- السؤال:
هل يمكن لبرامج الصيف الترفيهية أن تؤثر على درجة الإيمان؟ وما هي هذه البرامج التي يمكننا القيام بها للحفاظ على أو زيادة منسوب الإيمان؟ مع خالص احترامي وتقديري. |
- الجواب:
أخي الفاضل:
أشكرك على هذا السؤال المهم..
الإيمان هو السياج الذي يحيط بحياة الإنسان حفظا وحماية، وهو منهج حياة المسلم في سيره مع الله، ومع الناس، فالإيمان هو ضابط السلوك، وهذا يعني أن كل أعمال الإنسان الصالحة التي لا تخالف ما أمر الله تعالى به تعد جزءا من الإيمان، ولا أكون مبالغا – على هذا المنهج – أن أقول لك: إن الترفيه الصافي من الإيمان.
فالإيمان يدخل فيه علاقة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى، عبادة وعقيدة، ومع نفسه أخلاقا، ومع غيره سلوكا وتصرفات ومعاملات، والترفيه يدخل في علاقة الإنسان بنفسه، فخروج الإنسان على شاطئ بحر يستمتع بالهواء النقي، والمنظر البديع من الماء العذب أو المالح، وتموجات البحر وأمواجه عالية ومنخفضة، والصخور على الشاطئ والجزر في المنتصف، واتساع البحر بطوله وعرضه، وما يعيشه فيه من الكائنات المائية الحية، وما يحويه من غير الأحياء، والنظر إلى السماء بطولها وعرضها، ومنظرها الجذاب الخلاب، كل هذه جزء من الإيمان المعروف بعبادة التفكر، التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم “تفكر ساعة خير من أربعين” ، قال الراوي: لا أدري، أقال أربعين يوماً، أو أربعين شهراً أو أربعين سنة”.
أو التنزه في الحدائق، حيث خرير الماء، وخضرة النباتات، وأشكال الأشجار وألوانها، والزهور الجميلة، والنباتات اللطيفة، وهواء الخضرة، وما يتبع ذلك من راحة نفسية، مما للنباتات والخضرة من أثر كبير على النفوس، هذا تنزه وعبادة وهو من الإيمان.
بل زيارة الآثار التاريخية، ومعرفة سنن الله في الكون والآفاق، وأسباب قيام الدول وسقوطها، وحياة الناس ووفاتها، ومجيء شعوب وغيابها، وتداول الزمان بعد الزمان، ومجيء الحضارة بعد الحضارة، والأمة بعد الأمة في كل ذلك عبرة لأولي الأبصار، وهي من الترفيه والإيمان، وقد قال تعالى :”وتلك الأيام نداولها بين الناس”، وقال أيضا “أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم”.
والخروج إلى الجبال العالية، والسهولة المنخفضة، والتأمل في الكون الفسيح، الذي ينطق بوحدانية الله تعالى، وينادي ويقول : إن الله خالقي، وكل ما فيَّ من صنعه وخليقته، فحين تنظر إلى الجبال مع اختلافها” ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود”، فهذا جزء من الترفيه عن النفس، وهو من الإيمان.
وحين يسافر المرء من بلد إلى بلد، ويعيش بين شعوب متعددة، فيرى اختلاف الألسن والألوان، وتباين العادات والتقاليد، فما يحب هنا يكون مذموما هناك، ويكون مذموما هنا محبوب هناك، وترى الحياة البدائية في أماكن ومواطن، والحياة المدنية في أماكن أخرى، والشعوب تعيش، وعجلة الحياة تسير.
والناس مختلفون في كل شيء، في اللغة واللون والدين والطباع والخصال، وخالقهم سبحانه وتعالى واحد، يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، ويعلم سرهم ونجواهم، ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما في الصدور، كل ذلك نوع من السياحة والترفيه عن النفس وهو من الإيمان.
- وإن شئت فعدد من هذا كثيرا جدا، والناس يعتبرونه ترفيها، وهو ترفيه كما أنه أيضا جزء من الإيمان، وشرط ذلك:
1- أن تكون النية خالصة لله، وأن يقرن العبد مع الترفيه عبادة التفكر.
2- وألا يأتي شيئا من حرام، فما أفسح الحلال، وما أضيق الحرام، ومثل الحلال والحرام، كمثل الشجرة المحرمة على آدم، والجنة التي أبيحت له، فلا يذهب ابن آدم إلى شجرة محرمة، وعنده جنة مباحة، فيها أضعاف أضعاف الشجرة المحرمة.
3- ومن المفيد أن يأخذ الإنسان العبرة والعظة، وأن يأخذ التجربة الناجحة التي تنفعه في حياته، وأن يتزود بها لإيمانه.
إن كثيرا من الناس يظن الدين عبوسا في الوجه، وضيقا في النفس، وتزمتا في اتخاذ المواقف، مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقا، وألينهم وأسهلهم، وهو الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الترفيه عن النفس، فربما كان يمزح معهم، حتى يُرى الصحابي منهم يستلقي على قفاه من الضحك، فما يمنعهم صلى الله عليه وسلم، بل كان يبادر إليهم بالضحك تبسما، وبالبشاشة في الوجه، ويجعل “تبسمك في وجه أخيك صدقة”، وربما أخذ الصحابة في واد يتنزهون ويخففون عن أنفسهم شيئا ما.
ومن المواقف التي تشير إلى ترفيهه صلى الله عليه وسلم مع الصحابة ما ورد في كتب السير من أن رجلا من أهل البادية اسمه زاهر، وكان هذا الرجل يأتي بالهدية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من البادية، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه حبا كثيرا، وقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم ذات مرة في السوق، فأمسكه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلفه، وهو يمزح معه، ويقول: “من يشتري العبد؟”.
فخاف زاهر من أن يكون أحد يريد أن يبيعه عبدا، فقال وهو يريد أن يبعد الرسول دون أن يعرفه: أرسلني، من هذا ؟ فلما التفت وجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فترك نفسه، وهو يقول: يا رسول الله، لو بعتني، لن آتي بثمن كبير. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: “ولكن عند الله أنت غال”. وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ليمزح مع زاهر ويدخل السرور على قلبه.
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح مزاحا جميلا يليق بمكانته صلى الله عليه وسلم حتى مع النساء، مثل المرأة التي قال لها: لا يدخل الجنة عجوز، وهو يقصد أن كل الناس يدخلون الجنة شبابا، أو تلك التي قال لها: زوجك الذي في عينه بياض، والعين فيها بياض وسواد.
بل كان يجلس بعد الفجر مع أصحابه ليقصوا له ما رأوا من الرؤى والأحلام، وغير ذلك من المواقف الكثيرة التي تدل على أن الترفيه من الإسلام والإيمان، وأن الإسلام لا يطلب من الإنسان أن يأخذ منهج الشدة على النفس دائما، فهو يمزح ويجتهد، وهو يعمل ويفرغ، وهو يجاهد في سبيل الله ويتعلم، ويأتي المسلم كثيرا من أنماط الحياة، لأن الإسلام هو دين الحياة.
- كانت هذه ضوابط عامة، تفك الاشتباك بين الترفيه والإيمان، أما عن البرامج المقترحة، فيمكنكم القيام بما يلي:-
1- إجراء المسابقات الثقافية، كأن تعلنوا عن مسابقة يتم فيها اختيار بعض المواد الثقافية، ويعقد فيها امتحان، ويكون بها جوائز.
2- القيام ببعض الأعمال الفنية، كبعض المواقف الدرامية التي تحمل معاني هادفة أو مسلية، أو ما يعرف بـ”حفلات السمر”.
3- القيام برحلات إلى المناطق الجبلية.
4- القيام برحلات إلى المناطق النيلية والبحرية، مع التحفظ والبعد عن العري والمعاصي.
5- زيارة الأماكن السياحية والتاريخية، ومحاولة معرفة كثير من المعلومات من المرشدين السياحيين أو القائمين على الأمر.
6- عمل جلسات ثقافية لمناقشة كتاب أو قصة ونحوها.
7- تشجيع المواهب الفنية من الغناء الطيب والإنشاد والرسم وتأليف القصص والروايات التي تحمل معاني سامية ومبادئ نافعة.
8- كما يمكن لكم أن تجلسوا لتفكروا فيما تروحون به عن أنفسكم، وترفهون به ما يدخل الفرحة على قلوبكم، شريطة أن يخلو من الحرام، وأن تبتغوا به وجه الله.
وفقكم الله ورعاكم.
- د. مسعود صبري