استشاراتالدعوة

أنا وجماعتي.. قبل الحكم، امتلك الأدوات

  • السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم..

لدي أمر يؤرقني كثيرا، وترددت كثيرا في أن أرسله إليكم ولكن يبدو أنه لا بد منه..

كانت هذه الاستشارة ستصبح في 6 صفحات في حجم ورق الطابعة، ولكنني اختصرتها وركزتها جدا حتى لا أثقل عليكم، وإن كنتم في حاجة إلى تفصيل فأنا على استعداد، وللقائمين على موقع إسلام أون لاين حرية القرار في عرضها أو لا:

“إن الالتحاق بركب جماعة أمر عظيم وأنا مقتنع به أيما اقتناع”، “ولكن حين تكون هذه الجماعة مثيرة للجدل بل والشك والريبة فماذا نفعل نحن معشر الشباب؟”.

باختصار هناك معوقات تحول بيني وبين الالتحاق بهذه الجماعة، ولا أتصور كيف سيكون مستقبلي الدعوي بدونها، ومع ذلك لا أرضى بأن أكون إمعة، وأريد منكم إجابة صادقة وكافية إن شاء الله:

1- هذه الجماعة لا تكفر حكام اليوم مع أنني لا أجد لهم أي عذر من الأعذار التي يتحدث عنها علماء العقيدة، من عدم توافر الشروط وعدم انتفاء الموانع، ويبررون ذلك بقضية الاستحلال “الاعتقاد الباطن” وهو لا يصح لأنه ليس مع الكفر “الصريح” نية، بخلاف المعصية والكبيرة، وإن الأفعال أبلغ من الأقوال، وعلى فرض أن هذا خلاف، فأي نوع من الخلاف يصنف.. الفقهي أم العقدي؟ مع ملاحظة أنني أفرق تماما ولا أرى تلازما بين التكفير وبين الخروج على الحاكم، لكن المسألة مسألة حكم شرعي. “مهم جدا في الرد لأنه يتعلق بالحكم على المسلم الذي يرتكب أفعالا قد يراها البعض من أفعال الكفر.

2- لديهم استخدام للمصلحة ملتوٍ في بعض الأحيان، ولا أجد لهم ضابطا، ولا يراعون أنهم قدوة للأمة.. فتارة يتحالفون تحالفات مشبوهة، وتارة يتركون الجهاد في موضع لا يسعهم تركه، وتارة لا تعرف بياناتهم إلا بالبسملة.. إلى غير ذلك.

3- لديهم تساهل في قضية انضمام بعض الأشاعرة لهم، مع علمي أنهم من أهل السنة والجماعة إن صح الوصف، ولكن ألا يجب أن يكون البناء العقائدي متناسقا، قد يضعون شروطا كثيرة ليس من بينها المعتقد، كان يجب ألا يسمح لكل صاحب بدعة سواء طفيفة أو غليظة بالانضمام، إن وجود هؤلاء يسبب فتنة ويعطي لأصحاب النفوس المريضة الفرصة لكي يصطاد في الماء العكر ليحيلها إلى شبهات.

4- علاقتهم بالشيعة غير مريحة، رغم انفضاح أمرهم بعد الثورة الإيرانية والكشف عن عصبيتهم وطائفيتهم، ولا يزال بعض أفراد هذه الجماعة وقياداتها يرون الخلاف فقهيا “الاتصال بالشيعة”!!

لست أدعو للفتنة والاقتتال، وإنما لا للتعمية وكتم الحق..

 

  • الجواب:

الأخ الفاضل؛

أشكر لك حرصك على دعوتك، وأن تظل على ثوابتها، وألا تتلون في زمن قل فيه الثابتون، وكثر فيه المتلونون، فما في نفسك دافع محمود، وهو يدل على حرصك على دعوة الله تعالى، وأن تظل كما قال تعالى: (أَصْلُهَا ثَابِتٌۭ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ)، وهذا الهدف لا يختلف عليه اثنان، لا أنت ولا أصحابك، ومن الجميل أن يكون هناك نقد ذاتي داخلي من الحركة نفسها، فهذا علامة على صحتها.

ولكن اسمح لي أن نفرق بين آرائنا وبين ما قد يكون في الواقع، فالاتهام بالالتواء للمصلحة ولو على حساب الدين –كما يفهم من كلامك– يحتاج إلى نوع من التؤدة وعدم التسرع، أنا لا أنفي أن الجماعات لا تقع في الخطأ، فكل سلوك بشري قد يكون صوابا وقد يكون خطأ، والعصمة لله وحده ومن عصمهم من أنبيائه ورسله، غير أنه قد نكون نحن المخطئين في حكمنا، فهذه وجهة نظرنا، ولا يعني هذا أننا نتبرأ من تفكيرنا، ولكن عند العرض نقول: ربما يكونون كذا، والأولى من هذا أن نحسن الظن بالناس، فإن كان هناك احتمالان، فالأولى أن نقدم الأحسن حتى يثبت عكسه، وقد قال تعالى: (فَتَبَيَّنُوٓا۟ أَن تُصِيبُوا۟ قَوْمًۢا بِجَهَـٰلَةٍۢ فَتُصْبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ)، وفي قراءة أخرى: (فتثبتوا).

أما الحديث عن التحالفات المشبوهة، فهذا ميزانك أنت، وأنا أشعر أن الحركة الإسلامية يجب أن تراجع كثيرا من مواقفها في هذه المساحة، فقد مكثت الحركة الإسلامية ردحا من الزمن ترفض التعامل مع أي جهة غير إسلامية، ولا أدري من أين جاءوا بهذا التأصيل، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتحالف مع اليهود، وكتب بينه وبينهم عهدا على حماية المدينة، وأن يشتركوا في بعض الأعمال.

و”الأمور بمقاصدها” كما يقول الفقهاء، فمادام التحالف يخدم الدين والوطن، فليس هناك ما يمنع من ذلك، ولا يعني هذا أن نتنازل عن ثوابتنا، بل لو ظللنا في خندق وحدنا، فكيف نؤثر في الناس؟! وكما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسلم إذا كان يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) رواه الترمذي.

إن الحفاظ على الثوابت والتلاقي مع الغير هو طريق التغيير، وهل الدعوة يجب أن تنحصر فيمن يريدها، ولا نسعى لعرضها إلا على من نراه متقبلا لها؟!

بل إني أستشعر أن الحركة الإسلامية نضجت كثيرا في الآونة الأخيرة بخطوات كان من الواجب أن تخطوها منذ فترة طويلة، وكان من نتاج ذلك احترام الشريعة عند من لا يجعلونها نبراسا في حياتهم، أو يرفضون جعلها منهجا ودستورا، بل أضحى بعضهم ينادي باحترام قيم المجتمع التي تتوافق مع الشريعة، وغير ذلك من الخطوات التي تعد إيجابية حتى لو كان البعض يعترض عليها، لكن نتيجتها في الشارع موجودة وملحوظة.

فنحن نحتاج من الصحوة أن تتعدى –كما قال الشيخ القرضاوي– مرحلة المراهقة، لتصل إلى مرحلة الرشد، وألا نجعل التعصب مانعا لنا عن فهم سنن التاريخ والكون والتعامل مع غير المسلمين، ومع من يختلف معنا في الفكر والتوجهات من المسلمين، فهناك واجبات للوطن علينا، وواجبات للدعوة والدين، فيجب أن ندرك الأدوار المنوطة بنا، وأن نعرف طريق الإصلاح فنسلكه، ملتزمين هدي نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك.

أما القول بترك الجهاد في موضع لا يسعهم تركه، فهذا كلام عام، وكم كنا نتمنى أن تذكر لنا تلك المواقف حتى نقدرها معك، فنخطئهم إن كانوا خاطئين، ونصوبهم إن كانوا على صواب.

وعلى كلٍّ، فأنت تذكر أنك واحد منهم، و النصح واجب عليك في مثل هذه الحال، فتوجه بالنصح لهم، واستمع لهم لتفهم سبب مواقفهم التي ترفضها، ويمكن بعدها أن تحكم عن قرب وروية هل هم مخطئون أم مصيبون.

أما أن بياناتهم لا تعرف إلا بالبسملة، فاسمح لي فإن هذا اتهام صريح بأنهم منافقون، ولا أحب لك أن تتسرع بهذه الدرجة لتصف أناسا ينفقون من أموالهم وأوقاتهم وجهدهم ليكون كل صلتهم بالدين في بياناتهم البسملة!! فأرجو أن تراجع نفسك فيما قلت، وألا تتعجل الحكم لا عليهم ولا على غيرهم، ولا في شيء من حياتك، وأن نجعل القرآن ميزان حكمنا، فلا نحكم على شيء إلا باليقين أو غلبة الظن.

ربما لا يهمني هنا حكمك على الجماعة، ولكن يهمني أن تمتلك أدوات الحكم أولا قبل أن تحكم على شيء، سواء تعلقت بالجماعة أم بغيرها، فراجع نفسك، وزن ما تقول إذا وقفت بين يدي الله تعالى ليسألك عن حكمك، فإن اطمأن إليه قلبك فلا بأس به، على أن تضع في ذهنك أن هذا حكمك أنت وأنه قد يكون خطأ، وأن عليك النصح لهم، ورحم الله الشافعي: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”، ولكن هذا يكون حين يبني الإنسان حكمه على أدلة يغلب على ظنه أنها صحيحة، بعد أن يستفرغ الوسع في فهم القضية وإعمال أدوات الاجتهاد في الرأي بشكل صحيح.

وأذكرك قول الشاعر الحكيم:

من ذا الذي ترجى سجاياه كلها …….. كفي المرء فخرا أن تعد معايبه

وفقك الله وأعانك وأنار بصرك وبصيرتك

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى