- السؤال:
الإخوة الكرام؛ في عصر العولمة والانفتاح الثقافي تردني هذه الأسئلة: هل دعوة غير المسلمين سواء كانوا مواطنين أم في بلاد المهجر والأقليات يعد تدخلاً في حرية الاعتقاد؟ ونفس الوضع مع أهل القبلة وخصوصًا الشيعة بدعوتهم إلى مذهب أهل السنة، مع حسن المعاملة لغير المسلمين، وحفظ حقوق الأخوَّة الإسلامية لأهل القبلة؟ ما هو الفرق بين حرية الاعتقاد والدعوة؟ كيف نردُّ على دعاة العلمانية والليبرالية اللذين يقولون “كيف تحرمون غيركم من الدعوة إلى ما يعتقده في الوقت الذي تريدون أن تصبغوا المجتمع بالصبغة الإسلامية من خلال الدعوة، وهذا يتنافى مع حرية الفكر والتعددية التي تدّعون أنكم تدعون لها؟ لم لا نصارح أهل القبلة وخصوصا الشيعة بما نعتقده -مع حسن المعاملة والأخوة الإسلامية- دون المراءاة وتطييب الخاطر؟ وقد لاحظت ذلك في ذكرى عاشوراء لدى الشيعة في إحدى القنوات وكأن الأمة قد اتخذت رأيًا واحدًا في هذه المسألة؟ ولكم وافر شكري ودعائي لكم بالأجر والمثوبة. أخوكم في الله معاوية. |
- الجواب:
الأخ الفاضل؛
يتسم منهج الإسلام بالتعامل في المخالفين بنوع من الرقي، فنجد أن بعض غير المسلمين يتعاملون مع المخالفين لهم في العقيدة بشيءٍ من الإكراه، فتارة يستخدمون سيف المعز، وتارة يستخدمون ذهبه، ويرصدون لهذا الأموال الطائلة سنويا، وتعقد المؤتمرات للدعوة إلى التنصير وغيره، ولعلنا نجد في سلوكيات غير المسلمين في دولهم فارقا كبيرا عند المتعصبين منهم عنها في غير دولهم، ولا ننكر أن هناك من يتعامل برقي وسمو مع المسلمين في البلاد التي يمثل المسلمون فيها أقلية، لكن مساحات الاضطهاد الديني للمسلمين غير قليلة، وبناء العداوة والحرب على المسلمين باسم الدين واضح في عدد غير قليل من المناطق.
أما الإسلام؛ فهو لا يتدخل في الحرية الدينية، بل هو الدين الذي ينفي في دستوره الإجبار والإكراه الديني ويرسي الحرية الدينية، بل يرفض إكراه أي أحدٍ أن يدخل الإسلام، فجعل الإيمان مقره القلب وليس النطق باللسان فحسب، وكما روي “الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل”، بل إن الإسلام يدعو -إن كانت له الغلبة- إلى حماية غير المسلمين ، فلهم حماية في المجتمع المسلم، ولهم أماكن العبادة، ولهم حقوق على المسلمين يجب مراعاتها، ولعل ما فعله عمر بن الخطاب حين فتح القدس خير دليل، حتى قال القساوسة إنهم رأوا من الأمان في ظل الإسلام ما لم يروه مع إخوانهم النصارى المخالفين لهم في المذهب.
وفرقٌ بين الدعوة والإكراه، فالدعوة هي توضيح فحسب، ثم إننا ندعو الناس إلى ما فطرهم الله تعالى عليه: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) رواه البخاري، فحين ندعو الناس إلى الإسلام فإنما ندعوهم إلى الفطرة ولا نجبرهم عليها، كما أننا نريد أن نحقق ما ارتضاه الله تعالى للبشرية حسب ما شاء الله لا ما شئنا نحن وفق معتقدنا: (ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَـٰمَ دِينًۭا).
كما أننا كمسلمين نؤمن أن رسالة الإسلام ليست للمسلمين فحسب، بل جاء الإسلام لصالح البشرية جميعا: (وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ إِلَّا رَحْمَةًۭ لِّلْعَـٰلَمِينَ)، فندعو إلى قواعد الإسلام ومنهجه، وربما أخذ البعض هذا المنهج ولم يعتقده وإنما نفذه، وربما أخذ البعض هذا المنهج وطبقه ونفذه دون أن يعتقده، وإن قبله كمعتقد ومنهج حياة فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم.
أما ما يخص مسألة الشيعة، فمن كان يؤمن بالكتاب والسنة وأصول الإسلام من الشيعة فهم جزءٌ من أمة الإسلام، ولو اختلفنا في أشياء لا تخرج عن الملة، وهناك فرق بين الخطأ في الدين، والخطأ الذي يخرج عن الدين، والذي هو من القطعيات والمعلوم من الشريعة بالضرورة.
وفي حوارنا مع إخواننا من الشيعة يجب أن نقرب أكثر مما نفرق، ولكن في ذات الوقت يجب أن نوضح لهم ما نعتقد أنه خطأ عندهم، بشكل يناسب رؤية التقريب، وفي مجالس خاصة، وإن كان الله تعالى دعانا إلى أن نخاطب المخالفين في العقيدة بالحسنى، فمن باب أولى أن نخاطب إخواننا في العقيدة الذين أخطئوا في بعض الأشياء بالحسنى وأن يكون الحوار بالحسنى هو الأساس بيننا وبينهم، وأن نتعاون معهم فيما يخص أمة الإسلام، مع الحفاظ على الخصوصية.
ويجب أن نميز في حوارنا معهم بين مساحات الخلاف في الرأي وبين الاشتراك في العمل والعطاء، فإذا كان الإسلام لم يحرم علينا التعاون والتعالم الحياتي مع المخالفين في العقيدة، فإن مشاركتنا إخواننا في العقيدة المخالفين لنا في بعض الأمور أولى، وأن تُقدّم مصلحة الإسلام على غيرها من المصالح.. ومن نوى خيرًا وفقه الله تعالى إليه.
وأتمنى أن تكون في هذه الكلمات إجابة على تساؤلات، وشكر الله كل على طرحها
- د. مسعود صبري