- السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو أن تتسع صدوركم لمشكلتي.. وأتكلم بصراحة.. فأنا كنت أمارس العادة السرية قبل الزواج إلى أن تاب الله عليّ وأقلعت عنها، ثم منّ الله علي بنعمة الزواج -ولله الحمد- فتركتها غير مرة أو اثنتين بعد الزواج؛ نظرا لغياب زوجتي عني، ولكن ولله الحمد لم تدم كثيرا وتبت واستغفرت ربي. وأنا الآن مسافر في إحدى الدول العربية منذ بضعة أشهر، ولن أستطيع أن أحضر زوجتي قبل عام؛ فأود أن أستفسر عن عدة نقاط:
هل عليّ من إثم لترك زوجتي لمدة عام دون جماع، علما أني سمعت أن الرجل لا يجوز له أن يترك زوجته أكثر من 6 أشهر إلا بإذنها، مع العلم أني من الممكن أن أحضر زوجتي إلى هذا البلد ولكن أنا لم أستقر بعد في العمل لسببين، وهما: وأنا على وعد من الشركة التي أعمل بها أن يتم رفع الراتب بعد عام، وعلى هذا الأمل أصبر وأصبر أهلي، وخلال هذه الفترة بإذن الله أكون قد ساعدت أهلي ورتبت أموري، علما أني وزوجتي ولله الحمد ملتزمان، وزوجتي تحفظ كتاب الله عز وجل وعلى قدر كبير من الدين والأخلاق، ولكن أعلم أيضا أنها امرأة وتريد أن تقضي شهوتها.
هل يحق لي أن أتكلم مع زوجتي على الإنترنت في أمور الجنس، وأن نتذكر معا ما كان يحدث بيننا في أوقات الجماع؟ وإذا كان هذا يجوز فهل لنا أن نتأثر بهذا الكلام وأن نقضي شهوتنا؟ وهل ما فعلناه صحيح أم خطأ؟ وإذا كان صحيحا فهل نستمر في هذه الممارسة من وقت لآخر حتى تهدأ شهوتنا أم نبتعد عنها تماما؟ وهل من الممكن أن يؤثر هذا بعد ذلك على علاقتنا الجنسية الطبيعية؟ وهل نحن مخطئون مذنبون؟ وبماذا تنصحوننا أن نفعل حتى تهدأ شهوتنا ونكفر عما فعلناه؟
هل المقصود بالإتيان من الدبر المنهي عنه الإدخال التام أم يشمل كذلك الاحتكاك دون إدخال؟ وهل يكون حكمه كحكم الإتيان في الدبر؟
وأنا آسف على هذا الكلام.. هل يجوز لي ممارسة العادة السرية من وقت لآخر لتهدئة شهوتي التي تزداد يوما بعد يوم، وأنا لا أطلب رخصة للممارسة ولكن أطلب تهدئة شهوتي فقط؟ علما أني ولله الحمد مواظب على صيام يوم في الأسبوع، وكذلك بعض الأيام مثل أيام العشر من ذي الحجة، ولكني أفكر كثيرا في زوجتي وفي أيام الزواج وملاطفة الزوجة وجماعها مما يهيج شهوتي، ويجعلني أبحث عن قضائها، وأسأل الله أن يحفظني حتى يجمعني بزوجتي على خير. آسف جدا على الإطالة، وجزاكم الله خيرا. الرجاء التماس العذر إذا كان في كلامي شيء خارج عن الأدب والذوق العام، ولكني أردت أن أشرح لكم وضعي الطبيعي حتى يتسنى لكم مساعدتي في حل المشكلة، وإعطائي الجواب الذي أسال الله أن ينفعني به. أعلم أني أطلت عليكم، ولكن سامحوني، أردت أن أعف نفسي وأريح ضميري، بالله عليكم لا تتأخروا عليّ؛ فأنا والله محتار، والأمر صعب جدا للغاية، والله نسأل أن يجعله في موازين حسناتكم.. |
- الجواب:
الأخ المغترب:
مرحبا بك، ودعني أناقشك في النقاط الأربع التي طرحتها:
- النقطة الأولى:
نقول بداية: ليس في النصوص الشرعية، أعني الكتاب والسنة تحديدا لمدة غياب الزوج عن زوجته، والقول بستة أشهر هو ما مال إليه المذهب الحنبلي، بناء على فتوى عمر رضي الله عنه في ذلك، والأخذ بقول المذهب الحنبلي جيد، لكنه يوقع كثيرا من الناس في الحرج، ولا يمكن اعتماده مبدأ عاما في كل الحالات، فهناك من النساء من لا تحتمل ستة أشهر ولا أقل منها، وهناك من النساء من تتحمل سنة وسنتين أو أكثر، ويرجع ذلك إلى حاجة المرأة إلى الجماع، وسنها والمؤثرات التي تثيرها وتجعلها في حاجة ماسة إلى الجماع، وهذا يعني أنه بالنسبة لغيابك وإثمك يرجع إلى التفاهم بينك وبين زوجتك، والحاجة إليه من كليكما، لأن الجماع حق مشترك، لا يجوز لإنسان أن يأخذ فيه قرارا وحده، فإن كنت تتحمل ولا تتحمل هي، فواجب عليك إعطاؤها حقها، والعكس، ولكن إن ارتضيتما أن يكون السفر لمدة ترياها مناسبة، فهذا لكما، وقد اعتاد كثير من المسافرين أن يكون لهم فترة إجازة سنوية يرجعون فيها إلى أهلهم، فلا تحرم أهلك منها على الأقل.
- النقطة الثانية:
وهي الحديث الجنسي بينكما عبر وسائل الاتصال الحديثة من الإنترنت أو الهاتف، فنقول:
إن الحديث الجنسي بين الزوجين في حد ذاته ليس محرما، فللزوجين أن يتحدثا بما يشاءان بما يشبع رغبتهما الجنسية، أو لإثارة الشهوة بينهما، وبناء ذلك ما قاله الأصوليون في القاعدة الشهيرة: الأصل في الأشياء الإباحة، حتى يرد النص بالتحريم، وهو ما عليه جمهور الأصوليين،وإن خالفهم البعض في هذا.
ولكن الشرع طلب من الزوجين أن يكون الجنس بين الزوجين سرا، بل نهى الشرع الحكيم أن ينشر الكلام الخاص بين الناس، ففي الحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم:” إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها”، وفي رواية الإمام مسلم:” إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها”، ويقول الإمام المناوي تعليقا على هذا الحديث: يعني” يبث ما حقه أن يكتم من الجماع ومقدماته ولواحقه فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل”.
فالكلام الجنسي بين الزوجين مباح في أصله، ولكن الشارع طلب ستره، فإن كانت الغربة –كما هو الحال- تجعل الزوجين في حاجة إلى الكلام الجنسي بينهما فلا حرج في هذا، على أن يتوخيا أن يكون ذلك بينهما، وإسقاطا للكلام على الوسائل الحديث، فإنها في الظن محل خطر، لأنه قد يكون هناك تجسس على الإنترنت، ولكنه قد يكون أيضا هناك تجسس على الهاتف، وهذا يعني منع الكلام لمن يرى هذا، ولكني لا أقول به، لأن هذا احتمال، وليس حقيقة، ويمكن الاستعاضة بهذا أن يتخير الإنسان الوسيلة الغالب على الظن أنها مأمونة، مثل أن يكون عنده غرفة ” بال توك” خاصة، ويتم الحديث عنها بالصوت، وهناك إمكانية ألا يدخل هذه الغرفة أحد، وعلى كل، فإن التجسس على هذا الكلام هو الحرام الذي لا خلاف حوله، أما أن يحرم الكلام بين الزوجين، فهذا نهي لشيء فيه إباحة في الأصل، وقد يكون هذا الكلام يطفئ الحاجة إلى الجماع، نظرا للظروف التي ارتضاها الزوجان.
ولكني أقول لك: إن إشباع الحاجة بين الزوجين ليس في الجنس وحده، فالعاطفة وكلام الحب والغرام والهيام ومعسول الكلام هذه أيضا مشبعات، ولكن المشكلة أنك حصرت نفسك، ووضعت رأسك في دائرة ضيقة هي الجنس، و المثيرات قد تدفع الإنسان إلى الحاجة للجنس، والابتعاد عن المثيرات قد تجعل الإنسان في حاجة إليه، أو ليس ملهوفا عليه، وقد يكون الحديث عن المستقبل والأولاد، والسؤال عن الأهل والبلد، والدردشة حول القضايا المشتركة بينكما، وهذا يعني ألا تحصر نفسك في الجنس وحده، وإلا فستعيش في دوامة لا تنتهي، لأن هذه الإثارة تدفع إلى العادة السرية، وإن كنت لا أرى حرمة في العادة السرية التي تكون الزوجة فيها سببا، غير أن كثرتها ضارة، فينهى عن الإسراف فيها، ولأن العادة السرية قد تدفع إلى محرم، أما وجودها مع الزوجة، فغالب الفقهاء يرون أن استمناء الرجل بيد زوجته مكروه، وبعضهم يراه أنه مباح، لأنه ليس فيه نهي بين الزوجين، وإن كنت أرى كراهته إن كانت الزوجة موجودة، ولكنه إن حصل في بعض الحالات مع الغربة، تخفيفا للشهوة، فأرجو ألا يكون به بأس.
- النقطة الثالثة:
أما عن الإتيان في الدبر، فالإجماع قائم على أن الإتيان في الدبر حرام حرام حرام، آثم فاعله عند الله سبحانه وتعالى، ويجوز للزوجة أن تطلب الفراق والطلاق من زوجها إن أصر على هذا، ولكن المداعبة قرب الدبر ليس بحرام، وإن كان يمكن الحكم عليها بالكراهة، لأنها قد تدفع المرء إلى الحرام، والمكروه كما عرفه الأصوليون: هو الذي يثاب المرء على تركه، ولا يعاقب على فعله، ولكني لا أحبذه إطلاقا، لأننا أصبحنا نتبع الثورة الجنسية بأشكالها، مهما كانت تخالف شرعنا وتقاليدنا التي تربينا عليها في مجتمعاتنا.
و لا ننسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن من أتى أمرأة في دبرها.
- النقطة الرابعة:
أما عن ممارسة العادة السرية وحدك، فإن الذي قاله الفقهاء أن العادة السرية ينهى عن فعلها، وأباحها الإمام ابن حزم والإمام أحمد بن حنبل، على من غلبت عليه شهوته، وخشى على نفسه الوقوع في الحرام، و هذا يعني أنه لا خلاف بين الفقهاء في المسألة، فالأصل أنها منهي عنها، ولكنه يلجأ إليها في حالات استثنائية، عملا بقاعدة أخف الضررين، فأن يخرج الرجل بعض مائه وحده، خير من أن يخرجه في حرام، وما يترتب على ذلك من العقاب الشديد لمخالفة أمر الله، وما يتبع ذلك من اختلاط الأنساب، و من أباحها في حالة الحاجة لم ير الإكثار منها.
وأقول لك ما قلته لك سابقا: إن عيشك في دائرة الجنس هو الذي يجلب عليك ذلك كله، ولكن انشغالك ببعض الأمور الأخرى البعيدة عن الإثارة، والإنسان هو الذي يجلب لنفسه فعل الأشياء، فإن كنت مثلا تجلس أمام الفضائيات التي تعرض الجنس، فشيء طبيعي أن تكون في حالة إثارة وهياج وتحتاج إلى تفريغ، أما إن أبعدت نفسك عن هذا الجو فلن تكون في حاجة إلى الإثارة ولا إلى التفريغ.
وأنصحك أن تتكلم مع زوجتك في موضوعك، و اعرف منها حاجتها وحاجتك، من الحاجة النفسية، وما يمكن أن يعوض من خلال الكلام الذي قلته لك، والحاجة الاقتصادية وغيرها من الحاجات، ووازنا بين حاجاتكما، وقررا بعدها، إما الاستمرار في العمل وأنت في السفر، أو الرجوع مع الاكتفاء بالقليل، ولكني أوضحت لك ما أحسبه صوابا من الناحية الفقهية، أما قراراتك، فهي لك مع زوجتك كليكما ” وأمرهم شورى بينهم”، ولأن الأمر لا يخصك وحدك، فشاور زوجك، وفقك الله.
- د. مسعود صبري