استشاراتالجنس والغرام

“عصينا الله معاً”.. توبا إليه معاً

  • السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

قبل أن ابدأ فإنني أتمنى من الله أن يقبل توبتي، وإلا فأنا هالك لا محالة.

سيدي لقد أغواني الشيطان، ورماني في بحر الخطيئة.. وللأسف أخذت معي خطيبتي أيضاً، والتي سوف أتزوجها، بإذن الله بعد أشهر قليلة، لقد هون لنا الشيطان- عليه لعنة الله- الخطيئة، وحلل لنا المحرمات، واستصغر لنا المعصية، فعصينا الله معاً، تحت مسمى (الحب)!

فلكي نثبت لبعضنا أننا نحب بعضا فلابد من القبلات الحارة، والأحضان الدافئة، وليس هناك مانع من مواقعتها. نعم مواقعتها.. ومع من؟! مع خطيبتي!! وأنا الآن تائب، وأتوب، وكاره لنفسي أشد الكره، ونفسيتي مدمرة، لأنني أفقدت أعز مخلوق لدى اعز ما تملك، وعصيت الخالق عز وجل وظلمت نفسي وظلمتها، وأدخلت في نفسي هواجس عدم الأمان منها، من خطيبتي، لقد فعلت معي الفحشاء، فهل ستفعلها مع غيري؟! ولكني أقول لنفسي: أنت السبب، تحمل عواقب خيانتك لأهلها، واستغلال الثقة بكل صفاقة وانحلال.

سيدي.. ماذا أفعل؟ أريد التوبة، وأن يقبل الله توبتي، وأن يوفقني، وأن أجعلها تتوب هي الأخرى، بدون جرح لمشاعرها، فأنا أول من تعرفت إليه في حياتها، وأنا من أوصلتها إلى ما هي فيه الآن، واعتقادها بأن هذا هو الحب بهذه الطريقة حتى ولو لم نكن متزوجين. اللهم تقبل توبتي وارحمني يا ارحم الراحمين.

 

  • الجواب:

الأخ الفاضل:

حين نصل إلى نتيجة، سواء أكانت نتيجة مرضياً عنها أم لا، يجب علينا أن نعرف الدوافع إليها، ومقدماتها، والأسباب التي أدت إليها، يعني أن ندرك ما نفعل وما فعلنا، فإن كانت النتيجة خيرا، سرنا في الطريق بوسائله، بل نسعى لتطوير أنفسنا فيه، أما إن كانت النتيجة خطأ، فواجب علينا بعد التوبة إلى الله، والندم على الفعل، والعزم الأكيد بيننا وبين الله بصدق وحق ألا نعود لمثله أبدا، كما لا يعود اللبن إذا خرج من الضرع، ومع هذا، يجب علينا أن نقطع تلك الأسباب التي أدت بنا إلى هذا الفعل المنكر، وتلك الجريمة البشعة، وهذه الكبيرة التي تكاد تهتز لها السماء.

 

  • وإتيان الكبيرة له أسباب، من أهمها:

الاستهانة بالمحرمات: فحين يهون الحرام في نفس الإنسان يقدم عليه، وهذا يعني أنه لم يدرك معنى الحرام، فإن المحرمات من حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، فيجب أن ندرك أن الإقدام على المحرمات هو اعتداء على حدود الله تعالى، وأن ندرك حدود من نقتحمها، ولا نرعى لها حرمة ولا ذمة، وفي ذلك استهانة بصاحب الحرمات، وما أصدق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:” اتق المحارم تكن أعبد الناس”، فأعلى غايات العبادة أن يجتنب العبد ما حرم الله تعالى. وقالت عائشة رضي الله عنها: من سرَّه أنْ يسبق الدائبَ المجتهدَ، فليكفَّ عن الذنوب.

الخلوة المحرمة: وهذه الخلوة إما أن تكون ناتجة عن جهل بالدين، حيث يرى البعض أن المخطوبة في مقام الزوجة وليست في مقام الأجنبية، أو أنه يدرك أنها حرام، ولكنها ليست كغيرها، وأنه يحل له بعض الأشياء القليلة من الأخطاء من باب التعارف، وكل هذا جهل بالدين. لأن العلاقة بين الخاطبين هي علاقة أجنبي بأجنبية من حيث الأصل، وما الاستثناء إلا لأجل التعارف، لا لتفريغ الشهوة، والسماح للنفس بالخلوة المحرمة التي يكون الشيطان ثالثا فيها، كما ورد في الحديث:”لا يخلون رجل  بامرأة إلا مع ذي محرم” البخاري، وعند الترمذي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان”.

غلبة الشهوة: حيث إن كثيراً من الخُطَّاب يرون أن فترة الخطبة هي فترة التعارف العاطفي، وتفريغ الشهوات، وكسر الحواجز والقيود، فحين يهتم الخاطب بالجانب العاطفي يتبعه الاهتمام بالشهوة، ومع الخلوة تتحول العاطفة إلى شهوة جنسية، ويزداد سعارها، ويشعلها الشيطان حتى يوقع المرء فيما حرم الله، فيتيه عقله، ويفقد صوابه، ويكاد يكون كالأعمى الذي لا يبصر، حتى إذا وقع في الحرام، ضحك الشيطان وعلت ضحكاته، ولول الإنسان بعد تزيين الشيطان له، وهو يتنكر من فعله، وأنه لم يكن له سلطان عليه. وقد حكى القرآن صورة هذا الندم فقال تعالى:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:22].

استشعار حلاوة الفعل الحرام: وإشباع النفس بلا تعقل، وغياب العقل والشرع، فإذا غاب العقل، وغيب الشرع، لا سبيل للإنسان إلا أن يتبع هواه، فيضل كما قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50]. ومن نتائج اتباع الهوى إغلاق القلوب فلا تبصر، كما قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]. بل يحذر القرآن من أن متبع الهوى لن ينفع أحداً، إلا أن يعود إلى الله تعالى، كما قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان:43]. وقد أحسن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – حين قال: الهوى شر إله عبد، فنهاية اتباع الهوى أن يهوى المرء في المهالك.

غياب مراقبة الله تعالى: فإن من تيقن أن الله تعالى معه، و أحيا المراقبة في قلبه، جعل بينه وبين الكبائر حجابا مستورا عاليا، لا يراه الشيطان، ولا يتطلع إليه، حفظا من الله، ببركة مراقبة الله تعالى له. وإن الجاهل عن الحقيقية ليستحي من الناس، ولا يستحي من الله، وذلك لضعف إيمانهم وقلة يقينهم وانطماس بصيرتهم، وفي بعض الأخبار يقول الله تبارك وتعالى: يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم فالخلل في إيمانكم، وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم.

و كما قال ابن عجيبة: “وأما الخاصة فهم يطلبون من الله الستر عنها، والعصمة منها، خشية أن يسقطوا من عين الحق، وصدور المعصية من العبد سوء أدب، ومن أساء الأدب مع الأحباب طرد إلى الباب، فإذا وقعت منهم معصية بادروا إلى الاعتذار وصحبهم الخجل والانكسار ثم جدوا في سيرهم ولم يقفوا مع نفوسهم إذ لا وجود لها في نظرهم ولا التفات لهم إلى الخلق إذ لم يبق في نظرهم إلا الملك الحق، غابوا بشهود الحق عن رؤية الخلق أو بشهود المعنى عن رؤية الحس أبو بشهود الموسوط عن الواسطة،  وأما خاصة الخاصة فلا يطلبون شيئاً ولا يخافون من شيء؛ صارت الأشياء عندهم شيئاً واحداً، واستغنوا بالشاهد الواحد عن كل واحد، فهم ينظرون ما يبرز من عنصر القدرة فيتلقونه بالقبول والرضي، فإن كان طاعة شهدوا فيها المنة، وإن كان معصية شهدوا فيها القهرية وتأدبوا مع الله فيها بالتوبة والانكسار قياماً بأدب شريعة النبي المختار صلى الله عليه وسلم”.[إيقاظ الهمم شرح متن الحكم لابن عجيبة، 1/148].

إلف المعصية: فمن ألف المعصية، استوى عنده إتيان الكبائر والصغائر، ولذلك لهمس قلبه عن أن يشعر بحرمة الفعل، والتجرؤ على الخالق في المعصية، وخاصة إن كانت كبيرة، فتكرار النظر المحرم، واللمس الحرام، وما قد يزيد على هذا، فيؤدي إلى ارتكاب الكبيرة، وما أبلغ القرآن إذ قال في شأن الزنى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]، فهو لم يحرم الزنى فحسب، بل حرم مقدماته، لأنها باب إليه، وهو باب مفتوح ليس دون قفل ولا حجاب.

 

ويكون من نتائج تلك الأفعال أن يكله الله تعالى إلى نفسه والشيطان، فيتخبط بأفعاله، ويهزي بأقواله، لأنه زحزح عن مركز التوحيد، كما قال الحكيم الترمذي رحمه الله:” وأهل الذنوب ينوحون ندما على ما فرط منهم من الجفاء وأسفا على ما فاتهم من المركز الذي أحلوا به؛ فإن لكل مؤمن مركزا بين يدي الله، وهو حزب الله؛ فإذا أذنب، فقد زال عن المركز، وخرج من الستر، فتفرد عن المأمن. فهو ينوح على ذلك. فهذا نوح التوبة فإن النوح ظاهر فعله، والحنين باطن فعله، حن إلى المركز فناح عليه؛ لأنه وإن تاب؛ فإنه لا يقدر على رد تلك الساعات التي مضت في وقت المعصية، وقد زال عن المركز؛ ألا ترى إلى قوله عز وجل: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه}.

فمراكز الموحدين بين يدي الله نصب عينه، وعين الله عليهم؛ فإذا زال عن المقام، وتداركه الله تعالى بأن تاب عليه، ناح على تلك الساعات التي مضت ومركزه خال عن العبودية غائب عن حزب الله. وكذلك شأن الملائكة.. ألا ترى إلى قول الله تعالى: {وَما مِنَّا إِلا لَهُ مَقامٌ مَعلُوم}. فهذا المقام ليس مقاما لأجسامهم، إنما هي مقام أعمالهم. [المنهيات للحكيم الترمذي، ج1/10].

 

  • فما المطلوب فعله ؟

وإذا كانت هذه أهم الأسباب، فإن من المطلوب فعله تحصيل ما فات من الطاعات، وترك ما وقع فيه المرء من الآثام، وأن يجاهد نفسه، وأن يغلب العقل والشرع، وأن يدرب نفسه على المراقبة شيئا فشيئا، ومن داوم قرع الباب، أوشك أن يفتح له، فلا يخلو بما حرم عليه أن يختلي، ولا يقرب ما حرم عليه أن يقترب، ولا يتلذذ بالمحرم، فإنه حلاوته فانية، وقسوته باقية، بل يكون دائما مع الله، فإن غلبه الشيطان عاد وأناب، ولبس ثوب التوبة إلى الله، عسى الله أن يطهره من الذنوب، وما ذلك على الله بعزيز.

المطلوب منك – يا أخي- ما يلي:

  • ألا تختلي بمخطوبتك ثانية، بل لا بد من وجود محرم.
  • أن تأخذ نفسك بالعزائم، فإن النفس إن هانت عليها المعصية، عوملت بنقيض ضدها، وشدد عليها، حتى تعود إلى طبيعتها.
  • أن تكثر من الندم والتوبة إلى الله تعالى والبكاء بين يديه.
  • أن تكثر من الأعمال الصالحة، فإنه كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
  • أن يحسن عملك، وتصلح سريرتك، وأن تسعى أن يكون صالحا باطنا وظاهرا، سرا وعلانية، وحدك أم مع جماعة.

 

  • أما فيما يخص ما فعلت مع مخطوبتك، وما يجب عليه اتخاذه، فإني أنصحك بما يلي:

أن تسارع بالعقد والبناء، فما دمت قد خطبتها، ورأيتها فيها الزوجة المناسبة، فليس من الحكمة أن تحاسبها على خطئك معها مع خطئها، ولا تدع للوساوس عليك طريق، أن تفكر في أنها قد تخطئ معك، فإنها قد أخطأت مع خطيبها، وأنت أخطأت، فكيف تلومها ولا تلوم نفسك، وكيف ترى أن شرفها قد ضاع، وهو قد ضاع معك، وإن كنت فعلت معها هذا تحت ستار الحب الكاذب، فكن رجلا واستر عليها وعلى نفسك، وأكمل مشوار حياتك، وتوبا معا إلى الله، إنه سبحانه وتعالى يبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.

وأرى أنك إن تخليت عنها، فقد ظلمتها وأخطأت في حقها، وأحسب أن حسابك سيكون عسيراً، فما دمت قد قبلتها، فأكمل مشوارك معها، فكلاكما خاطئ، وليكن كلاكما عائد إلى ربه سبحانه وتعالى. وتذكر ما قلته من أنك أول شخص تتعرف عليه، وأنك الذي سعيت إلى ما وقعتما فيه. فاجلس معها، واتفقتا على خطوات عاجلة عملية للتوبة بشكل سريع، وأن تسارعا أيضا في إتمام زواجكما.

أسال الله تعالى لك ولمخطوبتك التوبة النصوح، ولي ولجميع المسلمين أيضاً. وتابعنا بأخباركما وأخبار توبتكما و زواجكما أيضاً لنطمئن عليكما.

 

  • د. مسعود صبري

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى