- السؤال:
شكرا لكم كثيرا على ما تقدموه للشباب المسلم ،وجزاكم الله عنا كل خير. أنا طالبة جامعية ما زلت في المستوى الثاني من دراستي، أنتمي للتيار الإسلامي “الكتلة الإسلامية حماس” منذ دخولي إلى الجامعة أعجبت بشاب وهو أيضا منتمٍ لنفس التيار، ولكن المشكلة التي أريدكم أن تساعدوني فيها هو كيف نعرف بعضنا بأن هناك شيئا اتجاه بعضنا البعض. وأنتم تعلمون أن النظرة حرام والكلمة وما بعدها مستحيلة، لأنه من الممنوع أن نتكلم مع شاب، بالإضافة إلى الحياء الذي يجعل الكلمة مستحيلة بالنسبة لي. وبحكم نشاطاتنا فنحن نرى بعضنا البعض كل يوم “دون احتكاك ودون نظرات” ولكني والله بعد نظرة عفوية سريعة أحسست بأنه هو الآخر لديه شعور ما اتجاهي، ولم أجعل هذا الحب الشريف يتطور كثيرا، وكي لا أوهم نفسي بأشياء من الممكن ألا تحصل، ولكن إخواني ساعدوني، ماذا أفعل غير الدعاء فأنا ما زلت وسأظل أدعو؟ فادعوا لي. أرجوكم ساعدوني ما هو الطريق الصحيح لي وله؟ ما هو الحل برأيكم ؟ أفيدوني أثابكم الله وسدد على طريق الحق خطاكم. وبارك الله فيكم.. أختكم ليلى |
- الجواب:
الأخت الفاضلة:
إن الوصف الذي جاء منك بإحساس فتاة تخشى الله تعالى، وتحجب نفسها عن الممارسات الخاطئة مع شاب يسير على نفس الطريق، لا يمكن اتهامه والهجوم عليه، بل هو شيء فطري من حيث المبدأ، لكن يجب أن يوضع في إطاره الذي لا يجعله يحيد عن هذه العفة والطهارة التي جعلتموها دستورا في معاملتكما سويا، بل الطريق الصحيح هو البحث عن الارتباط المشروع إن كان ممكنا، بالنظر إلى الأوضاع الاجتماعية لكل منكما، وللأسرتين معا، فتنتقل العاطفة من عاطفة خاصة إلى إطار يمكن أن يندرج تحته هذا الإطار على أسس من الشرع الحكيم، والتزام ما أمر الله تعالى به، والابتعاد عما نهى عنه.
وساعتها يمكن الرجوع إلى الإطار الخاص من العاطفة والحب بينكما، أما أن يكون هذا الحب في الهواء، لا مسكن له، فهو مهدد بالتشريد والخطر، بل الواجب البحث عن مأوى لهذا الحب الشريف.
و في ظني، فإن الناس في هذه العلاقة فريقان، فريق يميل إلى الانفتاح الحر، أو ما يمكن أن أسميه “الانفتاح الانحلالي”، وبين الإغلاق المتشدد، أو ما يمكن أن أسميه “الإغلاق الإرهاربي”، والضابط في هذا أن نعود إلى قراءة العلاقة بين الجنسين في العصر الأول في صدر الإسلام، لأن هذا هو عصر الوحي، وهو أقرب إلى الصواب، وهذا يجعلنا نفهم كثيرا من علاقاتنا مع وضعها في إطار المراقبة لله سبحانه وتعالى، وإدراك المسلم – والمسلمة – أن كل إنسان محاسب أمام ربه سبحانه وتعالى :” وكلهم آتيه يوم القيامة فردا”.
والذي أفهمه من صورة الصدر الأول أنه كان مجتمعا منفتحا بانضباط، فلم يكن للرجال مكان، وللنساء مكان، بل كان الاشتراك بين الجنسين بارزا تحوطه العفة والتقوى، ففي المسجد رجال ونساء، وفي السوق رجال ونساء، وفي الحرب وقتال العدو رجال ونساء، وفي دروس العلم رجال ونساء، وتتكلم المرأة للرسول صلى الله عليه وسلم أمام الرجال، كأسماء بيت يزيد الأنصارية، والتي أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بفصاحتها، وأشاد بها أمام الرجال، ولقبت فيما بعد بـ “خطيبة النساء”، وحديث الصحابة للصحابيات مدون في كتب السنة، كما حدث مع أبي السنابك حين قال لامرأة مات زوجها وتزينت” أتزينت للخطاب؟” فاشتكته للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم، وغيرها من المشاركات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، بل والدينية أيضا، وهذا يعني أن التعارف بين الجنسين في الإسلام له مساراته الطبيعية دون تعمد أو قصد، بل تكون بالملاحظة والمعرفة العامة، وبعد المعرفة من خلال هذه الوسائل يمكن للشاب أن يكون قد تعرف على الفتاة، وتتعرف الفتاة على الشاب في جو نظيف، فإن عرف الشاب الفتاة في هذا الإطار العام، ورأى إعجابا في نفسه تجاه فتاة، فلتكن الخطوة القادمة، وهي التقدم للفتاة، ثم يأخذ الأمر مساره الطبيعي من الخطبة والعقد وغيرها من خطوات الزواج الرسمي.
هذا بشكل عام، أما في حالتك، فأنتم – في حالتك – بينكما مشاركات من خلال العمل الدعوي وغيره، فهذا لا يمنع الحديث مادام في الإطار العام الذي تغلفه تقوى الله سبحانه وتعالى، أما القول بأن هذا قد يكون مفسدة، فهذا أمر يختلف من شخص لآخر، وقصد الإنسان من الفعل من أهم الأمور التي تجعلنا نحكم على سلوكه وتصرفه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :”إنما الأعمال بالنية”، ونحن لا نتحدث عن إطار تعارف وصداقة، وإنما نتحدث عن إطار زواج، فإن تم التعارف من خلال اللقاءات العامة، فإما أن يتقدم هذا الشاب لك، وإما أن تصرفي نظرك عن هذا الأمر،لأنه أصبح خارج إطاره المسموح له شرعا.
و هناك من المساحات الشرعية التي تجعل الفتاة تنبئ بموافقتها وموقفها تجاه هذا الشاب، وهذا ما حدث من خديجة – رضي الله عنها -، فربما يكون هناك تخوف من الشاب من التقدم.
ولكن مع كل هذا يجب معرفة الظروف الاجتماعية التي قد تسمح بالارتباط الآن أم عدمه، وهل هذا الشعور في وقته أم أنه من الأفضل أن يكون هناك اهتمام مقصور على الدراسة والتفوق مع أخذ معرفة عابرة عن الشاب كلما سنحت الفرصة، دون أن نكن في قلوبنا شيئا تجاهه، حتى إن لم يتم نصيب بينكما لا تكون هناك مرارة الحب وألمه، وغيرها من المشاعر التي قد تؤثر في سلوك الناس، ولعل الرجوع إلى ما كتبه الإمام ابن القيم في كتابه” روضة المحبين ” يساعد على تفاهم طبيعة العاطفة، ولكن الأمر حتى الآن بينكما لا يعدو مجرد إعجاب بين اثنين، حسب ظنك أنت، فلا تضخمي الأمر، ولا تهونيه،وتعاملي معه بروح الواقع، والرغبة في شخص صالح، مع الالتزام بالإطار الشرعي المناسب، وألا نحرم ما لم يحرمه الله تعالى علينا، وأن نفرق بين الأعراف والتقاليد التي تحكمنا، وبين الأحكام الشرعية الملزمة لنا، وأن تكون هي الحاكمة، مع مراعاة العرف كلما أمكن هذا، إن لم يكن هناك تصادم بين العرف والشرع، فإن وجد، فالشرع مقدم على العرف قطعا، فإنما نتبعد لله بما شرع لنا هو سبحانه، لا بما شرع لنا آباؤنا وأجدادنا.
- د. مسعود صبري