استشاراتتقوية الإيمان

هاجس الرياء

  • السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا في بعض الأحيان عندما أصلي أصلي بسرعة، وأحيانًا وسط، وأحيانًا ببطء، ولكن عندما أذهب إلى المسجد أحتار.. هل أنا أصلي ببطء لأني أريد أن أصلي ببطء أم لأني أخجل من الناس؟
وفي بعض الأحيان أريد أن أصلي ببطء ولكن أرى في المسجد شخصًا أعرفه وأصلي بسرعة خوفًا من الرياء مع أني لا أريد أن أصلي بسرعة.
أنا لا أحب أن يمدحني أحدٌ خاصةً في العبادات.. وفي بعض الأحيان عندما أذهب إلى المسجد وأرى شخصًا أعرفه ينشغل تفكيري في الصلاة بهذا الشخص، حتى عندما أتوضأ فإنني أتوضأ بعيدًا عن الناس خوفًا من الرياء مع أنّي كنت أحب الصلاة كثيرًا، ولكن الآن كرهت الصلاة بسبب هذا الأمر.
وفي بعض الأحيان أشك عندما سأذهب لأعزِّي أقربائي في حالة وفاة هل هذا رياءٌ أم لا؟
كنت أصلي في المنزل خشية الرياء، ولكن مع مرور الأيام حتى في المنزل وحتى لو كان المنزل فارغًا من الأشخاص والباب مغلق أحسّ بأن هنالك أشخاص تراقبني، وأحتار في أن أصلي بسرعة أو ببطء وينشغل تفكيري في الصلاة.
وفي المسجد لا أحب أن أصلي بقرب شخص أعرفه خشية الرياء، وإذا ذهبت إلى المسجد لا أتبادل السلام ولا الحديث مع الناس خشية الرياء، ولكن في بعض الأحيان أضطر لذلك، وفي بعض الأحيان أحصل على حلول ولكن تظهر لي مشاكل أخرى، وهكذا كلما أحصل على حل تظهر لي مشكلة أخرى.
أرجو من حضرتكم أن تفيدوني وأن تقولوا لي ماذا أفعل؟ وكيفية التخلص من هذا الشيء بأسرع وقت ممكن.
وشكرا.

 

  • الجواب:

أخي الحبيب عبد الله؛
أهلا وسهلا بك في صفحتنا، ونسأل الله تعالى أن ييسر لنا ولك الخير في الدنيا والآخرة.. آمين.

أخي عبد الله؛
لم تجهد نفسك وترهقها وتكلفها ما لا طاقة لها به؟ ولم تضع نفسك في موقف إذا استمررت فيه فإنك ستؤذي نفسك كثيرًا إذ لن تحتمل هذه الحال ولن تستطيع التعايش معها بشكل صحي ولا سليم؟
ففي بعض الأحايين يتعب الإنسان نفسه، وقد يكون هو في غنىً عن كل ما يصنع، ويوقع نفسه فيما يكره، ثم يطلب النجاة مما اقترفت يداه.
وحين أفكر في أمر الإخلاص والرياء لا أجد حلاً أسهل من ألا يشغل الإنسان نفسه بغيره، وأن يدرِّب نفسه أن يعمل الأعمال لا يبتغي بها إلا وجه الله تعالى، فمالك ومال الناس؟؟ ولم تشغل نفسك بهم؟ نظروا أو لم ينظروا..

إنني أخشى يا أخي أن يكون الشيطان قد بدأ معك سلسلة من الوسوسة جعلك تخشى في بدايتها من أن يقع في عملك الرياء، ثم هو يجرك إلى أن تترك الصالح من الأعمال خوفا من هذا الرياء الذي يزينه لك.
إن من الواجب على المسلم أن يسعى لتحقيق الإخلاص لله في كل أعماله، لكن أن يكون ذلك بابًا ليترك الشيطان يلعب به، فيجعله يترك الصلاة في المسجد ثم تكون النتيجة في النهاية أن يجعله يترك الصلاة خوفًا من عدم تحقق هذا الإخلاص، فإن هذا مدخل خطير استطاع الشيطان أن يغلبك فيه.. وهذا ما أحذرك من التمادي فيه بأي حال من الأحوال.

يا أخي؛
إن غيرنا خلقٌ مثلنا، وما الذي قد أحب أن أُظهر له عملي إلا مخلوق مثلي، فهو من أقراني أمام الله تعالى، مهما كانت درجته في الدنيا.. قد يكون شيخي، أو مديري، أو صاحبي، أو صاحب فضلٍ بعد الله عليّ، ولكن هو في النهاية إنسانٌ وأنا إنسان، هو عبدٌ لله وأنا عبدٌ لله، ويجب أن نقدِّر كلّ إنسان قدره دون زيادةٍ أو نقصان.

يا أخي؛
إننا أمام الله تعالى سواء.. أنا وأبي ومعلمي ورئيس الدولة وكبراء القوم وصغارهم، والعظماء والمغمورون، ليس لأحد فضل على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح {وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْدًا}، (ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة) رواه البخاري، {كُلُّ نَفْسٍۭ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍۢ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍۢ مُّحْضَرًۭا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوٓءٍۢ}، وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي تقرر أن الحساب عنده يكون شخصيًّا فرديًّا، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.

فهذه الفردية هي التي تريح الإنسان -مع احترام المرء لغيره وتقديره له- لكن عليه أن يعرف متى يأخذ من غيره، وأي شيء يأخذ وأي شيء يترك، وأن يضع كل إنسان في مكانه الطبيعي، إننا بني البشر خلق من خلق الله تعالى، وهو الرب سبحانه المعبود لذاته، المقصود بالحوائج وكلنا أمامه سواء، فلا يملك بعضنا لبعض ضرًّا ولا نفعًا، ولا يملكون موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.

إن مشكلتك -أخي الفاضل- أنك وضعت نفسك في دائرة مغلقة، إذ تنظر في كل شيء إلى الغير، حتى ولو لم يكونوا موجودين.. فما لك ولهم؟! وما الذي تأخذه منهم؟! وما الذي يأخذونه منك؟!
إنك عبد لله مثلهم، لا فرق بينك وبينهم، والعبادة هي لله تعالى، تتوجه بها إليه وحده فهو صاحبها، وهو الذي يكافئ عليها، فلماذا التفكير فيمن لا يملكون شيئا، ولا يكافئون على شيء؟ وهل من العقل أن يترك العامل صاحب العمل، ويذهب لغيره مع أن صاحب العمل معه دائما؟؟! ربما قُبِل في الفكر الإنساني إذا كان صاحب العمل غائبًا أن يخونه العامل ويعمل لغيره، ولكن الله تعالى لا يغيب، وهذا يعني أن يخلص الإنسان في عمله لله في كل وقت وحين، وقد نزه الله تعالى نفسه أن يكون معه شريك، فمن أشرك في العمل معه غيره فهو للذي أشرك، بل كيف يشرك المخلوق مع الخالق مخلوقا هو من صنيعة الخالق؟ وكيف يسوِّي بين العبد والسيد، وكيف يرفع مثله لدرجة هو نفسه لا يجرؤ أن يحدث نفسه بها؟؟

إن مثل هذه الأسئلة حين تدور في عقل الإنسان حين إتيان الفعل تعدل كفة الميزان عنده، وتجعله يسير بالعدل في الحكم، فلا يصغر عظيما، ولا يعظم صغيرا، بل يضع كل شيء في نصابه الذي يجب أن يكون.

 

  • ويمكن طرح بعض النقاط العملية سعيا للوصول للإخلاص، وأهمها:

جاهد نفسك، وانظر قبل إتيان العمل.. هل هو لله تعالى؟
فإن كان لله أمضه وتوكل على الله، وإن كان لغير الله توقَّف، وصحَّح نيتك، واجعلها لله ثم اشرع في العمل.

اطرد وساوس الشيطان حين يزين لك الافتخار بالعمل، وأكثر من الاستعاذة بالله تعالى منه.

اقرأ في فضل الإخلاص ومضار الرياء، وآثار كل منهما.

درِّب نفسك في الإخلاص تدرجًا، وراقب قلبك ونيتك في كل ما تعمل.

لا تبتعد عن ميادين الخير ولكن جاهد نفسك على الإخلاص فيها، ومن جاهد فإن عون الله معه.

اعلم أن العمل لأجل الناس رياء، وترك العمل لأجل الناس شرك، فلا تخرج من الرياء للشرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.

كن وجلاً ألا يُقبل عملك عند الله فيضيع منه، ويكون هباء منثورًا، كما قال تعالى:
{وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا۟ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَٰجِعُونَ}، والإنسان يعمل العمل الصالح ولا يدري هل تقبَّل الله تعالى منه أم لا؟

اعقل حقيقة ثناء الناس عليك، فما الذي يعود عليك حين يثني عليك الناس الثناء الحسن، وقد ضاع ثواب العمل عند الله؟
فيكف بمن قال الله تعالى فيهم:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.

انظر إلى ثواب الله تعالى وثواب الناس، فقد ادخر الله تعالى لعباده الصالحين في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. ولكن ما يملك الناس أن يقدموه لك إلا كلمات تخرج من أفواههم، لا تتجاوز حناجرهم، تخرج في الهواء الطلق لا فائدة منها تعود عليك.

كن على يقين أنك عبد الله، وأن على العبد أن يقدم العمل لسيده لا لعبيدٍ مثله، لأنه من غباء المرء أن يجهل طبيعة عمله، فلا يدري كيف يعمل، ولا يدري لمن يقدم العمل، بل الأشد من هذا أن يعرف الإنسان لمن يقدم العمل، ثم هو يتعمد أن يقدمه لمن لا يستحق، بلا ثمن مجز.

جاهد نفسك بخطواتٍ عمليَّة.. كأن تجعل معك ما يشبه “الكراسة” الصغيرة، فكلما وجدت من نفسك عملاً لغير الله سجَّلته، وصحَّحت فيه نيَّتك، واستغفرت الله تعالى منه، وواظب المتابعة مع نفسك حتى تصل إلى الإخلاص.. ومن داوم قرع الباب يوشك أن يفتح له، {وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ}.

أكثر من الدعاء لله أن يرزقك ويمنّ عليك بإخلاص العمل له، وتعوَّذ من الرياء كما أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا في حديثه: (اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه).
وتابعنا بأخبارك.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى