استشاراتالدعوة

النشيط الخجول.. شاب في حلقة تربوية

  • السؤال:
أحسن الله إليك يا شيخ..
لدينا شاب في الحلقة والنشاط: مجتهد، ومواظب، وله معنا قرابة الأربع سنوات، وهو الآن في الصف الثاني الثانوي؛ لكنه غير فعَّال، كلمته المشهورة: “لا أريد أن أشارك في شيء” (ما أبغى أشارك)، لا يتكلم كثيرًا مع الطلاب، شديد الحياء، يُعطى مهامًا ولا ينفذها.
والسؤال:
ما الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه النوعية بحيث نستفيد منه ويستفيد هو من نفسه وإمكاناته لخدمة الدين؟
والله الموفق.

 

  • الجواب:

الأخ الفاضل؛
شكر الله تعالى لك حرصك على من تدعوه إلى طريق الله سبحانه وتعالى.
وائذن لي بمشاركة في مدخل الإجابة دون أن أدخل في تفاصيلها، وأدعها لإجابة الدكتور طارق الحواس حفظه الله.

أخي الكريم؛
إنك تتعامل مع مشكلة، والمشكلة شبيهة المرض، وفي علم الطب لا يمكن وصف العلاج قبل تشخيص الداء ومعرفته، وبقدر ما ينجح الطبيب في معرفة طبيعة المرض وتشخصيه بشكل واضح، بقدر توفيق الله تعالى له في أن يصف دواء جيدا، ثم يأتي العامل الثالث وهو أن يتناول المريض هذا الدواء.
والمشكلة في الدعوة أو في غيرها لها أيضا أطراف ثلاثة: مشكلة، وصاحب مشكلة، وشيخ مرب أو داعية معلم.

فحاول أن تعرف أولا الأسباب التي جعلت هذا الأخ النشيط المجتهد –كما وصفته– يصل إلى حد رفض المشاركة، إنه لو كان كسولا لقلت لك حاول معه في كذا وكذا، ولكني أشتم من السؤال أن هناك عوامل تمنع هذا الأخ من أن يقوم بدوره حسب ما له من صفات النشاط والجدة والحيوية، والتي حولته حسب وصفك: لا يريد العمل، لا يتكلم مع الشباب، شديد الحياء.. فحاول الوقوف على الأمور التي دفعته إلى هذا التغير، وهل هذه طبيعته أم أنها عوارض لها أسباب، ويمكن محاولة معرفة هذه الأسباب من خلال بعض زملائه الأقربين، أو من خلال أحد الذين يثق هو فيهم، وبعد معرفة الأسباب يمكن لك التعامل معه بحكمة مع الاستعانة بالله تعالى.

أما إن كان الشاب يجمع بين النشاط والذكاء، مع شدة الحياء، وهذه طبيعته، فهذا يعني أنه يجب عليك معرفة شخصية الشاب بشكل كبير، ومن المهم جدا في ممارسة الدعوة دراسة علم النفس، وما يتعلق بمرحلة المراهقة، وإشراك بعض علماء النفس أو التربويون، وخاصة الذين لهم باع في الدعوة، فمن الضروري معرفة الخصائص العامة لهذه السن الحرجة، لأن الإنسان يحمل طبيعة متشابكة، وهذا التشابك لكي نقف على حقيقته لابد من دراسته دراسة واعية، ومع القراءة أو سؤال علماء النفس نأخذ هذه المعلومات والمعطيات لننزلها على الواقع حتى نستطيع قراءة الحالة جيدا؛ فهذه المعلومات الأساسية تشبه مادة الفقه للمفتين، وفرق بين الفقه وأحكامه، وبين إجراء الفتوى على الحالات الخاصة.. وبعدها يمكنك أن تعرف جيدا كيف تتعامل مع هذا الشاب.

إننا نريد أن نخرج في عملنا الدعوي من العشوائية إلى التخصصية التي تنجز وتحقق الأهداف المرجوة منها، ولن يكون هذا بجهد المقل، بل بجهد المجتهد الذي يبغي الفردوس الأعلى، ومن يخطب الحسناء لا يغلها المهر.

وأتركك الآن مع إجابة فضيلة الدكتور طارق بن عبد الرحمن الحواس، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
الأخ الكريم سلمه الله ورعاه؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛

أولا، أشكر لك استشعارك المسؤولية عن إخوانك من الشباب لإعانتهم على أنفسهم، ليكونوا أكثر إيجابية في الخير، والبر، والرشاد؛ وأسأل الله أن يكتب لك أجره، وأن ينفع بجهدك وعطائك وحرصك.

ثانيًا، ما رأيك لو جعلناه يختار العمل المناسب له، والذي يشعر أنه أقرب لقدراته؟ فإن هذا نافع، بإذن الله.

ثالثًا، حاول ربطه بالشباب الأكثر تفاعلا ليتعلَّم منهم ويتأثر.

رابعًا، حاول أن تقوي فيه ثقته بالتالي:
– علّقه بالله، فمن تعلق بشيء وُكِل إليه.. فما أعظم أن يوكل الإنسان إلى ربه الرحمن الرحيم القوي القدير اللطيف الخبير.. علّمه كيف يحسن التعلق بالله والفزع إليه.

اشحذ همّته بذكر قصص الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، ومن سار في فلكهم وعلى طريقتهم من العلماء، والعباد، والزهاد، والقادة، والمجاهدين، وغيرهم.

عزِّز جانب النقص فيه بالعبارات والكلمات التي من شأنها رفع المعنويات، والنقص

قد يكون نقصًا فطريًّا وجِبِليًّا، فعزّزه بما يكمله، وإن كان هذا التعزيز شعوريًّا نفسيًّا، وكم كلمة وحديث قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المنهج في تعزيز النقص الفطري، كمثل قوله عليه الصلاة والسلام في حق المرأة -والتي فيها نقص فطري-: (اللهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضعيفين: اليتيم والمرأة) رواه ابن ماجه؛ وقال: (من عال جاريتين حتَّى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو) وضمَّ أصابعه. رواه مسلم؛ وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنَّة؛ من أيِّ أبواب الجنة شئت) رواه أحمد.. إنه تكميل وتعزيز لتكون أكثر ثقة بنفسها حين تتعامل مع معطيات الحياة بهذه النفسية والمعنويات الواثقة المرتفعة.

  • احترم جهده،

ولا تتجاهل أو تحقّر.. ولكن احترم وقدّر، وتذكر قصة الشابين الفتيين إذ وقفا يختصمان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّهما قتل أبا جهل! فيطلب صلى الله عليه وسلم سيوفهما.. فيرى عليها آثار الدماء فيقول: (كلاكما قتله) رواه البخاري وسلم؛ ويوصي النساء رضي الله عنهن، كما في الحديث الصحيح: (يا نساء المسلمات لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فِرسِنَ شَاةٍ) رواه البخـاري ومسـلم.
إن احترام جهود الآخرين مهما قلّت أو دقّت، تبعث في قلوب الآخرين الثقة فيما يقدمون فيعطون ويبدعون.. فاحترم جزاك الله خيرًا جهد هذا الشاب مهما قلَّ.. تصنع فيه الثقة.

  • كلّفه بالمستطاع حتى لا يصاب بالإحباط أو الفتور،

وحتى لا يصير أسير الضجر والملل، أسير التخبّط والفشل، كلّفه بالمستطاع من خلال معرفتك بقدراته وإمكاناته، ثم اختر المناسب في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب؛ وتأمل معي في منهجية رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيته وتقوية جوانب العطاء في صحابته رضي الله عنهم: حذيفة أمين السر، وخالد بن الوليد سيف الله المسلول، وأبو هريرة المحدّث الحافظ.. ويوم الخندق ينتدب حذيفة، وفي القوم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم جميعًا.
حين تطلب من الآخرين ما لا يمكن أن ينجزوه أو يعملوه فإنك بذلك توقعهم في حبائل الضعف والخور والفشل، فكلفه بالمستطاع لتجده أكثر ثقة في إبداعه.

  •  ثق به ليكون أوثق بنفسه،

امنحه ثقتك وأحسن الظن به، لا تعامله بالشك والريبة وتأويل الأفعال وإلزام النيات والمقاصد ما لا يلزم، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أسامة بن زيد رضي الله عنه على جيش يسيّره إلى الروم، وفي الجيش كبار الصحابة، وأميرهم أسامة وتفاصيل الأمر مروية في صحيح البخاري ومسلم؛ وأرسل معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، ومصعب رضي الله عنه -وهو الشاب المترف- سفيرًا للإسلام إلى المدينة.. إن الثقة بالآخرين من أعظم ما يولّد الثقة عندهم.. ثقة في أنفسهم، وثقة بك.

  •  صارحه..

فلا تزين له ولا تتكلّف له، استر عيبه عن أن تفضحه، لكن لا تستر عيبه عن أن تنصحه، صارحه بأخطائه مصارحة الحريص المشفق من غير تشهير أو تحقير أو إذلال، وتذكر أسلوب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوامٍ..) رواه البخاري ومسلم، و:(نعم الرجل عبد الله لو كان يصلِّي من الليل) رواه البخاري ومسلم.
وكما صارحته بعيبه، صارحه بحبك، وفي الحديث الصحيح: (إذا أحبَّ الرجل أخاه فليخبره أنَّه يحبه) رواه أبو داود والترمذي.

  • امنحه فرصة التعبير عن شعوره وأفكاره بكل أريحية،

فلا تزجر، أو تضجر، وفي الصحيح أن شاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يا رسول الله، ائذن لي في الزنى، يا الله! تأمل معي، يريد الزنا! ويريده حلالاً أيضًا! فيدنيه منه صلى الله عليه وسلم وهو يقول في شفقة وحب: أتحبُّه لأمِّك.. لأختك.. حتى يقول له: (وهكذا الناس لا يحبُّونه لأمهاتهم وأخواتهم) رواه أحمد، فيقوم الشاب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أوثق بنفسه من أن يقع في هذه الكبيرة بعد هذا الحوار الهادئ.
هذا الشاب وأمثاله بحاجة إلى أن تعطيه فرصة -أريحية- للتعبير عن أفكاره، مشاعره، عواطفه، خلجات دواخله.. من غير أن تكبح، أو تَذَمَّرَ، أو تزجر.. إنك حين تحرمه هذه الفرصة سيكون أضعف من أن يواجه نفسه بصراحة، فلتبنِ الثقة فيه، ولتمنحه فرصة التعبير.

  • لا تسخر به..

ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب.. قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان) رواه البخاري.. هذه الكلمات لهي أشد وقعًا في نفس ذلك الرجل من سياط الجلد، إنها تربية النبوة.
لا تسخر من طالبك حين يخطئ، أو حين يحاول الإبداع، إنك تغتال طموحه، تقتل فيه الإبداع والمبادرة والإنجاز.. (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيرًا منهم).

  • علّمه كيف يبدع،

كيف ينجز، كيف يتخلص من مشاكله؟.. وجّه، انصح، ساعد، أَغِث، وتذكر قول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا ……. على ما كان عوده أبوه
وكن به رحيمًا؛ (لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ).. إنك حين تعلّم غيرك، كيف يبدع، كيف يسمو، كيف يتخلّص من مشاكله وهمومه؟ يكون أقدر وأوثق من نفسه على أن يقضي دهره في ظل أمل بعمل!

لا حرمت الأجر أيها الأخ المبارك، وسدد الله على الخير خطاك

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى