استشاراتالشبهات

أنا مسيحي وأسأل: ماذا تقدمون للمسلم الجديد؟

  • السؤال:
أنا رجل مسيحي مصري ابلغ من العمر 44 عامًا، أرغب في الإسلام، وأريد أن أعرف ما هي الخدمات التي تقدمونها للمسلمين الجدد؟ فمثلا..

هل يمكن المساعدة على توفير سبل الحياة للمسلمين الجدد خارج بلادهم الأصلية؟

هل من الممكن توفير أماكن يعيشون فيها بعيد عن أهلهم؟

ما هي المساعدات التي يمكن أن تقدم للمسلين الجدد؟

وشكرا عماد من مصر.

  • الجواب:

الأخ عماد،

أهلا ومرحبا بك.

تعودنا حين يرسل إلينا أحد القراء من غير المسلمين، ويريد الإسلام أن يسأل عن إشكاليات لا يفهمها في الإسلام، أو عن مشكلات تعوقه، غير أن الملاحظ في هذه الرسالة أنك لم تتحدث عن الإسلام كدين وعقيدة، بل قفزت للسؤال عما يمكن أن يقدمه الموقع للمسلمين الجدد، بل حددت بشكل واضح وصريح المساعدات المادية التي يمكن توفيرها، مثل السكن أو العمل أو السفر وغيرها من أشكال المساعدات التي كثيرا ما يسأل عنها كل من يريد أن يدخل الإسلام، ويتهافت المسلمون عليه، ساعين أن يوفروا له سبل الحياة الكريمة، بشكل لا يعيشه عشرات الآلاف من المسلمين، ولكن الإسلام أصبح بوابة للعيش الكريم، وأنه طريق للحياة الاجتماعية الهانئة، قد يكون هناك حديث عن الإسلام كعقيدة عند بعض من يريد الإسلام وهم صادقون في ذلك، غير أن الأكثر يقل حديثهم عن الدين، المهم عندهم المشاكل الاجتماعية ومعوقات الحياة..

وفي ظني أن مثل هذا الطريق يجانبه كثير من الصواب، إذ إنه يقلب الغاية إلى وسيلة، ويحول الوسيلة إلى غاية، ويجعل الأساس فرعا، والفرع أساسا.

إن الإسلام يعني الاستسلام لأمر الله تعالى، وخضوع النفس له، واستشعار الإنسان أنه مخلوق من مخلوقاته، وعبد من عباده، يحب التقرب له، والتذلل إليه، وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم في إسلام إبراهيم عليه السلام: (إِذْ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ  أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ)، ولهذا نفى القرآن الكريم أن يكون إبراهيم غير مسلم، فقال: (مَا كَانَ إِبْرَٰهِيمُ يَهُودِيًّۭا وَلَا نَصْرَانِيًّۭا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًۭا مُّسْلِمًۭا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ).

 

والإسلام يعني التوكل المطلق على الله، وتفويض الأمر لله، وسير الإنسان في الحياة على هذا المنهج حتى الممات، فقد قال القرآن عن يوسف عليه السلام: (رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْـَٔاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًۭا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ).

 

ونحن نعتبر عودة الإنسان إلى الإسلام تصحيحا للمسار، وتوبة إلى الله تعالى، واعتذارا إليه مما سار فيه من طريق الضلالة والغواية والتحريف والتزوير، وهو نوع من الرجوع عن ظلم النفس، كما عبرت بلقيس عن هذا، فحكا القرآن عنها قائلة: (رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِين)، ولهذا كان من فضل الله تعالى على كل من دخل الإسلام أن يكفر عنه سيئاته وأن يبدلها له حسنات، فيؤتى أجره مرتين..

 

فالإسلام يعني الانتظام في سلك التوحيد مع المؤمنين، ومع كل الكائنات التي خلقها الله تعالى، فهي مسلمة، كما قال تعالى: (وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَـٰكِن  لَّا تَفْقَهُونَ  تَسْبِيحَهُمْ)، وقوله: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)، أي سبحي معه.. فكل الخلائق تسبح بحمد الله، وتتوجه إلى الله تعالى بعبادة لا نعلمها، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَآ ۛ أَن تَقُولُوا۟ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَـٰفِلِينَ)، وكما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) رواه البخاري ومسلم.

 

إن الإسلام في أصله عقيدة، سواء أكان الإنسان غنيا أو فقيرا، له سكن دائم أو مؤقت، صحيح أم مريض، فأمور الدنيا ليست هي الأساس في عقيدة الإنسان، ولعل تأثر البعض ممن يدخل الإسلام وطغيان النظرة المادية سببه ما هو شائع في عمليات التنصير في المسيحية، حيث يقوم بعض القساوسة والشماسين وغيرهم بدفع أموال طائلة للناس لصرفهم عن دينهم وإدخالهم إلى النصرانية، وما يقومون به من بناء المدارس والمستشفيات وغير ذلك من الأساليب المادية التي تعد طريقا من طرق التنصير، وليس هي الطريقة المعتمدة وحدها، بل صرح لي أحد أساتذة اللاهوت الألمان حين ناقشته في هذه الطريقة وأبديت اعتراضي عليها، فقال لي: هي موجودة بالفعل، وتمارس، لكن “الكاثوليك” – وهو المذهب الذي ينتمي إليه – يناقش في الكنيسة تغيير هذه الوسيلة، لأنها شراء للجسد.

 

وأيا ما كان الأمر، فهذه الطريقة موجودة لجذب الناس إلى المسيحية، وينفق عليها ملايين الأموال، بل يغرى كل من يتشكك في النصرانية بأن يأخذ ما يشاء من الأموال.

وهذا يعني أن من يريد أن يدخل الإسلام عليه أن يفض الاشتباك الذهني السابق بين المادة والإسلام لله، وإن لم يمنع الإسلام من مساعدة كل محتاج بعيدا عن معتقده، فلا بأس بالصدقة على أهل الكتاب مع الصدقة على المسلمين، ولكن ليس هناك ربط بين دخول الإسلام وتوفير المسكن والسفر وكذا وكذا، فمن أراد أن يسلم فليسلم لله تعالى أولا، وهذا أول شرط للإسلام، أن يتوجه به الإنسان لله ولا يكون مقصوده أو نيته طلب مغنم والاستفادة المادية بأية صورة؛ أما مناقشة الماديات وغيرها فهذا أمر يستوي فيه المسلم وغير المسلم، فالناس خلقهم الله تعالى، وأسكنهم هذه الأرض وذللها لهم، وطلب منهم أن يعمروها سويا، مسلمين وغير مسلمين، وأن يسعوا فيها للعيش الكريم كما قال تعالى: (فَٱمْشُوا۟ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ)، وقال: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ).

 

فالجانب الاجتماعي من الحياة حق لكل إنسان مسلم أو غير مسلم، أما الدين فيجب أن يكون لله، فإن لم يكن لله، فلا حاجة لله تعالى في هذه العقيدة التي لم يتوجه بها صاحبها له، وليس في المسلمين قلة في العدد، بل أحسب أن توجيه إنفاق الأموال التي تنفق على غير المسلمين لو أنفقت على المسلمين لكان أجدى، فإن من استقر الإيمان في قلبه، وطابت نفسه لله، وهو في مأزق مادي، لأجدى وأحرى أن ينفق عليه، لتسكن نفسه وليصحح توحيده، وحين يدخل غيره الإسلام بصدق، فساعتها يعطى ما يحتاجه وفق حاجته، أو يساعد غيره إن كان موسرا.

أما الفرح بإسلام غير مسلم –صادقا أو غير صادق- ومسارعة المسلمين لمساعدتهم، فهي عاطفة تحتاج إلى نوع من الضبط، وأن يتعامل معها بشكل عاقل أكثر مما هي عليه.

 

فما يمكن أن نقدمه لك -أخي عماد- هو الدعم المعنوي والمساعدة بالرأي والمشورة، والإجابة عن الإشكاليات التي تقابلك، أما أن تكون البوابة التي تجمعنا هي المادة، فهذا ليس طريقنا، ويمكن لك أن تطرقه عند غيرنا.

وفقك الله لما يحب ويرضى، ونسعد بك دائما.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى