
- السؤال:
وباختصار شديد فإن أختي الكبرى كانت تعيش مع زوجها الذي يعمل مهندسا مساعدا في المناجم عيشة سعيدة ورزقت بأبناء على غاية من الخلق والنجابة والتميز في الدراسة، ومنذ سنتين تقريبا بدأ زوجها يعاني من أمراض في المعدة وأصبح عصبيا وميالا للعزلة، ورغم أنه يؤدي فرائضه الدينية إلا أنه صار يشك في سلوك أختي رغم أنها معروفة لدى الجميع بعفتها وطهرها وخلقها الكريم، وصار الزوج يضيق عليها ويهينها ويتجسس عليها وهي صابرة على حالها من أجل أبنائها الذين بلغوا مراحل دراسية حرجة، وباعتبارها بعيدة عنا (في مدينة أخرى) فإننا صرنا أكثر قلقا عليها وأكثر عجزا في محاورة زوجها وإلى جانبنا كل أفراد أسرته المدركين لخطأ سلوكه.. سؤالي عن أسلوب التعاطي مع هذه الحالة وعما يجب على أختي فعله وهل بالإمكان معالجة هذه الحالة معرفيا فقط أم بالاستعانة بالعقاقير، وهل من الممكن أن تكون الحالة لها علاقة بالسحر لأن أختي اتصلت بشيوخ وأكدوا لها وجود عمل من هذا النوع، ولكم مني جزيل الشكر ودمتم في رعاية. باختصار فإن ما لم أذكره لكم في السابق أن زوج أختي عندما اتصل بي هاتفيا طالبا مني الحضور للعودة بأختي إلى بيتنا ذكر لي العبارة التالية التي لم أستوعبها في وقتها: “طلّقوني؟ أنا إنسان فاقد للرجولة؟” ثم أردف قائلا: “ألم تصلك الرسالة؟” فأجبت:”كلاّ.. أيّة رسالة؟” فقال:”ستصلك رسالة وستعرف الحقيقة كاملة..” “الأخ الكريم خالد.. عليك بضبط النفس أولا.. لأن الحياة بنيت على الحياء، إن حقيقة الخلاف بين أختك وزوجها هو أن صهرك شاذ جنسيا وفاقد للرجولة؟ وقد ضبطته أختك مع رجل آخر يلوطه..؟” هكذا وباختصار وقعت عليّ هذه الحقيقة وقع صواعق السماء كلها، وكانت بحق صدمة لا تحتمل ماذا لو سمع ابن أختي هذه الحقيقة المخجلة عن والده؟ لقد اهتز كياني يا دكتور اهتزازا مدويا وأصبت بحالة كآبة حادة مشفوعة بحالة ذهول مريع، وما زاد من تعكير مزاجي هو الطريقة التي واصل بها صهري خطأه فقد حوّل اتهاماته الواهية لأختي إلى آلية دفاعية يبعد بها جريمته الأصلية وانصب كل همه على تشويهها حيث لم تعد تحتمل الاستمرار معه واعتبارا إلى معرفة الأهل والمعارف بنقاء سريرة أختي فقد وجد استحالة في ترويج أراجيفه، وأظهر بتصرفاته الانفعالية أنه يعاني أزمة نفسية حادة يلاحظها كل من تحدث إليهم من خلال تناقضه في الكلام وتفاهة اتهاماته.. أما المسكينة فهي تبدو أمامنا متوازنة لكن عينيها تخفيان محيطا من الحزن والكدر وتفصحان عن شعور عميق بالخيبة والانكسار.. إنها الصدمة والمصيبة بعد 22 عاما من الزواج المثالي والاستقرار الهادئ.. فجأة تفجرت حياتها بشكل دراماتيكي مفزع.. فجأة انتفض عشها وتطاير قشّه في كل اتجاه. فبناتها في سن المراهقة الحرج والمتعب وابنها في سنته الأولى بالجامعة بعيد عنها.. لقد كان تفجر المشكلة في شهر رمضان رحمة ولطف من الله سبحانه حيث استعانت أختي وكل العائلة بالجو الروحي والإيماني لتحد من شدّة المصيبة، وليكون الذكر والصلاة مضادا حيويا للوساوس والهواجس التي تفتك بنفسيتها الحساسة أصلا.. أريد أن أسترشد يا دكتور عن كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف الغريبة عن مسار سلوكنا؟ عن كيفية التعامل مع صهري الذي أصبح عدوانيا تجاهنا من باب: أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم؟ كيف أنقذ أبناء أختي من هذه المحنة التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟ ولكم جزيل الشكر وجازاكم الله كل خير.. |
- الجواب:
الأخ السائل، لقد ذكرت أن ما عرفته عن زوج أختك وقع عليك كالصاعقة؟ ونحن أيضا قد وقعت هذه المشكلة علينا كالصاعقة المحيرة. إنها كالبرق الخاطف للبصر، لا يبقي للعين تركيزا، وكالرعد المخيف، الذي يسدد رميه بالخوف في قلوب الناس، فيجعلهم خوفى وصرعى، بل يجعلهم سكارى وما هم بسكارى.
إن هذا الزمن يرمي لنا كل فترة بأعاجيبه، ليكون فينا ما لم يكن في غيرنا من انحلال الأخلاق، ونسيان القيم، والبعد عن الإنسانية النظيفة الباقية على فطرتها مع فرضية نضوج العقل البشري مع تقدم الزمن.
لقد حذر الإسلام من الفاحشة التي تكون بين الذكر والأنثى مع ما فطر الله تعالى الجنسين على الميل بينهما، وإنشاء علاقة وضبطها بالزواج المشروع، حتى يفضي كل منهما إلى الآخر ويسكن إليه، يعني أن العلاقة بين الجنسين قد تكون مباحة، وقد تكون حراما. ومع هذا كله، نهى عن قرب الخطأ فيه فقال: “ولا تقربوا الزنى”، يعني ابتعدوا عن مقدماته والأسباب التي تفضي إليه.
أما في العلاقة الجنسية بين الجنس الواحد، فهذه محرمة قولا واحدا، وقد عبر القرآن الكريم عن إتيان هذه الفعلة بأنها انتكاسة عن الفطرة، واعتداء على حدود الله، فقال عن قوم لوط: “أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَٰجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ” صدق الله العظيم، بل وصل الأمر في العقوبة لهذه الفعلة أن يقتل الفاعل والمفعول به.
ولكني أتعجب!! كيف لأختك أن تعيش مع زوجها 22 عاما ثم هي لا تعرف أخلاقه؟ ولا سلوكه، ولا تصرفه، ولا ما يحب أو يكره؟؟ إن العجيب هو التحول بعد عشرين عاما من الحياة النظيفة إلى النظر إلى حياة أقرب إلى حياة البهائم العجماوات.
وفي حسبي أنه لابد للنظر في الأسباب التي حولت هذا الزوج من إنسان عفيف شريف، إلى إنسان شاذ جنسيا. هل أصبح هناك تقصير في الحياة الزوجية؟ ولماذا كان اللجوء إلى هذا النوع من السلوك دون غيره؟ ربما كان للستالايت وعالم الفضائيات، وثورة الاتصال الهائلة؟ التي رمت إلينا بخيرها وشرها، فاستقبل البعض الخير واستقبل البعض الشر، إن عالم الفضائيات والإنترنت أطلع الناس على ما لم يكونوا يطلعون عليه، وما لم يكونوا يفكرون فيه. فهل كان الزوج ممن اطلع على فعلة اللواط؟ هو وبعض زملائه؟ فجرهم الأمر إلى التجريب وهم في خلوة من أنفسهم؟ فلما جربوا هذه الفعلة زينت لهم أنفسهم الاستمرار فيها؟
فلما كشف الأمر تحولت الحياة، ورأى العجز في نفسه؟ والنقصان في ذاته فأراد أن يقول لزوجته: ربما ليس النقص عندي وحدي، وهو يحاول أن يقلل من شأنها؟ أو يتصيد الأخطاء لها حتى يكونوا في الهواء سواء!! وأحسب أن المعاملة مع زوج أختك ترجع إلى طبيعة شخصه: هل هو من الأشخاص الذين يتقبلون النصح؟ فيمكن الجلوس معه وحدكما وأن تناقشه بهدوء، وأن تحاول أن تعرف الأسباب التي أدت إلى هذا، وتساعده في التخلص منه؟ أم أنه من الأشخاص الذين يخافون عاقبة الأمور فتأخذ معه أسلوب الترهيب، حتى يكف عن هذا الفعل؟
وبالطبع أنصحك أن يكون الأمر سرا وألا يعرف الأولاد عنه شيئا، بل ربما كان قرب الأولاد منه، واستخدامهم وسيلة للعلاج إحدى وسائل المحاولة، وتذكيره بأنه زوج، وأب أولاد؟ واجب عليه أن ينظر إليهم بعين الرعاية.. وماذا لو اكتشفوا أمره؟ وماذا لو تفشى الأمر وعرفه زملاؤهم وخاصة أنهم في سن مراهقة؟ يعني ربما تتزوج البنات وكذلك الولد بعض عدد قليل من السنين وأنه واجب عليه أن يضحي وأن يقوم نفسه، وأن يصلح ما بها من اعوجاج.
أما عن أختك المسكينة.. فلها الله تعالى أن يخفف عنها مصابها فيما فقدته من الثقة في زوجها وشريك حياتها وننصحها بالصبر، وأن تتعامل معه كمريض يحتاج إلى دواء. ربما قد تكون القسوة والمخاصمة والحرمان من بعض الأشياء في بعض الأوقات نوعا من العلاج، وربما كان الحنان والعطف، فتنظر العلاج المناسب في الوقت المناسب، أو أن تأخذ هدنة بيتية من زوجها، يعني أن تبقى في بيتها. معطية زوجها هذه الهدنة حتى يصلح من شأنه وحاله، وأن تعتني هي بأولادها لحين انتهاء الهدنة، عسى أن تكون هذه خطوة لإصلاح ما فسد، وجبر ما انكسر.
كما أننا لا يفوتنا أن نطلب من الأخ السائل والزوجة العزيزة أن تتوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يحول زوجها إلى أحسن حال، وأن يصلح شأنه، وأن يطرقه طاعته، والتزام هديه، وأن يهديه صراطه المستقيم.
كما أننا ننصح الشباب أنه ليس من الحكمة التعرف على كل شيء وتصفح كل مجهول، فربما كان ستر الله للإنسان أن يكون جاهلا ببعض الأشياء من حيث التفصيل، فمادام يعرف أن الأمر شر فلا يقرب منه، ولا يستهويه التجريب أن يكون فريسة لشبكات الرذيلة وانحلال الأخلاق. وأن يسعى الإنسان أن يعيش إنسانا سويا في حياته وفي سلوكه، فينعم بالحياة بما أحل الله تعالى. وما أكثر ما أحل الله لعباده.. وأن يحفظ نفسه من شر ما حرم الله، وما أقله، وأن يكون عضوا نافعا في المجتمع؟ والإنسان إن لم يشغل نفسه بالنافع شغلته بالضار، ومن حب النفس أن يسعى الإنسان للحفاظ عليها، وأرجو من الأخ السائل أن يتابعنا بأخبار زوج أخته.
- د. مسعود صبري