استشاراتالزواج

السلوكيات

  • السؤال:
أنا شاب أقدمت على خطبة فتاه، وعقد قراني عليها، في مدة لا تتجاوز عشرة أيام، بدون تعارف كاف؛ لأن مجتمعنا منغلق، ولا يسمح بالتعارف المباشر. والآن بعد عقد القرآن وبعد مرتين من اللقاء ظهر لي أشياء لم أكن أعرفها مثل:

* أن لها أعمام وأقارب في مدينة أخرى، وعاداتنا الاجتماعية تحتم الزيارات والتواصل، وهذا ما لا أستطيعه؛ لبعد المسافة ولضعفي وقلة حيلتي.

* كما بانت ليّ بعض سماتها الخلقية كقبح وشذوذ أسنانها، وضعف بنيانها. وهو ما لم يكن من الممكن معرفته قبل العقد.

الخلاصة أنى بعد اللقاءين شعرت بصدود مني تجاهها. وأنا الآن في ضغط نفسي؛ لا أدرى ما أفعل؟ حيث استمر لدى هذا الشعور من النفور والتردد في إتمام الزفاف من عدمه حتى وقت كتابة هذه الرسالة.

كما أن مجتمعنا محافظ، فلم أستطع مصارحة أبى وأمي بهذا النفور والصدود؛ لأني متأخر في سن الزواج،  فعمري 36 سنة. وكانا قد عرضا عليّ سابقا الزواج من قريبات لهم فرفضت. واخترت هذه الفتاة بنفسي، وليتني أحسنت الاختيار، أو رضيت به، و طابت نفسي له.

مع العلم أن الفتاة ذات خلق حسن، حسب الأقوال، ولكنها ليست ملتزمة دينيا بشكل تام، فهي ليست منقبة ولها اهتمام بالتصوير في أمور الزفاف.

المهم الآن: هل يصح أن أقدم على الزواج بهذه النفسية غير المتقبلة للزوجة أم أطلق وأفارق؟

 

الجواب:

الأخ الفاضل:

مشكلتك تمثل واحدة من المشاكل ذات الانتشار الواسع بين الشباب في موضوع الزواج، وكل هذه الحالات تصرخ وتقول: هناك مشكلة حقيقية في موضوع زواجنا، فنحن لا نفهم الزواج، وعندنا خلط في المفاهيم والمعارف والممارسات الاجتماعية، ولن أركز على الجانب الاجتماعي بشكل مفصل، ولكن الذي يهمنا هنا أن نركز على مفهوم الدين في الزواج والفهم الخاطئ له، مما يترتب عليه آثار سلبية في حياتنا.

وأوجز لك الكلام في نقاط محددة، وهي كما يلي:

 

  • الأول :عدم التعارف والمجتمع المحافظ:

تشير أصابع الاتهام في المشكلات بين الزوجين إلى المجتمع المحافظ، الذي لا يسمح للخاطبين بالتعارف الكافي، الذي يتم معه معرفة كل من الخاطبين للآخر بشكل واضح حتى يتخذ قرارا بالاستمرار أو الاعتذار، وليذهب كل منهما إلى حال سبيله.

المشكلة أن المجتمعات المحافظة تتهم بأنها سبب عدم المعرفة بين الخاطبين، لأنها لا تتيح للخاطبين الحديث بشكل حر، وتفرض قيودا على التعامل بينهما، ويتم هذا باسم الدين، لأن الناس تفهم أنه لا يجوز للخاطبين أن يتحدثا سويا بعيدا عن رقابة الأهل، فلابد في الكلام أن يكون أمام الأهل، والخاطبان يريان أن لهما الحق في الحديث بعيدا عن “شرطة الأهل” التي تحول دون الرغبة.

والغريب أن الإنسان حين يريد الزواج يشكو من هذا، فإذا ما كبر وأنجب وتقدم لابنته أحد، عامله بنفس المعاملة، وينسى المجتمع المحافظ المنغلق، لأنه يقوم بدور الوالد، والوالد غير الخاطب، فتعامل الإنسان يختلف حسب دوره، وهذا يعني ألا نوقع باللائمة على الأهل كثيرا، لأنهم ماداموا قد وافقوا على الشخص فقد وثقوا فيه، أما أن يظن البعض أنه اتهام في دينه، وأنهم يخافون أن يفعل شيئا سيئا، فليس الأمر هكذا، ومع هذا لا نستطيع أن ننكر أن بعض العائلات تتشدد في بعض الأحايين، غير أن هذا التشدد طبيعة بشرية قد لا يكون له علاقة بالدين، وإن ألبس زيه.

وعلاج هذه المشكلة في يد الخاطبين، ونحن نقول لكل خاطب: ماذا تريد أن تقول لها وأنت مازلت خاطبا؟، هل تريد أن تبوح لها بما في نفسك من مشاعر الحب والهيام والعشق والغرام؟، فمثل هذا لا يجوز شرعا، لأن الخاطب أجنبي عن مخطوبته. نعم يجوز لك الجلوس إليها والكلام معها في وجود الأهل، لكن الخاطب يقيد نفسه، فما تخاف أن تقوله أمام الأهل ليس لك أن تقوله، ولكن لماذا هذا الموقف، ألا يمكن لك أن تثني عليها أمام أهلها بكلمات طيبة، أو أن تتعامل بنوع من الانفتاح أمام الأهل ؟

إن هذا يعطي اطمئنانا للأهل، لأنه إنسان واضح وصريح، إذ الأهل يخافون من السرية، فقد يكون ما يريد أن يقوله الإنسان لها على انفراد شيئا طبيعيا، فلا مانع أن يقوله أمام أهلها، لكن قد يخجل أو يخاف أو غيرها من الأسباب، وهذه ليست عند الأهل، وليس محافظة الأسر شيئا سيئا ولا اتهاما لهم مادام في حدود المعقول.

غير أن الذي أطلبه من الأسر ألا تكون حدود المعاملة مع الخاطب هي جلسة عائلية فحسب، بل يمكن توسيع ذلك في الزيارات العائلية مع الأقارب، والخروج مع الأهل في قضاء بعض الحاجات، أقصد أن تتم المعرفة بشكل أوسع من الجلسة في البيت وحدها.

 

  • الأمر الثاني: الصدود النفسي:

وفي الحقيقة هو أخطر ما في الموضوع، فكيف يعيش الإنسان مع آخر لا يجده راحته النفسية معه، والقرآن الكريم يجعل المرأة سكنا للرجل، ويجعله سكنا لها، كما قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم:21). فالزواج بلا سكن ولا مودة و لا رحمة لا معنى له، فهو كبيت العنكبوت، وأحسب أن السكن هو أعلى مراتب العلاقة بين الزوجين، ثم تأتي بعدها مرتبة المودة.

وأقل ما يكون بين الزوجين مرتبة الرحمة والتعامل بالحسنى، ولكن يجب أن تكون صادقا مع نفسك، هل فعلا شعورك هذا الذي ذكرته حقيقي، وتشعر أنه سيبقى معك دائما، أم أن له ظروفا طارئة قد تزول، وأسبابا يمكن أن تبحث عن حلول لها؟، فإن كان كما قلت، فنحن نتعامل مع أمور فيها ضرر، فيجب أن نوازن بين الأضرار التي ستترتب، خاصة ونحن قد عقدنا، فالطلاق قبل البناء فيه كسر للفتاة وحزن لأهلها ولأهلك أيضا.

ولكن في الكفة الأخرى: هل ستكون سعيدا في حياتك معها؟، وهل يمكن لك أن تعيش مع زوجتك التي لا تجد معها السكن؟، وهل ستتحمل ذلك؟، أن تنفر منها وتعيب شيئا من صفاتها الخلقية؟، وهل ستخفي عليها هذا طوال السنين أم أن هذا سيكون لها ضرر عليها أيضا، وأي الضررين عليها أشد، الطلاق قبل البناء، أم الطلاق بعد البناء؟، وقد ترزقان أولادا، فيبقى الطلاق بعد البناء والإنجاب مشكلة أكبر، فوازن بين الأمور واختر لنفسك ما تراه أقل ضررا، مع اعتبار هل هناك محاولة للإصلاح وتغيير الأمر، أم أن هذا  ثابت لن يتغير؟

 

  • الأمر الثالث : حسن خلقها مع عدم التزامها بشكل تام:

وهذا خلط في المفاهيم، فأنت تقول إنها حسنة الأخلاق، وهذا حسب الأقوال، يعني أنك غير متأكد، وقد عقدت عليها، فلا أدري كيف تعقد على فتاة وأنت لا تعرف عنها حتى أخلاقها؟!، ولم تجلس معها ولم تكلمها؟!

ولكن فهمك للتدين يحتاج إلى وقفة، فأنت تقول: إنها غير ملتزمة بشكل تام، فهي غير منتقية، وتهتم بالتصوير في الزفاف، فقد حصرت الالتزام الحقيقي في النقاب وعدم الاهتمام بالتصوير في ليلة الزفاف!!

وعلى كلامك فمن كانت أخلاقها حسنة، وسلوكياتها طيبة، ولكنها لا تنتقب حتى لو اهتمت بالتصوير في الزفاف، فلا يعني أنها غير ملتزمة، فيمكن أن يصورها أحد محارمها – مثلا- أو تناقشها في إلغاء فكرة التصوير من أساسها، إنه هذا  شيء فرعي.

لكن الأهم هو السلوك والمعاملات، وقبلها سلامة العقيدة وصحة العبادة، وهذا يتطلب أن تكون على معرفة ودراية بتدين من تتقدم إليها، لأنها ستربي أولادك، وأن تنظر الفتاة أيضا إلى من سيتزوجها إذ هو القيم على البيت، وهو ربان السفينة، الذي يقودها حيث يريد مع الشورى والتزام شرع الله تعالى.

والذي استنتجته من كلامك أن قضية التدين لا تأخذ من نفسك حيزا كبيرا، فأنت – حسب فهمي – اكتشفت أنك لا تحب من عقدت عليها، ووجدت فيها أشياء لا تحبها، فأنت تحاول أن تحشد الأدلة التي تبرر موقفك، ولا أعني أنك تدعي، ولكن هذه هي حالتك النفسية، المهم في ذلك كله أن تجلس مع نفسك، وتصارحها بشكل واضح هل يمكن لك الاستمرار مع هذه الفتاة أم لا؟!، وذلك وفق قاعدة “المصالح والمفاسد”، وترجيح أحد الرأيين وفقا لأقل الخسائر.

وما أطلبه منك – أخي الكريم- أن تجلس مع بعض أهل الصلاح والعقل ممن تعرفهم؛ وأن تتشاور معهم في الأمر، وان تدرسوا  المسألة من كل جوانبها، وتأخذوا قرارا في الأمر، ثم تستخير الله تعالى، وأن تلجأ إليه كثيرا، وأن تبكي بين يديه كثيرا، وتسأله أن يريك الأصوب لك، ثم توكل على الله واقطع بالرأي الذي تستريح له، أيا كان هذا الرأي.

وفقك الله لما يحب ويرضى، وحفظك من كل مكروه وسوء، وهداك إلى الخير.. وتابعنا باخبارك.

 

  • د. مسعود صبري

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى