- السؤال:
لا أعرف كيف أبدأ رسالتي، ولا من أين أبدأ.. فأنا فتاة عربية تعيش في الولايات المتحدة منذ أحد عشر عاما، متزوجة ولي ثلاثة أطفال، هم كل أملي في الدنيا. تزوجت وأنا في السابعة عشرة، ولم أوفق في زواجي الأول، وطلقت منه بعد عام واحد. وبعد مرور أشهر العدة تقدم لخطبتي ثلاثة، وفي نفس الوقت تقدم لخطبتي قريبي، وكان عزبا حاصلا على شهادة الدكتوراة من أمريكا ولم يتعد الثلاثين؛ بمعنى آخر: أي فتاة تتمناه، فوافقت عليه، وتزوجنا، ورزقت بطفلين، وبعد ثلاثة أعوام من زواجي وجدت أن زوجي مغرم بفتاة أخرى ومهتم بها لدرجة الجنون؛ لدرجة أنه يثقب الحائط المجاور للحمام ليراها وهي بالحمام. سأروي لك بعض الأحداث: عندما تقدم رجل لخطبتها لجأ لي لإقناعها بأنه لا يناسبها، وعندما قلت له بأنه لا يعنيني بدأ يضرب رأسي بنافذة السيارة إلى أن هربت من السيارة، ولجأت لأحد المحلات الساعة الثانية صباحا، وكانت مغلقة، ولكن عامل النظافة سمح لي باستخدام التليفون للاتصال بأهلي. حادثة لا يمكن أن أنساها عندما قرروا السفر إلى بلد آخر وجاء لي، إما أن تقنعيهم بالبقاء أو الطلاق، وقلت له: “افعل ما تشاء”، ولكنه بدأ بالضرب والنتف من شعري. وآخر شيء فعله وضع السكين على رقبتي؛ إما أن أفعل ما يريد أو قتلي، وتمنيت من الله الموت في هذه اللحظة، وانتهت المشكلة بسفرهم من عندي. هل تعلم من هي هذه الفتاة؟!! هي أختي الغالية وأعز من أختي، إذا كان فيه وصف أكثر من أختي، رأيتها وهي تصفعه على وجهه عندما حاول الاعتداء عليها، يا رب ماذا أفعل؟ ومضت الأيام، وتزوجت، وحملت، وجاءت عند الأهل لتلد أول طفل لها، وكنت حاملا بطفلتي الأخيرة، في هذا الوقت جاء لي يصرخ ويقول: كيف أن أختي تضع الحجاب أمامه؟ وفي نفس الوقت من أشرف على عملية ولادتها؟ طبيب وليس طبيبة؟ يا رب ساعدني. وبدأت مرحلة مرضي، وبدأت أصاب بحالات إغماء وصداع شديد وعولجت، وكان السبب نفسيا أكثر من أنه عضوي، وشفيت والحمد لله. وبعد مرور خمسة أعوام على هذه الحوادث بدأ يفعل الشيء نفسه مع أختي الصغرى، بلدتي بعيدة عن أهلي ثلاث عشرة ساعة، وعندما يأتي الصيف أذهب لقضائه عندهم، وزوجي يرجع لشغله في بيتنا لمدة شهرين، وفي هذه الصيفية فوجئت به يرجع بعد أسبوع واحد ليمضي معنا الصيف، وبعد مرور يوم واحد من رجوعه وجدته جالسا على قدميه تحت باب الحمام ليحاول أن يرى ما يستطيع أن يرى، وبيده مرآة يضعها من تحت الباب ليرى من بالداخل، يا رب ساعدني.. كان موعد خروج أختي التي لم تكمل عامها السابع عشر إلى المدرسة ليظهر أمامها وهو عارٍ من كل الأدب والخلق والحياء والملابس، صدمتْ، وأنا صدمتُ عندما علمت بالأمر، ومن غير أن أدري وجدت نفسي أضرب رأسي بالحائط لأتخلص من كل ما رأيته وسمعته، أختي تصغره بخمسة وعشرين عاما بماذا يفكر؟ يا رب ساعدني، نار تحرقني كل يوم، مصيبة بداخلي، وإن حكيت فمصيبة أكبر على أولادي، ماذا أفعل؟ لا تقل: الجئي إلى دكتور نفسي؛ لأني لو أستطيع عمل هذا لكنت فعلته منذ زمن بعيد، ولكنه دكتور بالجامعة.. هل تظن أنه ممكن أن يرضى؟ لجأت لأسلوب المواجهة ولم يؤثر به، وآخر حل كان بيدي أن أتصل بأخيه؛ فهو دكتور، ومن المؤكد أنه سوف يتفهم الوضع، ويبحث معي عن حل، ولكن أمي نصحتني بأنها سوف تكون النهاية لحياتي معه، فوجدت أولادي أمامي، يا رب ساعدني، فإذا كان عندكم الحل فما هو؟ وآسفةعلى طول الرسالة؛ فهذه أول مرة أفتح ما في قلبي، وآسفة مرة أخرى على طول الرسالة، ولكني أسألكم: ما رأي الدين بتصرفاته؟ وما رأي الطب؟ وماذا تنصحونني بعمله عند تكرار مثل هذا العمل؟ حاولت كثيرا معه بالمواجهة بتصرفاته مرة، وأخبرت أهلي، وكان الحل عند والدي الطلاق وعدم دخول بيته، وعندما فاض بي الأمر طالبته بالطلاق، جاء لي راكعا، ولن تصدق بأنه أخذ بتقبيل يدي لأتراجع عما أنا بصدده، وتنازلت بسبب أولادي، ولا أنكر أنه أعطاني كل حريتي بكل شيء إلا بشيء واحد؛ كرامتي وإحساسي، وهذا هو الثمن للعيش مع إنسان مريض مثله. وكمثال على أفعاله أخبرتني أختي أن هناك إيميلا غريبا على الـ”إم إس إن مسنجر” الخاص بها، طالبتها بكلمة السر لأرى ما هو هذا الإيميل، وتصور أني وجدت نفس الإيميل على كمبيوتر زوجي، وعندما ظهرت له باسم آخر، وهو اسم أختي على الأمس على أنها ترغب بصداقته، وتحدثت معه على أني أختي. وفي النهاية بدأ بسفالته، وبدأ يقول لها بأنه يحب صداقتها، وبدأ بوصف طرق “وسخة” مثله؛ فلم أسكت له، ووبخته ووصفته بألعن الصفات، وبدأت أخوفه من عقاب ربنا له، ومن أفعاله، فرجع إلي البيت من شغله وهو لا يدري ماذا يقول، وأي واحد ممكن أن يرى التغيير على وجهه وخوفه، ولكن يا سيدي الفاضل ماذا يمكن أن أفعل؟ مع العلم أن أمي تعرف بكل شيء، وليس بيدها إلا الدعاء عليه.وإذا الوالد عرف فليس هناك أي حل آخر عنده إلا الفراق وتطليقي منه. أنا بدأت أيأس منه ومن نفسي، ماذا أفعل؟ في النهار تصير المصادمات بيني وبينه والمشادات من غير المواجهة، وآخر الليل يأتي ليقول لي: إنه يحبني ولا يستغني عني، ويحاول أن يلمسني، كرهت نفسي، وكرهت جسمي؛ لأنه يلمسني، ونظرة أولادي تعذبني، ارحمني يا رب.. ارحمني يا رب. هل تعلم يا سيدي ماذا فعل؟ من فترة ذهب عاريا من ملابسه الداخلية، واستغل الفرصة أن أختي بالمطبخ، وبيّن لها نفسه وهو عارٍ، ماذا تريدني أن أفعل؟ إذا طلقت منه فهل باستطاعتي أن أتحمل مسئولية ثلاثة أطفال مرفهين، وكل شيء يطلبونه يكون تحت أمرهم، وأحرمهم من النعيم الذي يعيشون فيه، وإذا بقيت على ذمته فماذا أفعل بحالي؟ كرهت نفسي وكرهت الدنيا كلها، حطمني وحطم أي شيء يمكن أن أتذكره به، لم يبق لي إلا أولادي، وحتى أولادي أخاف عليهم منه، اليوم هم أطفال ولكن ابنتي عندما تكبر ما الذي يمنعه من التعرض لها؟ وهل الذي عنده شذوذ؟ وهل يمكن أن يمنعه أن هؤلاء أولاده؟ يا رب ساعدني.. يا رب.. يا رب. |
- الجواب:
الأخت الفاضلة، أؤكد بداية أن حل هذه المشكلة يجب أن يخرج بنظرة شرعية اجتماعية، ولا يستقل بها أهل الاجتماع ولا المتخصصون في الفقه؛ وذلك لتشابك الوقائع.
وحين ننظر للمسألة وفقا لرؤية الفقهاء؛ فإنه يظهر لنا أن سوء عشرة الزوج لزوجته يحل لها طلب الطلاق، حتى لو كان الزوج رافضا، فترفع المرأة دعوى قضائية على زوجها، تثبت خلالها سوء عشرته لها، ويجبر القاضي الزوج على الطلاق، فإن رفض الزوج الطلاق، طلق القاضي المرأة رغما عن الرجل؛ حفظا لكرامتها وإنسانيتها، وذلك امتثالا لمنهج الإسلام في الحفاظ على المخلوق الذي خلقه الله تعالى، ولإخلال الزوج بواجبات عقد الزواج الذي تجب فيه المعاملة الحسنة، والمعاشرة الطيبة، ولبعد الزوج عن القانون الأساسي في الزواج، وهو قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. ووصايا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دعا وأوجب على الأزواج أن يحسنوا إلى زوجاتهم كثيرة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”، وقوله: “ما أكرمَ النساءَ إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم”. وكانت آخر وصاياها صلى الله عليه وسلم: “الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم”.
ومثل الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة العملية في حسن تعامله مع زوجاته، ولعل من حكمة الله تعالى أن عدّد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتزوج بأكثر من واحدة، وعاش سعيدا في حياته، ليعطي المثل لمن كانت عنده زوجة أو أكثر أنه يمكن له أن يعيش سعيدا، وأن هذا ليس بالمستحيل، مع ما في الحياة من خلافات ظهرت في حياته صلى الله عليه وسلم، وسطرها القرآن الكريم تتلى إلى أن يوم الناس لرب العالمين.
وحين نعود للحكم الشرعي: “يجوز للمرأة طلب الطلاق لسوء العشرة”؛ فإن معنى هذا أنه يجوز لها لكنه ليس بلازم، بل هذا حق لها، والحق قد يستعمله صاحبه، وقد لا يستعمله؛ فهذا شأنه هو، وهذا الحق يظهر في النظرة القانونية. أما اختيار الناس فهم كما قال صلى الله عليه وسلم “أنتم أعلم بشئون دنياكم”؛ فقد تكون سوء العشرة أخف بكثير من أن تعيش المرأة وحدها مع أولاد لها تكابد أهوال الحياة بلا شريك، ربما تتحمل شره؛ لأنه قد يكون ضررا قليلا، في مقابل ما يعود عليها من نفع، وما تدفعه عن نفسها من ضرر كبير، وهذا بناء على ما قاله الفقهاء: “الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف”، والقاعدة الفقهية: “إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما”، وإن كانت هناك مفاسد ومصالح، فالأولى أن نسعى لسد المفسدة، دون النظر إلى المصلحة إن كان هناك تعارض، أو ما يعرف بواجب الوقت، فيقدم دفع الضرر على جلب النفع؛ لأن جلب النفع إنما هو شيء زائد عن حاجة الإنسان، أما دفع الضرر فهو ينقص من حالة الإنسان؛ فكان الحفاظ على حالة الإنسان أولى، ومن هنا قال الفقهاء: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، غير أن الأمر ليس بهذه القطعية، فلا تعارض بين درء المفسدة وجلب المصلحة دائما؛ لأن في درء المفسدة إفساحا لدخول المصالح.
وفي حالة الأخت يجب النظر إلى مفاسد البقاء مع الزوج، ومصالح البقاء، وأن نعرف أنواع ودرجات المفاسد والمصالح، ويراعى في هذا كليات الشريعة الخمس من حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، فلو غلب على ظنها أن زوجها قد يقتلها فيجب عليها أن تحفظ حياتها، وتطلق منه، أو أنها قد تفتن في دينها، فيجب عليها ترك زوجها فورا؛ لأنه لن يشفع لها عند الله؛ إذ إنها أمة الله، والله تعالى هو الذي يحاسب الناس، وليس للزوج في الحساب شيء، إنما هو عبد لله مثلها.
كما يجب النظر إلى درجات المقاصد من الضرورات والحاجات والتحسينات، فما كان ضرورة يجب إبقاؤه، وما كان حاجة يقدم على غيره، وما كان تحسينا يمكن التخفف منه.
فهل بقاء الرجل مع زوجته يعد من الحاجات أو الضرورات؛ فيجب علينا أن نسعى للحفاظ عليها، أم أنه ضرر لا يحتمل، فيكون فراقه أخف ضررا، حتى ولو كان الزوج طرفا في تربية الأولاد، ولكن ماذا لو خشي منه على تربية أولاده؟ فالإسلام لا يقصد بالأسرة وجودها فقط، ولكن أن تقوم بدورها؛ فنحن لا نريد هيكلا، ولكن نريد جوهرا؛ فالأسرة لها أدوار يجب تحقيقها، والأسرة دونها لا معنى لها.
كما أن خطأ الزوج وسعيه الدائم وراء الجنس، إما أن يكون مرضا يعالج منه، وعلى المرأة أن تصبر، أو أن يكون صفة دائمة فيه؛ فهل يمكن للمرأة أن تتحمله أم لا؟ فإن كانت تستطيع تحمله مع الأذى الذي يلحقها من أجل أن تبقى زوجة مع زوجها وأولادها، فليكن التحمل أولى، أما إن كانت لا تستطيع التحمل؛ فإن الله تعالى قال : {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، وقال: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}.
وإن رأينا أن ضرره أكبر، وأن الأولى هو الانفصال؛ فلنعطِ له فرصة لأن يصلح من نفسه، ويكون الأمر بشكل واضح، وأمام بعض العقلاء؛ فإن أصلح من نفسه فالحمد لله، وإن استمر على غيه، فلك ساعتها أن تختاري الفراق؛ فقد يكون فيه خير..
وقد علمنا الإسلام دائما أن نعمل وسيلتين:
الأولى: الاستشارة، وجزء منها ما يحدث الآن من استشارة المتخصصين الشرعيين والاجتماعيين، وكذلك أيضا من تراه حكيما عاقلا ممن هو قريب منك، والأخرى هي الاستخارة بصلاة ركعتين، تسألين الله تعالى أن يريك الأوفق لك، وساعتها تيقني أن الله تعالى لن يضيعك أبدا، وأنه سبحانه وتعالى سيحفظك من كل شر؛ ذلك لأن عقولنا قاصرة، وأننا نفكر بما أوتينا من عقل وعلم، وما لنا من خبرة وتجارب، لكن كل ذلك ظن لا يقين، أما اليقين فلا يعلمه إلا الله تعالى، ولهذا فنحن نستخير الله تعالى، حتى يهدينا الأصوب لنا، مع أننا نسير بالأخذ بالأسباب، حسب ما قضى الله تعالى أنه بنى الدنيا على قانون السببية.
ومن الأمور المهمة أيضا في مثل هذه المسألة مشاركة المجتمع المحيط في الحل؛ فالمسألة فيها أفراد، هم: أنت، وزوجك، وأولادك، ومن يتعامل معهم زوجك ممن يحب التعامل معهم جنسيا أو غير جنسي..
ولكن يجب النظر أولا إلى هذه الحالة، هل هي حالة مرضية، فيجب أن يعالج منها، أم أن هذا نتاج الانشغال بالجنس، بما أحدث هيجانا جنسيا، وثورة تحتاج إلى من يخمدها؟ وفي ظني أن الانشغال بالجنس دون أن يكون حالة مرضية أخف بكثير، وعلى كلٍ فتشخيص هذه الحالة هو اختصاص المستشارين الاجتماعيين والنفسيين، وقد يكون في جزء من العلاج بعض الوسائل الإيمانية التي تساعد الإنسان على الخروج من حالة العصيان إلى حالة الطاعة والإيمان.
لعلي فتحت بعض الأشياء التي يمكن أن تكون مفيدة، وأحب أن أقول للسائلة:
لسنا من أنصار أن نقول للسائل: افعل كذا أو كذا، ولكن هي مناقشات لإعطاء مفاتيح، يمكن أن تنير لك الطريق..
وقبل كل شيء وبعده، اعتصمي بالله؛ فما لنا من عاصم إلا هو سبحانه وتعالى، وتذكري دائما أن قدر الله خير، وأن العلم لله وحده، كما قال سبحانه: {وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُون}.
- د. مسعود صبري