- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خيرا على جهودكم المبذولة لمساعدة الناس وربنا يتقبل منا جميعا. تزوجت فتاة أحببتها واخترتها عن قناعة تامة. وقد عشنا فترة خطوبة جميلة، وكنا متفقين ولا زلنا والحمد لله ويوما بعد يوم يكبر حبي لها ويزداد حبها لي، إلا أنني أعاني من مشكلة معها وهي أنها حساسة جدا وتبكي بسرعة من مزاحي. فهي لا تحتمل أن أمزح معها بعبارات مثل: هذه الفتاة جميلة، أو سأتزوج عليك، أنفك كبير، أريد شقراء.. هي تقول لي دوما أن هذا يجرحها ولست أدري لماذا مادام ذلك مزاحا؟ لماذا لا تتقبل ذلك. إنني استمر في ذلك لأنني أريدها أن تكون طبيعية ولا تتضايق من مثل هذه الأمور وتفرق بين الجد والمزاح. وأنا أكره الشقراوات، وهي تعلم لكنها تتضايق رغم ذلك. ومرة عدت للمنزل فوجدتها متزينة ولابسة تنورة قصيرة وكلسات جميلة. فسألتني إن كانت ملابسها جميلة فقلت لها مازحا هذا يحتاج جسدا جميلا فزعلت بشدة وخلعت ملابسها ولم تعد ترتدي. والآن بعد 5 أشهر أصبحت حساسة أكثر وأكثر، وعندما أقول لها: ما هذا الجسم الجميل تقول لي: أشعر أنك تهزأ بي. وعندما أقول لها أنها جميلة تقول أنها لا تستطيع أن تصدقني. وفي الفترة الأخيرة أصبحت تكتئب وتحزن وتقول لي أنها تفقد الثقة بنفسها، وأنني آخر من تفكر باللجوء إليه إذا وقعت في مشكلة حتى لا أهزأ بها، وأنني لا أجيد التعامل مع الأنثى وقلبها، وأنني لست زوجا ناجحا رغم أنها تحبني جدا وتقول أنني عاطفي وحنون وهذا يعجبها لكنها تحتاج إلى من يرعاها ويساندها ويدعمها ولا تجد ذلك عندي لأنني أريدها امرأة كاملة على حد تعبيرها. حتى في أعمال المنزل تقول بأنني مدقق جدا وأنها مهما قصرت فهذا طبيعي لأنها صغيرة وجديدة وفي غربة وبعيدة عن أهلها، إلا أنها سوف تكون ممتازة في غضون أقل من سنة وتقول لي أن أصبر. إلا أن هناك الكثير من الأمور البديهية التي لا تعرفها وهذا أمر مزعج حقا. أنا أحبها حقا وأريد أن أتعلم كيف أكون زوجا جيدا، ولماذا تحزن من مزاحي مع أنني متيم بها ولا أستطيع البعد عنها.. هي تقول لي أن لا أنظر لفتاة وأعلق عليها أبدا. لا تحب أن أهزأ بأفكارها أو كلماتها أو تعليقاتها. ولكنني لا أكون أهزأ بل أعلق تعليقات فكاهية تتحسس هي منها وتتضايق.. ما هي الخطوات التي سأكون معها زوجا يسعد زوجته؟ على فكرة هي تراسلكم دوما وتقرأ عندكم الكثير.. |
- الجواب:
الصديق العزيز:
أحب بداية أن أهنئك بهذا الزواج المبارك، فما زلتما عروسين جديدين في حياة جديدة، لمست حبك لزوجتك حبا كبيرا، كما رأيت في رسالتك حب زوجتك لك.
ومن الحكمة والعقل حين ننظر في مشكلة معينة أن ننظر مواطن الاختلاف، ومواطن الاتفاق، حتى لا يتحول الشيء الجزئي إلى شيء كلي، وأنت دارس للشريعة، وتعلم أن الكليات مقدمة على الجزئيات، أو ما عبر عنه علماء الأصول: لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المتفق عليه. يعني أنه لا يجوز لإنسان أن ينكر على إنسان بعض الأشياء التي يختلف فيها، ولكن الإنكار يكون في مخالفة الأمور المتفق عليها.
ولو نظرنا إلى الحياة الزوجية بين أي زوجين لرأينا أن من أهم الأسس التي تقوم عليها هذه الحياة هي التفاهم والحب وقيام كل من الزوجين بما يجب عليه، وأن تسير الحياة بشكل فيه حسن معاشرة، هذه الأشياء مطلوبة من الزوج، كما هي مطلوبة أيضا من الزوجة.
ولكن ديننا الذي أوجب على المرأة درجة القوام والطاعة للزوج، وذلك في قوله تعالى: “وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌۭ”، ليست هذه الدرجة للرجل تفضيلا بل هي تكليف قبل أن تكون تشريفا، وهذا يعني أن يكون الرجل أكثر تصبرا وحلما من المرأة، كما يجب عليه أن يكون ذا إدراك تام بطبيعة زوجته، فيتعامل معها بهذه الطبيعة من خلال ما يصلح شأنها، ويعلي قدرها، ويقربها إليه، ويعطيها من دفئه وحنانه، ولعل هذا ما عناه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث: “إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، و إن تركته لم يزل أعوج”، وهذا يعني أن الرجل في حاجة إلى حكمة في التعامل مع زوجته، وأن يعرف مداخلها ومخارجها، وأن يوقع الكلام منها موقعا حسنا.
وإن كان الشرع مذخورا بالنصوص الداعية المرأة أن تحسن عشرة زوجها، وأن تكون له طائعة، فإن هناك نصوصا من الشرع أيضا توجب على الرجل أن يكون أهلا لهذه المسئولية، فإن جعل القوامة في يد الرجل توجب عليه تكاليف أكثر مما توجب على المرأة.
بل يمكن تلخيص الأمر أن الحياة الزوجية مقسمة بين الرجل والمرأة، فعلى كل منهما واجبات واجب أداؤها، ولكل منهما حقوق له على الآخر، فحين يؤدي كل منهما واجباته، ويتعامل بالفضل في الحقوق، فقد يتنازل كل منهما للآخر عن بعض حقه لتسير عجلة الحياة.
إنك يا سيدي في حاجة أن تعرف زوجتك، ودعني أصرخ في هذه الاستشارة للأزواج والزوجات أن يعرف كل منهما صاحبه، وأن تقوم البيوت على الوضوح والصراحة، وأن يكون بداية هذا في فترة الخطبة، أو المسماة بالخطوبة، إن كلا من الخاطبين يحب أن يجلس مع الآخر فيفضي له بكلمات الحب والعشق والرقة والأدب، ويمثل كل منهما مجنون ليلى، أو غيره ممن عرف عنهم العشق كعنتر بن أبي شداد وغيره، وينسى أنه سيدخل على تكوين حياة اجتماعية، وأنه سيبني مؤسسة بزواجه هذا، إن الإسلام لما وضع فترة الخطبة وضعها للتعارف، وأنا أطالب الآباء والأمهات أن يشركوا من يخطب بناتهم أن يكون ضيفا عليهم في المناسبات والزيارات العائلية وغيرها، فلا بأس بهذه الخلطة ما دام هناك محرم، حتى يتعرف كل من الخاطب والمخطوبة على الآخر.
أوقن أن طبيعة الحياة مختلفة من بيئة لأخرى، بين تفسخ وهروب من تعاليم الدين، وترك الأمر بالكلية للخاطب والمخطوبة، ليفعلا ما يحلو لهما، وربما وقعا فيما حرم الله تعالى، وبين أناس يضيقون عليهما وكأنهما محاصران بقوات الأمن.
أحلل ما تشتكي منه أخي بأنك لم تكن بمعرفة تامة بمن تزوجتها لطبيعة الفترة التي عشتها، وربما ما يحدث بينكما من مشكلات في هذا الوقت هو من الأمور الطبيعية جدا، فكل منكما الآن يتعرف على الآخر بشكل واضح دون قيود الأهل والعائلة، وحساب الآباء والأمهات في كل كلمة أو خطوة أو موقف قد يفهم منهم على نحو لا يرضيهما، لكن الآن أنت زوجها، وهي في بيتك، وهذا يعني أنك الآن تتعرف بشكل واضح على زوجتك، فلا تقابل هذا بصدمة في نفسك، ولكن حين يضع الإنسان في ذهنه هذا يدرك أن هذا شيء طبيعي، فتخف صدمته وحدته على نفسه.
ومن خلال ما تعرف من زوجتك تعامل معها على أساسه، وهي الأخرى تعرفك بشكل أكثر وضوحا، فتعاملك بما تعرف عنك.
الأمر الآخر الذي يجب أن تعرفه أنه ينقصك شيء من الثقافة النسائية، فعالم المرأة من العوالم العجيبة التي يجب أن يدرك الرجال أنهم في حاجة إلى دراسة عالم النساء، و أن يسقط هذا الكلام على زوجته ليعرف من أي الأصناف هي.
إن وضع الرجل في ذهنه أنه سيتزوج امرأة ذات دين فحسب، فهذا في حسبي فهم خاطئ، فالدين هو الأساس، وهو الحامي للعلاقات الاجتماعية، فيأمن به الرجل على نفسه وزوجته، ولكن هناك أمورا أخرى يجب أن يدركها الإنسان عن زوجته، وشبيه هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أركان الإسلام الخمسة، ولكن الإسلام ليس هو الأركان الخمسة فحسب، ولكن الأركان هي أساسه، وهناك أمور كثير يتم الإسلام بها، ليكتمل بناؤه، فإن الأمر إذا وضع الأسس والأركان لا يمكن له أن يعيش في بنائه، ولكن يجب أن يكمل الأمور الأخرى، وهكذا أيضا الزواج.
- ولتسمح لي أن أركز لك على بعض النصائح المهمة في هذا المقام، وهي:
1- أظهر حبك لزوجتك بأشكال مختلفة، فالمرأة تحب أن يغازلها الرجل، ويحب أن تشعر أنها ذات مكانة كبيرة عنده لا تدانيها أية مكانة، فإشباع غريزة المرأة من أهم الأمور إلى انقيادها.
2- ابتعد عن كل ما يجرح كرامتها، ولو مزاحا، لأن تكرار هذا الأمر قد يجعلها كما ظهرت لك لا تفهم ما تقصده، وهذه طبيعة النساء يا صديقي، فماذا نفعل لهن؟
3- اقرأ في ثقافة النساء، وتعرف على أخلاقهن وطبيعتهن، وانظر أي امرأة تكون زوجتك لتتعامل معها.
4- شارك زوجتك في أمورك كلها، وشجعها، وحاول أن تسهم في رفع ثقافتها وفكرها وشجعها أن يكون لها خصوصية في حياتك وفي الحياة عامة.
5- حاول أن تهديها هدية كل فترة كأن تكون هناك مناسبة أو بلا مناسبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا “، فالهدية تجعل المحبة.
6- اخرجا بين الحين والآخر للتنزه والخروج عن جو البيت، ويمكن أن يجعل جزء من الخروج في صلة رحمها ورحمك.
7- كن كالطفل مع زوجتك، اخلع عنك زي الشيوخ مع أهلك، فالشيخ في درسه شيء، وفي بيته شيء آخر، وتذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم فيما كانت ترويه عائشة رضي الله عنها ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يداعبنا ونداعبه، ويمازحنا ونمازحه، حتى إذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه”.
8- استمع إلى زوجتك كثيرا، ولا تصادر الرأي، ولا تبال ببعض ما تقول، فلا تركز على كل صغيرة وكبيرة من كلامها، ولا تنس أن تتعامل مع الكليات قبل الجزئيات، فأنت تحبها وهي تحبك، وهذا أمر كبير في الحياة الزوجية، فابن عليه، واستعن بالله، وأكثر من الدعاء، وتعامل مع طبيعة المرحلة، فهذه مرحلة اعتيادية في بدايات الزواج، يمكن أن ترى الاستقرار فيما بعد السنتين أو قبلها إن شاء الله، وكلما تعرفت عليها أكثر بهدوء وروية، كلما عجلت بمرحلة الاستقرار.
وفقك الله، وحفظك لك زوجتك.
- د. مسعود صبري