- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، نشكركم على تيسير هذه الخدمة لما فيها من صلاح في أمور المسلمين. إخواني ما أود الاستفسار عنه هو رأي الدعاة والعلماء عن بعض الأقراص المدمجة التي يتم تداولها في الأكشاك، وتظهر بعض الأشخاص في حالات يرثى لها ويدعو أصحاب هذه الأقراص أو منتجوها للاتعاظ والموعظة من هؤلاء. سأعطي مثالا؛ ففي الآونة الأخيرة انتشر قرص يظهر شابا في الثامنة عشرة من عمره وهو في حالة عذاب يقال عنه إنه كان لا يصلي في حياته، وكان يسمع الأغاني وقد توفي هذا الشاب ودفن دون معرفة سبب وفاته. وبعدها قرروا أن يخرجوه من القبر حتى يقوموا بتشريحه لمعرفة سبب وفاته لكن صعقوا لما رأوه في حالة غير مرضية، وقد أصبح شعره أبيض وجسمه جد نحيل. المهم حالة بشعة، وقالوا: إنه عذاب القبر وإن الله قد عاقبه بشر أعماله بعد أن كان لا يصلي في حياته ويسمع للأغاني. ونشروا بين الناس هذا القرص وقد كتبوا عليه “لمن أراد العبرة”. نحن لا نعرف من نشر مثل هذه الأقراص واعتبرها دعوة. ما أود استفساركم عنه إخواني هل مثل هذه الأقوال باعتبارها دعوة ممكن تصديقها والأخذ بها؟ المرجو إفادتنا. كذالك أود الاستفسار في نفس الموضوع عن الفتاة التي مسخت وقيل قد رمت بالمصحف الشريف ومسخت حينها.. فما رأيكم؟. |
- الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
الأخت الفاضلة، استخدام الوسائل الحديثة في الدعوة أمر واجب في فقه الدعوة؛ فإنه ما يمكن للدعاة أن يتخلفوا عن ركب الناس في الوسائل التي يستعملونها؛ بل لو كان الأخذ بالتطور واجبا في مجالات الحياة؛ فهو أكثر وجوبا في حق الدعاة؛ فالدعاة ليسوا متعبدين بالوسائل، المهم أن يصلوا للمقصود من دعوة الناس إلى العمل الصالح والتوحيد الخالص ونشر دعوة الله للناس.
بل من حق الدعوة على الدعاة أن يبتكروا وسائل جديدة، وأن تكون متنوعة، تناسب المدعوين زمانا ومكانا وحالا، وأن يختبروا تلك الوسائل من حيث الإفادة منها، وتفعليها في أوساط المدعوين.
أما فيما يخص بعض الأسطوانات التي تظهر بعض الغرائب التي قد يكون المقصود منها ترهيب الناس من المعصية، والخوف من سوء العاقبة؛ فإن مثل هذه الأعمال، وإن كانت محمودة القصد فإنها من الأمور التي يحوطها الشك، بل هي للخيال أقرب، وأحسبها غير صحيحة.
بل أرى أن مثل هذه الأشياء ليست وسائل لرد الناس إلى دين الله تعالى؛ فإن كان من الناس من لا يرده إلا الترهيب فمن الناس من لا يرده إلا الترغيب، وكما أشار الإمام ابن القيم رحمه الله إلى أن العبادة لله ليست عبادة تسلط وجبر، بل هي عبادة مقربة وحب؛ فنحن نريد من الناس أن يحبوا الله تعالى، وأن يدركوا أنه أهل للعبادة والتوحيد، وأن يتقربوا إليه شوقا وحبا؛ فالحب الصادق يسوق إلى الخوف الصادق، فيسير المسلم في طريقه إلى الله تعالى كطائر له جناحان: جناح الخوف وجناح الرجاء.
ومثل هذه الأمور لم نجدها في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ما كان يوحى للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فيأتي على سبيل الحكاية، فيرويه الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة من باب الاتعاظ، وما أذكر أنه صح عن الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا مثل هذه الأشياء.
فحياة القبر -أو ما يعرف بحياة البرزخ- هي من الغيب الذي لا يطلع عليه إنس ولا جن، بل ورد أن أهل القبور يعذبون فيسمع عذابهم كل شيء إلا الإنس والجن.
وما ذكرته عن الفتاة التي مسخت؛ فمن المعلوم ما عليه جمهور العلماء أن الأمة حفظها الله تعالى من المسخ، بل إن ما حكى القرآن عن مسخ بني إسرائيل قردة –{فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]- فإن من العلماء من نفى المسخ عنهم حقيقة، وجعله مجازا.
وأيا ما كان فإن منهج الإسلام يربي المسلم على الخوف من الله والحب له، ومثل ما يقوم به البعض فربما يكون نوعا من “الدبلجة”، وهي وسيلة مقصدها حسن، لكني أراها غير صحيحة، وهي شبيه بمن كان يضع الأحاديث وينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فحين كُلم في هذا قال: “إنما لعن الرسول من كذب عليه، وأنا أكذب له”!!، وهو قياس خاطئ لا صحة له في ديننا.
وفي ديننا من الإيمان بالغيب وما صح من عذاب القبر ما فيه كفاية وغنى عن مثل هذه “المفبركات”.
كما أننا نريد أن نربط الناس بكتاب الله تعالى، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من السنة، وما يستفاد من تاريخ الأمة، وفي السنن الكونية عبرة لكل معتبر.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
- د. مسعود صبري