استشاراتالدعوة

المحاسبة والعلم الشرعي: الجمع ممكن

  • السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد التحية، أنا حاصل على بكالوريوس تجارة شعبة محاسبة، كنت آمل أن أنال شرف الدراسة الأزهرية لكن الله قسم لي ما كان وما هو خير والحمد لله.

 لن أتحدث عن نفسي أو صفاتي أو غير ذلك، لكنني ولأسباب الله أعلم بها أشعر أن طريقي هو سبيل العلم والدراسة الإسلامية، أريد أن تكون أولى خطواتي هي خطوة أكاديمية، ولكنني أجهل كيف ذلك، خاصة وأنا أعيش في أحد أقاليم مصر، ومرتبط بهدية أهداها الله لي (خطيبتي)؛ فهي كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “فاظفر بذات الدين”، كما أنني أعمل بأحد محلات الموبايلات لكنني أشعر أنها لا تتماشى مع ما أتمناه من طريق الدعوة برغم أنها حقا الطريق الوحيد أمامي حاليا لتحصين نفسي، وإنشاء بيت مسلم في معية الله.

جزاكم الله عنا خيرا، ووفقكم لما يحبه ويرضاه؛ فكيف أوفق بين الأمرين؟ وما هو الطريق الأكاديمي المتاح أمامي؟.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

  • الجواب:

الأخ الفاضل معتز،

أعزك الله تعالى بطاعته..

كم جميل أن يهتم شبابنا بدعوة الله تعالى، وأن يكون الشرع هو المرجع لهم دائما في حياتهم؛ فهذا من نعم الله تعالى التي يجب عليك أن تشكر الله عليها.

  • ويمكن لي أن أوجز ما أريد قوله فيما يلي:

1- أن كل مقصود للإنسان يريد تحقيقه يأتي عبر عملية التكوين الثقافي والفكري والتربوي؛ بمعنى أن اهتمامك بالشرع هو دليل على تكوين معين، يعلو فيه الاهتمام بالناحية الثقافية الشرعية، وأنه من الجميل أن ننظر إلى الأمر بشكل أوسع نظرا، وأن نعتبر كل أعمالنا تدور مع الشرع؛ لأن هذا من صميم الإسلام، ولو لم تُسمَّ شرعا بشكل خاص.

2- أن هناك فرقا بين الثقافة الشرعية وممارسة الدعوة؛ فالدعوة أشمل من الثقافة الشرعية، والثقافة الشرعية أخص من الممارسة الدعوية، وقد يجمع الإنسان بينهما، وقد يكون هناك طالب العلم أو عالم الشريعة، وهناك الداعية الذي يمارس الدعوة؛ فيجب عليك أن تحدد مقصودك، هل هو الإلمام بالعلوم الشرعية والتخصص فيها، أم الإلمام بالزاد الشرعي الذي يعينك على الدعوة إلى الله تعالى؟.

  • وفي هذا المقام يكون التكوين الدعوي له أسسه التي أهمها -حسب ظني-:

أ- حسن العلاقة مع الله تعالى، والاهتمام بالجانب العقدي والتعبدي، وأن يكون هناك زاد روحي للداعية يتزود به في طريقه للدعوة إلى الله.

ب- الثقافة الإسلامية الواسعة التي يعتبر الإلمام ببعض العلوم الشرعية بشكل عام جزءا منها، مع إدراك للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وحركة الحياة من خلال تاريخ الإنسانية، مع ثقافة عامة من العلوم الإنسانية والتجريبية.

ج‌-  إدراك واقع الناس ومعاشهم، وخلطة المدعوين، والمعرفة الملمة بقضايا المجتمع، وقراءة واعية لطبيعة الناس.

د‌-   الانتفاع بعلم النفس من معرفة مداخل الناس ووسائل التأثير والتأثر.

هـ- التدرب على المهارات الإدارية المفيدة في عملية الاتصال بالآخر؛ مثل: مهارة الحوار، والإقناع والتفاوض…

و- حسن القصد، وتذكير النفس بالإخلاص الدائم لله تعالى.

 

3- الأمر الثالث، وهو أنه لا مانع من الاهتمام بالثقافة الشرعية العامة، وإن كان هناك اهتمام بسلوك الخط الأكاديمي فليكن في تخصصك؛ يعني أن هناك الاقتصاد الإسلامي، ودراسة نظم المحاسبة وفق الرؤية الفقهية؛ وبذلك تكون تخصصت في مجالك، وفي الوقت ذاته استطعت أن تنمي مهاراتك بناء على الرؤية الشرعية.

4- يبقى بعد ذلك الانتفاع بتلك الدراسة الشرعية التجارية مع عملك الذي تقوم به، والتفكير في وسائل نافعة تخدم قضيتك الأساسية، وهي الدعوة إلى الله تعالى، وأن تكون دراستك تراكمية، بدلا من البدء من جديد في تخصص لم تلم به، وكلاهما خير.

5- يبقى شيء أخير؛ وهو أن الدعوة إلى الله تعالى هي ممارسة لأنشطة يومية يقوم بها المسلم العادي ملتزما هدى الإسلام، ولا يشترط أن يتخصص الإنسان بأن يكون داعية بالمفهوم الخاص؛ فنحن في حاجة إلى إشاعة الخير في الحياة من خلال الممارسة الصادقة التي لا تخالف شرع الله تعالى، وأن نفتح للناس آفاقا في الحياة، ولا نضيق عليهم واسعا باسم الدين؛ فلا نجعلهم يتحركون في حياتهم إلا إذا حصلوا على صك الشرعية؛ فنشر قيمة الإنجاز في العمل وإتقانه، والأمانة في التعاملات ومراقبة الله تعالى وغيرها من القيم الإيجابية التي يمكن الاتفاق عليها بين البشر الأسوياء، حتى لو لم تُسمَّ باسم التدين، أو تلبس زيه. وأحسب أن هذا من فقه المقاصد؛ فإيجاد القيمة أهم من تسميتها، ثم بعد ذلك نخبر الناس أنهم طبقوا الإسلام دون حاجة أن ندعوهم بشكل خاص، وخلال هذا نربطهم دائما بالله تعالى؛ فنكون بذلك وسعنا مفهوم الدعوة إلى الله.

أرجو أن تكون قد وجدت شيئا نافعا فيما قلت لك، وأسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان.

ولا تنسنا من صالح دعائك.

 

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى