيث الأصالة و الدين مازالا والحمد لله هما أسلوب حياة أغلبية الناس. ولقد وصلتنا مؤخرا كتب قيمة تحتوي على تساؤلات ومشاكل للشباب تم نشرها من طرفكم و قد أعجبني طرحكم وطريقة الإجابة على مشاكل الشباب وتساؤلاتهم. كي لا أطيل أريد أن أطرح عليكم مشكلاتي أو بالأحرى تساؤلاتي لعلي ألقى عندكم الجواب الشافي و الكافي إن شاء الله تعالى. والتي تتمثل في تساؤلين.

الأول: تجاري أنا حاليا أعمل في متجر والدي والذي يتمثل في مكتبة و نبيع في المكتبة كتبا وأشرطة و أقراص مضغوطة و كما تعلمون فإن 80 بالمئة من الأقراص المتواجدة بالجزائر غير أصلية و منسوخة سواء من طرف شركات أو أشخاص ونحن نبيع هذه الأقراص في محلنا و أريد أن أعرف ما حكم الشرع في:

أ – بيع هذه الأقراص

ب – استعمالها

ج – إعادة نسخها علما أن 1 هذه الأقراص تتمثل في:

1 الأناشيد الدينية و المحاضرات و الأشرطة العلمية و الأفلام الدينية : يتم جمعها من الأنترنت أو من القنوات الفضائية ووضعها على أقراص من نوع mp3 أو vcd على سبيل المثال : نشيد حسبي ربي لسامي يوسف أو سلسلة الدكتور عمر عبد الكافي الوعد الحق و التي سجلت من قناة عربية و تم بيعها على شكل أقراص هنا في الجزائر أو فيلم مريم العذراء أو فيلم الرسالة…الخ

2 الألعاب المختلفة وبرامج التنصيب مثل الموسوعات العربية والأجنبية windows.word… والتي يتم نسخها مباشرة من النسخة الأصلية. 2 النسخ الأصلية غير متوفرة تماما: على التراب الوطني و إن توفرت فهي بأسعار خيالية لا يمكن للمواطن الميسور الحال إقتناءها وكيف بالشباب و الأساتذة والطلبة و المواطنين البسطاء.

3 أقراص الأفلام الأمريكية والأوروبية و الأغاني متوفرة بكميات وأسعار مغرية جدا و بعناوين تصل إلى الآلاف في أغلفة عصرية و مغرية جدا. أرجو أن تجيبوا على تساؤلي هذا وسأفيد به الكثير من الشباب أمثالي علما أن هذا الميدان يمارسه تقريبا سوى الشباب. أما التساؤل الثاني فهو شخصي وحساس جدا أرجو أن تعيرو له إهتماما خاصا فهو يتعلق بمستقبلي بالكامل. أريد أن أقدم لكم بعض المقدمات لتفهمو القضية جيدا : – نحن في منطقتنا ملتزمون كثيرا و خاصة في علاقة الرجل بالمرأة و لدينا مدارس خاصة بالشباب و أخرى خاصة بالفتيات يعني أن التقاء الشاب بالفتاة نادر جدا. – الفتاة في منطقتنا تلبس الحجاب مبكرا في سن يصل أقصاه 13 سنة. – أنا خجول كثيرا و أحترم والدي كثيرا و لا أريد أن أسبب مشاكل لأي أحد. – الشباب يتزوجون مبكرا في منطقتنا في معدل سن 22 سنة. – الفتاة تخطب عادة من طرف الوالدين. أما المشكلة فتتمثل في أنني مخطوب بفتاة ليست لدي أية رغبة في الزواج بها و كلما فكرت فيها أصاب بالاكتئاب والفشل والأدهى والأمر أنه مضت 3 سنوات على خطبة هذه الفتاة و لم يبق لي على الزواج سوى عام واحد على الأكثر ووالديّ يريدان أن أحدد لهم يوم الزفاف علما أننا ميسورو الحال و الماديات ليست مشكلة بالنسبة إلينا و لقد أكملت دراستي الجامعية و أنا حاليا أتعذر لعدم تحديد يوم الزفاف بتسوية حالتي مع الخدمة الوطنية و التي هي إجبارية في الجزائر. وأصل المشكل يعود إلى خجلي واحترامي المفرط لمشاعر الناس إلى درجة عادت علي بالسلب. إذ أنه عندما توجهت والدتي لطلب الفتاة طلب والداها أن أقوم برؤية الفتاة و قد كنت في الجامعة والتي تبعد مسافة 600 كلم عن مدينتي و طلب مني والدي الحضور وفي اليوم الموالي لليوم الذي وصلت فيه ذهبت لرؤية الفتاة و تم ذلك ولكن بطريقة سريعة وارتجالية و طلب مني والدي أن أخبره عن موافقتي أو عدمها مباشرة بعد الخروج من منزل الفتاة ليخبر والدها عن ذلك أي لم يكن أية فرصة أو مدة للتفكير فكان وقت القرار قصيرا جدا لم يتعد الدقائق. لما رأيت الفتاة وهي في سن 14 و قد كانت متبرجة وهي لم تعتد أن يراها شخص أجنبي كذلك كانت خجولة جدا ومحمرة و لم أفهم من وجهها أي شئ و قلت في نفسي لعل الفتاة جميلة و لم أراها جيدا و قلت في نفسي أيضا بسبب احترامي لمشاعر الناس كيف لا أقبل بها و قد دخلت إلى منزلها ورأيتها أمام أبيها و خاصة لما انصرفت سمعتها تبكي فأحسست و كأنها قد جرحت مشاعرها فوافقت بها 1 من أجل والدي 2 من أجل الحفاظ على مشاعر الفتاة و لكن لم أرضي نفسي فالفتاة لم تعجبني قط و أنا أصادفها أحيانا في طريقها للمدرسة فتأكدت من أنها لم و لن تعجبني أبدا و هذا القرار إتخذته بعد مرور 3 سنوات من التفكير و مطالعة كتب علم النفس و الكتب الدينية و الهموم وووو و أنا الآن في إحراج لا أستطيع أن أصفه لكم و إذا ما فهمتم قصتي جيدا فستستشعرون مدى إحراج الموقف الذي أنا فيه. هل أستمر في هذه الخطوبة و أتزوج من هذه الفتاة لعل الله يجعل لي بعد الزواج فرجا. هل أفسخ الخطوبة و أخبر الجميع بالحقيقة. فإذا كان الحل هكذا فكيف أقوم بهذا بطريقة أرضي بها الجميع : 1 الفتاة 2 والدي الفتاة 3 والديّ أنا و هل يجوز لي أن أختلق عذرا كاذبا لإرضاءهم إذ يقولون أن المرء يستطيع الكذب من أجل إصلاح ذات بين. و طلبي يتمثل في إعطائي حل لهذه المشكلة العويصة و التي لم أجد لها أي حل. و سأكون ممتنا لكم على مساعدتي. و أسمح بنشر تساؤلاتي في الموقع أو على كتب لكي يأخذ من يأتي بعدي من الشباب العبرة من أخطائي و التي لا أتمنى أن تتكرر لأي إنسان. رجاء دون ذكر المنطقة و الدولة. و أريد أن أخبركم أن هذه القضية قد أثرت علي كثيرا فقد أصبحت متوترا و عصبيا لأتفه الأسباب و أصبت بالاكتئاب واسودت الدنيا أمامي فقد كنت حيويا و نشيطا و حالما أن أكون متفوقا في كل المجالات وخاصة كان أكبر أمنياتي أن أتزوج فتاة متدينة وجميلة – الجمال المقبول – تنسيني في كل مغريات الجنس التي تنتشر في كل مكان. و في الختام أستسمحكم على الإطالة و السلام عليكم.

 

  • الجواب:

الأخ الكريم..

أهلا ومرحبا بك، كما أشكر لك هذه الكلمات التي تنم من مشاعر جياشة حميدة.

أما فيما يخص الأمرين اللذين سألت عنهما، من طبيعة بيع الاسطوانات المنسوخة، وقضية الزواج، فدعني بدءا أقول: إني سأفكر معك، ولكن عليك أن تدرك أنك صاحب القرار، ولكن سأحاول أن أفتح لك بعض ما عندي، سعى أن يكون نافعا لك، ففعلي هو مقام الشورى لك، والتنفيذ قرار فردي ينبغ من شخصك الكريم، بنوع من القناعة.

أما عن الحكم الشرعي فيما يخص نسخ الاسطوانات من خلال مواقع الإنترنت و الفضائيات، فإنه يجب التفرقة بين طبيعة المادة المأخوذة، سواء أكانت مكتوبة أم مسموعة أم مرئية، من جانبين:

الأول: النفع والضر، أو الإباحة والحرمة، فإنه لا يجوز نسخ ما اشتمل على حرام أو كان فيه ضرر على الدين أو العقل أو النفس.

الثاني: حقوق الغير، فهناك من المشايخ والدعاة ما يجعل كل ما ينتجه حسبة لله، ويأذن للناس في نشره والتكسب منه إن شاءوا، فمثل هذا النوع يجوز للإنسان النسخ والبيع والتربح، وهذا قليل نادر.

والثاني وهو الأكثر أنه لا يجيزون التصرف في حقوقهم المعنوية أو المادية، فيحرم على الإنسان أن ينسخ حقوق فضائية أو موقع الكتروني، وأن يأخذ جهده وتعبه بسهولة ويسر عن طريق النسخ، وكأنه صاحب الشيء، فيبيعه للناس.

فهو من باب أكل أموال الناس بالباطل، وفيه اعتداء على حقوق الآخرين، بل في ضرب للاقتصاد،إذ لو اتبع كل الناس تلك الطريقة غير الشريفة لانسدت أبواب من الخير، فلن يفكر الناس في صنع منتج متقن يساهم في نفع المسلمين والإنسانية في بعض جوانب الحياة، فكان من الواجب علينا أن نحترم حقوق الناس، وألا نعتدي عليها.

والأولى هو الاتجاه إلى الطريقة الطبيعية في السوق، وهو أن التجار يشترون بخصومات عن الغير، وهذه الخصومات لها شكلان: الشكل الأول: وهو الخصم الذي تقدمه الشركة الأم المنتجة، وخصم في شكل سعر السلعة من بلد الاستيراد، فمثلا ما يشترى من مصر يكون أرخص من غيره، فحين تشتريه أنت من مصر، وتبيعه بسعر الجزائر فسيحصل لك خصومات كبيرة، يمكن لك أن تتكسب منها.

إن واجبا على المسلمين أٍن يحفظوا حقوق الناس، وألا يكونوا لصوصا يسطون على حق الغير، وألا ننظر إلى الكسب الصغير الذي تحققه أنت، فالقضية لا تتوقف عليك وحدك، ولكنها تتوقف على الاقتصاد القومي للدول، واحترام جهد الغير، سواء أكان فضائيا أم الكترونيا.

ولم يبح الفقهاء في هذا المقام إلا ما كان لطلبة العلم غير القادرين على شراء الاسطوانة، بشرط استعمالها الشخصي، يعني ألا تكون للبيع أو الشراء، بالإضافة إلى ما يأذن فيه أصحابه.

وفي هذا بالمقام يجب على الشركات المنتجة أن تتقي الله تعالى في تسعير المنتج، وألا  يغالوا في الأسعار، حتى لا نساعد الناس على ترك الحلال، ونجبرهم إلى الذهاب إلى الحرام، فتكون الشركة ساهمت في الحرام، ووقعت هي في الظلم.

 

وأحب أن أقول لك: إن الإسلام أوسع طرق الكسب، وما ضيق على الناس معاشهم،بل طلب منهم السعي في الأرض “فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور”، ويدعو أن يكون المسلمون أغنياء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “واليد العليا خير من اليد السفلى”.

وطمأن المسلم أن رزقه لن يأخذه غيره، وأنه لن ينال شيئا من الدنيا إلا بما كتب الله تعالى له من الرزق، وأوجب عليه السعي الحلال، وأن كل شيء يأخذه من حرام، إنما هو من رزقه، ولكن تعجله بطريق الحرام،فيحاسب عليها، بدلا من أن يكافئ بسعيه ونيله من رزق الله عن طريق الحلال.

ولهذا، فإن الإنسان المسلم لا يسأل عن المال مرة، كما هو الشأن في باقي الأمور، ولكنه يسأل مرتين: “من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟”

ولهذا، فإن العقيدة تلعب دورا هاما في النشاط التجاري والاقتصادي، فلا تجعل هم المسلم أن يتكسب وحسب، ولكنه يتكسب بما أحل الله تعالى له، فتطمئن نفسه، ليحقق العبودية لله، بدلا من أن يكون عبد الدينار والدرهم والدولار والجنيه وغير ذلك.

