- السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم.. سؤالي عن المربي الروحي.. فكم أحسست بأهمية التربية الإيمانية من رجلٍ خبرها ويستطيع أن يعلّم غيره الوصول إليها، وأنا أعلم أن هذا ليس بالأمر المفروض علينا.. لكن أنا أعلم نفسي حتى الآن جيدا، فرغم نضجي الفكري والحركي، بل حاجة الكثير لي -رغم ضعفي الذي لا يعلمونه- فأنا ما زلت لا أستطيع الاعتماد على نفسي حتى الآن، ودون إطالة: فإن الوقت الحالي لا يمكنني من الاتصال بشخصيات على هذا المستوى رغم كثرة الدعاة، والقليل الموجود إما أنا مشغول أو غير موجود.. ببساطة لا أعلم أماكن أي شخصيات تقوم بهذا الدور، ولا أقصد الدعوة والحركة. قرأت كثيرا كيف كان كثير من العلماء والصالحين يربون ويعاهدون و… أمثال الشيخ عبد القادر الجيلاني، وكيف كان يربي الناس إيمانيا ويعاهدهم بل ويبايعهم بيعة إيمانية. |
- الجواب:
الأخ الحبيب؛
لا أملك إلا أن أقول: قلبي معك، فقد وقعت على جرح غائر وملمح هام من ملامح التربية والتزكية، وأحسب أن ما تقوله أمر لا يمارى فيه، وهو من الأهمية بمكان في حياة الإنسان الصالح، قبل أن يكون في حياة الإنسان المصلح.
وأنا معك أن الشيخ المربي قد عز في هذا الزمان، مع اعتقادي أنه موجود، ولن يخلو منه عصر، عرفه من عرفه وجهله من جهله، ولكني أرى أن ننظر للموضوع بشكل عملي.
فإن كان الشيخ المربي بما يحمل من صفات كثيرة قد عزَّ وندر، فأحسب –وأظنك توافقني، بل ولا خلاف حول ذلك- أن الأمة مازالت بخير، وأن الرصيد الإيماني هو أحد مقومات هذه الأمة مهما رأينا فيها من مظاهر البعد، فهناك قرب شديد من الله تعالى، فلماذا لا تفكر فيما تحتاجه من التربية الروحية، وأن تأخذ من كل من تتوسم فيه صفةً تحتاجها هذه الصفة فتصاحبه فترة، حتى تأخذ منه أجود ما عنده، ثم تنظر غيره، لتأخذ منه أيضا أجود ما عنده، حتى تكمل أنت في نفسك ما تحتاج إليه.
ولكن قبل هذا يجب أن تعرف ما ينقصك من الزاد الروحي، وأن تكون أكثر تحديدا وتفصيلا، ففيما يخص زادك الروحي فأنت تجد في نفسك أمورا فانظر ما ينقصها، وحددها بشكل عملي، ثم انظر من حولك من الصالحين وتعلم منهم.
بل اسمح لي أن أذهب أبعد من هذا فيما يخص العلاقة الربانية، فيمكن لكل إنسان أن ينظر فيمن حوله -حتى من عوام الناس- فإنه سيجد عندهم ما يمكن الاستفادة منه في جانب من جوانب حسن الصلة بالله تعالى.
وأضرب على ذلك لك مثلا: فكثير ممن لا نعدّهم ملتزمين بحركة من الحركات، نجدهم ممن يسارعون إلى الصلوات في المساجد قبل أوانها، ويحرصون على الوضوء في البيت، والذهاب مبكرا، والمكث في المسجد، والحفاظ على الصف الأول، وقول أذكار ما بعد الصلاة.. ربما لاحظت أن هذا موجود في كثير من الناس “العوام” أكثر ممن ينتمون إلى الدعوة والحركة.. فلماذا لا نأخذ هذا منهم؟؟؟!
لاحظت في إحدى صلاتي رجلا أمِّيًّا وكنا نصلي الفجر، فإذا به ينطق بكلمات من الدعاء شعرت فيها بصدق اللهجة مع الله، ومع كون الرجل لم ينطق بالعربية الفصحى، لكني شعرت أنه تكلم إلى الله بلسان المذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والبيان، وهو ما أشار إليه يحيى بن معاذ رحمه الله في آداب الدعاء، كما نقله عنه الإمام النووي في كتاب: “الأذكار”؛ فلماذا لا نتعلم من واقع الناس حرارة الدعاء، والدعاء بالقلب قبل الدعاء باللسان، مع كون كثير منا يدعو الناس ويخطب فيهم ويدعوهم إلى هذا، لكننا نلحظ تطبيق هذا عند غيرنا، ممن لا نعدهم على قائمة الدعاة.
وائذن لي أن أقول لك: إن مساحة التربية الروحية ليست قصرا على الدعاة، بل أحسبها مبثوثة في كل البشر، تجد عند كل الناس ما يوصل إلى الله تعالى.. فكن فطنا، والتقط الحكمة أنى وجدتها فأنت أحق بها.
وإيماني بهذه الفكرة قائم على أساس أن الله تعالى هو رب الناس جميعا، وأن الناس يتقربون إليه بأشكال متباينة في مساحة التطبيق، مما يولد نوعا من الثراء في التربية الروحية، ويا حبذا لو جمعت هذه التجارب الإيمانية، لتكون زادا للمسلمين عامة، وللدعاة خاصة.
فحدد ما تحتاجه من الزاد الروحي، وابحث عنه ووسع دائرة من تأخذ منه هذا الزاد، فإن الله لن يضيعك أبدا، ومن نوى خيرا، وفقه الله تعالى إليه.
تقبل الله منك، ورزقك –وإيانا– منا تصبو إليه.
ولا تنسنا من صالح دعائك.
- د. مسعود صبري