- السؤال:
أنا مواطنة فلسطينية متدينة، والحمد لله أعمل مع أناس ليست لهم علاقة بالدين، وهم ينبذونه؛ أنا أتعامل معهم بحذر، وذلك حفاظًا على لقمة عيشي.. آمل من الله تعالى أن يهدي من هم حولي، وأخاف في نفس الوقت إن خضت في هذا الطريق أن أجد وظيفتي مهددة بالضياع.. أملي من الله تعالى أن يوفقني في مكاني هذا، وأريد أن أستعين برأيكم السديد. |
- الجواب:
الأخت الفاضلة عبير؛
دائمًا يشعر الإنسان بالخوف على لقمة عيشه، مع أن الله تعالى تكفل لنا بالرزق والأجل، نجد هذا في القرآن الكريم، وفي صحيح السنة النبوية، ففي القرآن نجد أمثال قول الله تعالى: {وَفِى ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، وفي السنة النبوية يأتي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن خلق الإنسان وفيه: (ثم يأمر الله تعالى الملك بكتب أربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)، فالإنسان حين يكون جنينًا في بطن أمه لم يتعدّ مائة وعشرين يومًا يكتب رزقه وأجله وعمله وحاله.
كل هذا وغيره يجب أن يثبت في قلوب المؤمنين ألا يخافوا على رزقهم، ولا على آجالهم، وأن الإنسان لن يخرج من الدنيا إلا وقد استوفى ما كتب الله تعالى له، ولكنه يسعى في الدنيا ويأخذ بالأسباب ليأخذ مما رزق الله تعالى الذي قدره له، ولكنه لن يأخذ أكثر مما هو مكتوب له ولا أقل منه.
وأشعر أننا كمسلمين يجب أن نتجاوز هذا الأمر لأنه فشا وانتشر، وهو في الحقيقة جزء من الإيمان، ومن العجيب أن الله تعالى يطمئننا، ومع ذلك فإن الناس في قلق دائم، نجد كثيرًا من الناس يذهب لأعمال هي في الدين محرمة، فيقبل أن يرقع دنياه بتمزيق دينه، فلا الدين يبقى ولا ما يرقع، وكأن لقمة العيش هي التي أصبحت حاكمة في زماننا.
ماذا على المرء أن يعيش مستقيمًا على طريق الله تعالى ولا يبالي ماذا أكل وماذا شرب، ليس هناك من الناس من لا يجد الطعام والشراب، وإنما يتفاوت الناس فيما يأكلون ويشربون، وصلى الله على نبينا الذي علمنا: (من أحب دنياه أضر بآخرته؛ ومن أحب آخرته أضر بدنياه؛ فآثروا ما يبقى على ما يفنى) أخرجه الحاكم، وقال الألباني صحيح لغيره.
بعد هذه المقدمة -التي تبدو طويلة إلى حد ما- أقول لك يا أختي:
يجب علينا أن نقدم ديننا قبل أي شيء، وهذا هو حال المؤمنين الصادقين، وقد قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌۭ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍۢ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ)، لم تذكري لنا طبيعة عملك، هل أنت تعملين في عمل حلال أم في عمل حرام؟ وهل أنت فعلاً قادرة على أن تقومي بدعوة هؤلاء القوم إلى مكارم الأخلاق والدين إن أرادوا، أم أنك ترين على نفسك ضررًا في الدين من المكث معهم، أو هل يمكن لك على الأقل أن تحافظي على نفسك أم لا؟ وما مدى حاجتك لهذا العمل؟
غير أنه لا يجوز في دين الله تعالى أن يعرض المسلم نفسه فيما يضعف دينه، ولو كان عنده يقين بالله تعالى، وغلب على ظنه أن هذا العمل يضعف دينه عند الله، فليتركه غير آسفٍ عليه، وإن الله تعالى سيعوضه خيرًا، ومن ترك شيئًا لله أبدله تعالى خيرًا منه.
أنا لا أقول لك: اتركي العمل، ولكن أجيبي نفسك على هذه الأسئلة، فإن كان وجودك يؤثر سلبًا على دينك فاتركيه بلا تردد، وعيشي كفافًا، ولكن حافظي على دينك، وإن رأيت أنك يمكنك على الأقل أن تحافظي على نفسك ودينك.. فلا بأس، وإن كنت أشتمُّ من سؤالك أنك تخافين على دينك، فالله الله في نفسك، الله الله في دينك، وأنتم أعلم بشئون دنياكم.
يسر الله أمرك، وبارك لك، وفتح بالخير على يديك
د. مسعود صبري