والواجب عليك هو التخلص من كل الاسطوانات التي جاءت عن طريق غير شرعي، أو أنه فيها اعتداء على حقوق الغير، ومن ترك شيئا لله؛ عوضه الله بخير منه.

 

  • المسألة الثانية: خطوبة الوالدين

وفي البدء أحب أن أنوه أنه يجب التفرقة بين الواجبات الدينية، والاختيارات الاجتماعية، فقيام الوالدين بالذهاب لبيت المخطوبة هذا اختيار اجتماعي ما أوجبه الشرع وما حرمه، وعلى الناس أن تختار لنفسها ما تراه مناسبا لها، ولكن هذا الاختيار غير ملزم، ولا يمكن أن يتسمى باسم الدين.

بل الذي نلحظه من خلال النصوص الشرعية هو أن الشرع يخاطب الإنسان في اختياره، لأنه هو الذي سيعيش مع من يختار، لكن يمكن أن الغير بالترشيح له، إن لم يكن عالما، أو ليس عنده وقت لانشغاله أو ما شابه هذا، لكن ما يحدث في بعض البيئات من الاختيار شبه الإجباري، وخاصة للابن، فهو مرفوض شكلا ومضمونا، وإن كنا ننادي الفتيات أن يقمن بالعصيان المدني إن رأين أن آباءهن يريدون إجبارهن على الزواج، فمن باب أولى أن يكون العصيان المدني للولد، وأن يتمرد على هذا التسلط الأبوي، وأن يرفضه بكل قوة، إن لم يجد الأمر مناسبا له.

إنه ليست من الحكمة أن نرفع الحياء الكاذب، وأن نمرر مثل هذه الأمور الخطيرة في حياتنا، ونحن نوقن أننا لن نكون سعداء، لأن معنى هذا أننا نجلب التعاسة لأنفسنا بأيدينا، ونتفهم فيها الآخرين – آباء أو غيرهم -، والحق أنه يجب علينا أن نتهم أنفسنا.

أرى أخي الفاضل أنك فاتت بعض الأمور، وهذا لا يعني أن نبكي على الأطلال، ولكن علينا أن نتدارك ما يمكن تداركه، من ذلك:

أن الطريقة التي ذهبت بها للخطبة، وإن كانت قد تكون مقبولة في وسطك الاجتماعي، فإنه ليس من الحكمة إبداء موافقة دون أن تجمع رأيا، أو أن تكون رؤية واضحة.

ولم يكن مطلوبا منك أن تراعي شعور أبويك، لأنك لم تخطئ فيهما، ولا أن تراعي شعور الفتاة، لأنها مازالت صغيرة السن، وبكاء ساعة خير من بكاء العمر كله.

كما فاتك أنك شعرت بأحاسيسك تجاهها وأنك لا ترغب فيها، وتأكد لك هذا الإحساس، فكان من الواجب أن تنظر إلى مآلات استمرارك، وأنك بحيائك الزائد تزيد المشكلة ولا تحلها، فمازالت الفتاة تحلم بأنك ستكون زوجها، ومازالت الفجوة بينكما ستزيد.

إن مثل هذه المشكلة لابد فيها من جراح ماهر، يعالج المرض ويستأصل الداء الذي لا بد فيه من إحساس بالألم، لأصل البقاء على باقي الجسد، ولكن بنوع من الحكمة والقبول.

ولا بأس في هذا المقام أن تكذب حتى تتخلص مما أنت فيه، فلا تتعس نفسك ولا تتعس الآخرين، والكذب هنا أعده محمودا، لأنه يحافظ على مشاعر الآخرين، ويدفع الضرر عن الجميع، وهذا دورك وما ستقوله أنت أدرى به، بما تعلم من حال الوالدين وحال الأخت المخطوبة ووالديها.

وفقك الله، وأعانك على الحق والخير،ولعلها تجربة تنتفع بها فيما بعد في حياتك.

فإن الزواج احتياج لرغبات معلومة عند كل إنسان، فابحث عن احتياجاتك، وأحب نفسك، ولا تهنها، بل متعها بما أحل الله، حتى تسير على نهج الله، ولا تضع ثغرة للشيطان أن يتخلل منها إليك.

ولا تنسنا من دعائك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى