استشاراتالجنس والغرام

مالهم ومالي: عيشٌ جماعي أم انعزالي؟

  • السؤال:
عمري الآن 16 عاما، منذ أن بلغت وأنا في ال 14 تقريبا و بدأ الشعر يظهر على جسدي، بدأت بحلقه أو نزعه، في الحقيقة لا أذكر لماذا قمت بهذا الشيء ولكني أحسست بثقة أكبر بعد ذلك.

لم يكن في ذلك الوقت أي مشاكل ولكن عندما أصبحت في 15 بدأت ألحظ بأن المجتمع القريب من حولي مثل أمي وأبي يرفضون ذلك دون شرح أسباب مع أني شرحت لهم أني أقوم بشيء لم يحرمه الدين أبدا و لا يتنافى معه، وكل ما أسمعه هو قولهم أن هذا غلط وأن الشاب يجب أن يكون (مشعراني).

والآن أصبح عندي مشكلة كبيرة حتى أني لا أشعر بالراحة في مجتمعي أشعر بأنه متخلف منغلق -مالهم ومالي- وأصبحت أتساءل إن كنت على خطأ أم لا؟

أنا شاب خلوق جدا، والكل يمدحني من أمامي أو من وراء ظهري، أعطاني الله جمالا والحمد له..

 

الجواب:

الأخ الفاضل:
الاختلاف طبيعة بشرية، كتبها الله تعالى على عباده، فلسنا كلنا شيئا واحدا.

فاختلاف الطبائع والأمزجة والتفكير وغيرها من عشرات بل مئات الاختلافات الموجودة بين الناس، ومثل هذا لا يقلق منه.

غير أننا يجب أن ننتبه إلى مراعاة العرف والعادة في كثير من الأمور، واضرب لك مثلا على هذا، فلو مشى رجل ساترا عورته الشرعية ما بين السرة والركبة ببشكير مثلا، أو أنه لبس شورطا وتي شيرت بلا كم، وسار في الشارع، أما يثير هذا استهجانك أنت؟؟

مع أنه في الشرع قد غطى عورته وسترها كما هو مطلوب منه، لكن العرف في التفكير الشرعي والتفكير الاجتماعي، بل والتفكير النفسي أمر معتبر، يجب ألا يغفل، وربما أتذكر المثل القائل: كل ما يعجبك، والبس ما يعجب الناس. ونضيف عليه شريطة أن يكون موافقا للشرع.

إن الإسلام فيما يخص حلق الشعر من الجسد أمر بحلق العانة وشعر الإبط، لأن في عدم حلقهما ما قد ينتج عنه من ضرر في الجسد، وكذلك جاء الإرشاد بقص الأظافر، وحث على النظافة عموما، وجعلها من شعائره، وقديما كانت تعرف بيوت المسلمين عن غيرها بنظافتها.

أما من الناحية الشرعية، فليس هناك ما يحرم حلق شعر الجسد من البطن والصدر والفخذين والساقين ونحو ذلك، لأنه لم يرد شيء في القرآن ولا في السنة ينهى عن هذا الفعل، والنهي الوارد إنما هو في الأخذ من الحاجب، وكذلك الحث على ترك اللحية، سواء أكانت سنة أم واجبا، كما أن الأمر خلافي بين الفقهاء.

وقد سئل الشيخ ابن باز – مفتي السعودية السابق، رحمه الله، من شاب يريد حلق شعر بطنه، فقال:

يجوز إزالة الشعر مما ذكر بما لا ضرر فيه على البدن ما دام لا يقصد به التشبه بالنساء أو الكفار لأن الأصل هو الإباحة، ولا يجوز للمسلم أن يحرم شيئا إلا بالدليل ولا دليل يدل على تجريم ما ذكر وسكوت الله سبحانه وتعالى وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك يدل على الإباحة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع لنا قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة وأباح للرجال حلق الرأس ولعن النامصة والمتنمصة، وأمرنا بإعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها وسكت عما سوى ذلك؛ وما سكت الله عنه ورسوله فهو عفو لا يجوز تحريمه لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها.)

ولكن أحب أن أنوه أخي إلى مقصده من الفعل، نحن كبشر نأتي أفعالا، وتكون لنا دوافع من ورائها، وليس فعل الأمر لمجرد أننا نريد أن نفعله، فلتنظر ما المقصود من حلق شعر جسدك؟ وهل فائدة ترجوها منه؟ وتفكر في الوسائل التي تحافظ على الطابع الاجتماعي لك، وأن تقنع غيرك بأنك تفعل هذا الشيء من أجل بعض الأشياء، وكم من الناس كانوا ينكرون علينا بعض التصرفات، ولما علموا الهدف منها، تفاهموا الموضوع.

وقد حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا له جاره الذي دائما يؤذيه، وتكرر الموقف مرات عديدة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج ببعض متاعه حتى يراه الناس، فلما رآه الناس، سألوه عن سر صنيعه، واستغربوا فعله، فلما أعلمهم أن جاره يؤذيه، ولا يجعله مستقرا في حياته، ويكاد يخرجه من بيته، تفهم الناس الفعل الغريب الذي قام به الرجل، ودعوا على الظالم، فلما علم الظالم دعاء الناس عليه، رد الحقوق إلى صاحبها، وهذا مثل لفعل ربما ينكره الناس على فاعله، ولكنهم تفهموا فعله، بل ساعدوه بالدعاء.

أما أن نقول: هذه حرية شخصية، ومالهم ومالي، فليست الحياة الاجتماعية مبنية على هذا، فالإنسان لا يعيش وحده، بل له أقران، وأصحاب، ومعارف، وأقارب، وله محيطات اجتماعية واسعة، وعلاقات متشابكة متباينة، يجب أن يراعيها في سلوكه وتصرفه، وأن يجمع بين حريته الشخصية وبين الطابع الذي يعيشه مجتمعه، حتى لا يكون شاذا عنهم، يشعرهم بالغربة، ويشعرون بأنه غريب عنهم، مما قد يؤدي إلى انفصام في العلاقة الاجتماعية، فالإنسان لا يعيش وحده، بل هو ابن بيئته ومحيطه الذي يعيش فيه، لا يمكن أن يتبرأ منه، ولا أن يتخلى عنه، بل يعيش معهم فردا من مجتمع، يحافظ على تقاليده، التي لا تتنافى مع حاجاته الأساسية، فوازن أخي بين متطلباتك الشخصية عموما، وبين ما لا يمكن للمجتمع الذي تعيش فيه أن يقبله، فخير الأمور أواسطها كما قيل.

فانظر ما قيمة حلق شعر جسدك عندك، فإن كان سيحقق لك شيئا هاما في حياتك، فاصنعه مع تفهيم من حولك بأهمية تصرفك، وإن كان ليس شيئا ذا بال، وربما جر عليك بعض الانتقادات، مما يخدش حياتك الاجتماعية،فأحسب أن التخلي عنه، لعدم أهمتيه، أو عن جزء منه، أولى، إذ استقرار العلاقات الاجتماعية بين الإنسان ومن حوله تقدم على بعض ما لا فائدة من فعله.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

Related Articles

Back to top button