استشاراتتقوية الإيمان

ماتت أختي.. فهل كفر أبي؟

  • السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أولا أود أن أعتذر عن سوء ظني بكم إنكم لم تردوا على استفساراتي، فأنا كنت أظن أن الإجابة ترسل على العنوان البريدي الخاص بي، وكنت قد فقدت رقم المراجعة لاستشارتي، لكنى فعلا بحاجة لنصيحة منكم لأني أثق جدا بردكم.. فهل تسمحون لي بعرض مشكلتي مرة أخرى والرد عليها؟ وأعتذر مرة ثانية إن كنت أضيع من وقتكم.

توفت أختي في حادثة منذ سنتين، ومنذ ذلك الوقت لم يصلّ أبي ركعة واحدة، ويقول إنه لم يعد يؤمن بالله، وقد جاءنا الكثير من الشيوخ لنصحه ورده إلى ما كان عليه لكن بلا فائدة، فكان يصلي بعدها مرتين أو ثلاث ثم يترك الصلاة مرة أخرى، وطوال الوقت يقول إنه كفر بالله، وقد دعونا له كثيرا، لكني أخاف عليه من حزنه عليها..

فهل يسامحه الله على ما يقول؟ وهل اعترافه علانية أمامنا بالكفر هو كفر فعلا؟

إني أحسن الظن بالله أنه يغفر، لكن هل يغفر لوالدي ما هو فيه؟

وأعتذر مرة أخرى عن عرضي للمشكلة أكثر من مرة، لكنى أيضا أحسن الظن بموقعكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

  • الجواب:

الأخت الفاضلة؛

جزاك الله تعالى خيرا على حرصك على دين والدك، ومثلك فليكن الأبناء بارين بآبائهم.. وأولى البر هو البر في الدين، وحرص الولد أن يكون الوالد على الصراط المستقيم، ولنا في إبراهيم عليه السلام الأسوة والقدوة، حين دعا والده إلى الإيمان بالله، وظهرت الخشية عليه من أن يصاب بشيء من عذاب الله، كما قال الله على لسانه: {يَـٰٓأَبَتِ إِنِّىٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌۭ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ  لِلشَّيْطَـٰنِ وَلِيًّۭا}.

 

أما عن الإيمان، فكما يقول العلماء إنه: “اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان”، وهذا هو مثلث الإيمان، فلو نطق الإنسان بالكفر مدركا ما يقول لكان هذا كفر بالله، وكما قال العلماء: “من سب دين الله تعالى مدركا ما يقول قاصدا معناه فقد كفر”.

 

وما قاله والدك يجب أن تُعرف ملابساته، هل هو يقصد الكفر بذاته؟ وهل بعد نطقه وكلام الشيوخ وغيرهم له تاب من كفره وعاد للإيمان مرة أخرى كما هو واضح من صلاته، وإن لم يلتزم الصلاة بشكل دائم؟ ولا يعني أن الإنسان قد نطق بالكفر -إن كان يقصده- أن الأمر قد  انتهى، بل له أن يتوب إلى الله تعالى مما أوقعه في الخروج عن الملة، فباب التوبة دائما مفتوح، وينتظر الله تعالى كل من عصا، وكل من ابتعد عن طريقه أن يعود له يوما ما، ومهما خرج الإنسان عن دائرة التوحيد، فسيظل باب الله مفتوحا لجميع خلقه أن يعودوا إليه.

 

وما أطلبه منك هو التعرف على موقف الوالد من العقيدة وتوحيد الله تعالى، وهل هو بالفعل كفر بالله، أي أنه أصبح لا يؤمن بوجود الله تعالى؟ أو أنه يرفض عبادته أو يكون هو إلهه؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تزمجر من موقف، فيعرف خطر ما هو عليه، وأن يفهم حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر، وأن يعود مرة أخرى إلى الإيمان الصادق بالله تعالى.

 

ومن الممكن أن تسعوا إلى تجديد الإيمان في قلب الوالد بدون مباشرة إن كان هذا قد يجعله يعاند ويتصلب في موقفه إن كان قاصدا إياه، فيمكن وضع برنامج عملي للحفاظ على عقيدته، وأن تبقى صحيحة سليمة من كل شائبة تشوبها، فإن التقصير في العبادة، لا يخرج عن الملة على الصحيح، ولكن إنكارها هو المُخرج، أما العقيدة فيجب أن تكون كلها صحيحة سليمة من خلال كلياتها من.. الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدر، والإيمان بالغيب، وغيره من أساسيات العقيدة.

 

وكل ما هنالك حسب فهمي لموقف والدك من الرسالة هو وفاة أختك، وهو يحتاج إلى مناقشة بتعقل في الإيمان والقدر، وأن الوفاة شيء مكتوب على كل الناس، فكل الناس يموتون، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، فلا علاقة للعقيدة بأن يموت هذا ويعيش هذا، إنما هي سنة الله تعالى في خلقه جميعا، ولهذا فليس من الحكمة نقض الإيمان لأجل شيء محتوم على كل البشر، وقولوا له: انظر من يملك المال والجاه والسلطان هل مَلَك أن يشتري لأولاده الخلود أو لنفسه؟؟!! وقولوا له: أين والدك ووالدتك؟ فالحياة الدنيا هي مرحلة من أطوار الحياة العامة، وهناك حياة البرزخ يعيش فيها الإنسان في القبر ولها خصائصها، وهناك الحياة الآخرة التي ليس بعدها موت، كما قال تعالى: {وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلْـَٔاخِرَةَ لَهِىَ ٱلْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ}.

ويمكن أن تسمعوا والدكم إحدى هاتين المحاضرتين أو كلتيهما:

  • لا تحزن” لفضيلة الشيخ عائض القرني
  • كشف الكربة عند فقد الأحبة” للشيخ علي القرني

 

وفقكم الله تعالى للحفاظ على دين والدكم، وحفظ لنا ولكم ديننا حتى نلقى الله تعالى عليه، كما دعا يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِى مُسْلِمًۭا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ}.

 

  • د. مسعود صبري

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى