استشاراتالدعوة

حتى لا أكون إرهابية.. يد الطبيب حانية

  • السؤال:
السلام عليكم..
عذرا، فلقد أصبحت أسئلتي كثيرة هذه الأيام، وهذا بعد أن أصبحت مهتمة بالأحداث اليومية الإسلامية والعالمية.. وباختصار: من رمضان الماضي أحسست بأن شيئا قد تغير بداخلي، فأنا محجبة وملتزمة منذ زمن والحمد لله، ولكن ما تغير في هو التزامي في كل شيء وليس ملابسي فقط، وجدت نفسي أقرأ كثيرا في أمور الدين، وأدرك أن هناك الكثير لا أعرفه وأريد معرفته، فتعلمت الكمبيوتر والدخول على النت، وأصبحت أقرأ كل ما هو جديد على المواقع الدينية، والحمد لله الذي وفقني لتعليم ابني -9 سنوات- الصلاة وحبها وحب كل ما هو حلال والبعد عن كل ما هو حرام؛ فابني لا يشاهد الأغاني الفيديو كليب، ويريد أن يصلي كل صلاة في المسجد، ويحفظ القرآن.. وليوفقني الله لتربيته على الإسلام.
المشكلة هي أنني بدأت أرى كل ما حولي حراما وخطأ.. في النادي والشارع والعمارة، أراه بين الأهل والأصدقاء كما يراه ابني أيضا، وأحاول تغييره وأدعو ابني إلى عدم السلبية أيضا، ولكني أشعر بأننا نخبط رأسنا في الحائط، وأخاف أن أقول لكم إنني أصبحت انطوائية إلى حد ما، وهذا عكس طبعي.. أخاف على ابني وزوجي من كل ما حولي، بالرغم من شعوري الدائم بأن الله معي ويستجيب لدعائي ويحيطني برعايته.
ما هذا التناقض في الإحساس؟ وما هذه الحرمات التي تعيش حولنا؟ وما السبيل للعيش في هذا العالم بالدين والمنطق؟
أرجو الإجابة، فأنا أرى أن الإرهابي يبدأ بهذه التساؤلات ويجد الإجابة ممن يستغلون تشتته وانطواءه، ولكنني لن أكون إرهابية وإنما قد أكون عرفت سببًا لما يخلط دائما بين التدين والإرهاب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

  • الجواب:

الأخت الفاضلة أم خالد؛
لا تعرفين كم كانت سعادتي وأنا أقرأ رسالتك، مع ما قد توحي به من الحزن والأسى والبكاء على ما وصل إليه حالنا، ولكني نظرت إلى رسالتك بنظارة أخرى.. لقد نظرت إليها بنظارة التفاؤل والأمل، وأن الخير باق في هذه الأمة، فها هي امراة مؤمنة تخشى على مستقبل هذا الدين، وترجو الخير للناس، وتسعون للإصلاح، بل تربي أولادها على منهج الإصلاح.. ومثيلاتها الكثيرات من المؤمنات الصادقات بفضل الله.

وأقول لك أختي: إنك نبتة على طريق الإصلاح ومن هنا يأتي التغيير، فأنت على خيرٍ كثير، فلا تجعلي روح اليأس تميت هذا الخير فيك، ولا تجعلي للشيطان عليك نصيبا.. إن الشيطان يريد أن يزرع في نفسك اليأس، واستبعاد الإصلاح، وتضخيم الشر، وأنه علينا أن نقعد في بيوتنا، ولا نفكر في تغيير أنفسنا ومجتمعاتنا ولا ندعو إخواننا..
ولكننا نريد أن نجعل الرسول قدوتنا، ففي الوقت الذي كان يمر فيه على أصحابه وهم يعذبون، ويستصرخونه بما له من مكانة عند الله: “يا رسول الله، ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فيجيبهم -وهو مازال في مكة معادى من أهلها، قلة هو وأصحابه في العدد- مبشرا بانتشار هذا الدين، حتى يبلغ ما بلغ الليل والنهار، “ولكنكم تستعجلون”.

أختي؛
حين يفكر كل منا في إصلاح أمته يجب أن ينظر من هو؟ وما حجمه؟ وما يمكن أن يقوم به؟ حتى يمكنه تحديد المساحة التي يستطيع الإصلاح فيها..
فأنت امرأة تعيشين في مجتمع عربي، وحركتك محدودة.. لكنك لست مقيدة، فما تقومين به من النصح للآخرين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ما يجب عليك، و{لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، {لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا}؛ فأنت تقومين بدورك وتؤدين الواجب عليك، فاحمدي الله تعالى أن وفقك إلى هذا واستمري عليه ولا تقطعيه أبدا.

إننا لن نضرب رؤوسنا في الحوائط، فليس المسلم من يصنع هذا، فالمسلم يعمل لله، ومن كان يعمل لله فليس من منهجه اليأس ولا التطير، بل يجعل التفاؤل معه دائما لا يتخلى عنه، نحن في حاجة إلى الثقة بالله، وأن نحسن الظن به، وأن نؤمن بما قاله في القرآن الكريم: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَـٰدُ}،  {كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِىٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌۭ}،   {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًۭا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًۭٔا}، {حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ قَدْ  كُذِبُوا۟ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا  فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ}.

يجب أن نفهم أن نصر الله موجود، وهو متحقق ولو بشكلٍ جزئي، لو نظرت إلى العالم الإسلامي الذي تتابعين أخباره منذ عشرات السنوات، فقد كان أقل التزاما بدينه من الآن.. الآن القنوات الفضائية مملوءة بالبرامج الدينية، والتزام الشباب في المساجد ملحوظ بشكل كبير، والتزام النساء بالحجاب الشرعي أكثر من ذي قبل.. ومع هذا، فإننا نعلم تماما أن الشر مازال موجودا وطاغيا، وهذا يعني أن الخير والشر باقيان، وهما في صراعٍ إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، لن تكون الأرض يوما من الأيام كلها خير، ولن تكون يوما كلها شر، ولكن التدافع بين الخير والشر سنة من سنن الله تعالى في الأرض (ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا”.

  • ولكن على المرء أن ينظر مع أي الفرق يكون، والناس في الدنيا حسب ظني أربعة أصناف:

1- المفسدون، وهؤلاء الذين لا يكتفون بالفساد في أنفسهم بل يسعون لنشر الفساد إلى الغير.

2- الفاسدون، وهؤلاء هم العصاة الذين يرتكبون المعاصي دون أن يسعوا لنشرها إلى غيرهم.

3- الصالحون، وهؤلاء قوم أصلحوا ما بينهم وبين ربهم، لكنهم لا يسعون للأخذ بيد غيرهم إلى طريق الله تعالى.

4- المصلحون، وهؤلاء هم دعاة إلى الله، يدعون الناس إلى الخير والحق.

ومن فضائل هؤلاء المصلحين الذين انضممتِ إليهم –نحسبك كذلك ولا نزكيك على الله– أن الله تعالى يمنع نزول العذاب على أهل الأرض بسببهم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ  ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍۢ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}، وأخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن العذاب قد ينزل على الناس وفيهم الصالحون لأنهم تركوا إصلاح غيرهم، ولما سألت إحدى أمهات المؤمنين النبي صلى الله عليه وسلم: “أنهلك وفينا الصالحون؟” قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم، إذا كثر الخبث).

فاحمدي الله على فضله عليك.. فأنت في كتيبة الإصلاح، وفي جند المصلحين، فهنيئا لك عملك هذا، ولكن لا تجعلي الشيطان ينفث في نفسك اليأس ولا الضعف، بل استمري في طريق الدعوة والله يؤيدك {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوا۟ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}.

إن كل ما نبذله في الدعوة له ثمرته وإن لم نرها، فربما دعوت إحدى أخواتك، ولم تستجب لك.. لكن ثقي أنك هززت شيئا في نفسها، وأثرت فيها جزئيا، وربما جئت أنت أو غيرك فأكمل الدور حتى يأذن الله تعالى بهدايتها، فتشاركي في الهداية وتشتركي في الثواب وإن لم يظهر لك هذا.. ولكنكم تستعجلون.

الدعوة أختي لا تحتاج إلى عجلة، فأعداء الإسلام خططوا سنين ونفذوا ما خططوه في سنين فأتت ثمرة تخطيطهم طبقا لقانون السببية وأن من زرع حصد، ونحن في حاجة إلى أن نخطط وأن نعمل وأن نتمهل.. فهم بقانون السببية أنجزوا، ونحن معنا القانون وخالق القانون، فأي الفريقين أحق بالاتباع والنصر إن كنا عاقلين؟

إن الدعوة إلى الشر، ووجوده في بني البشر –على وجه التغليب لا التعميم– كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، أو أنها شيء هش تهوي به الريح في مكان سحيق، وقد أوضح الله تعالى الفرق بين العملين (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).. فنحن أصحاب الحق، فعلام نرضى الدنية في ديننا، وديننا بريء من كل دنية؟! أنت على ثغرة من ثغور الإسلام فحافظي عليها، وأشركي زوجك معك وحثيه على القيام معك بدور، ودربي ولدك أن يكون إنسانا صالحا، فعسى الله أن يجعله قائدا في ميدان من الميادين، فينفع به الإسلام.. وما ذلك على الله بعزيز.

احتمي بالله، واجعلي أسرتك الطيبة حصن لك، ومع دعوتك سينضم إليك أناس كثيرون، فالناس فيهم الخير الكثير، ولكننا لا نحسن أن نتعامل معهم..
اقرئي كثيرا في كتب الدعوة، وكيف يدعو المرء الناس إلى الإيمان بشيء، فالدعوة علم وفن لها أصول يجب علينا أن نتعرفها، مع فتوحات الله تعالى التي ليست موجودة في كتب، فإنك بعملك في الدعوة تعملين عند الله، ولو لم يكن في عملك فائدة إلا هذا لكفاك فخرا وشرفا أنك تعملين لله رب العالمين الذي سيمنحك العطاء والطمأنينة والثقة، والذي فتح أبوابه حتى نرجع إليه دائما، ونشكو إليه همومنا وكل ما نجد في أنفسنا.. فإنه أرحم الراحمين سبحانه رب العالمين.

وفكري في الجنة.. فهي الدار الوحيدة التي ليس فيها تعب، ولكننا في حاجة إلى أن نتعب وأن ندفع الضريبة حتى نكون أهلا لجنة الله رب العالمين.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الدعاة المخلصين، وأن يرزقنا جنته، وأن يجعلنا إخوة متحابين، على سرر متقابلين في جنات النعيم.
ونسعد بتواصلك معنا فنحن معك، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا معيَّته.
ولا تنسينا من صالح دعائك.

 

  • د. مسعود صبري

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى