- السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا امرأة تريد إرضاء الله سبحانه وتعالى والابتعاد عن المعاصي. ومشكلتي هي: مند صغري و أنا أحاول عدم إغضاب الله وعدم ارتكاب ذنب الزنا فلم أعرف قط أي رجل خوفاً من الله. ولكني مؤخراً و في مقر عملي وقعت فيما يسمى بالحب وغلبتني نفسي و ارتكبت معصية الزنا مع من أحب، وهو متزوج وقبل أن يلمسني اتفقنا على الزواج وهو حقاً يريد الزواج مني. لكني عندما جلست مع نفسي وقررت التوبة النصوح توصلت إلى أنني سأتسبب في الضرر لامرأة لم تفعل لي شيئاًًًً بالإضافة إلى أن أسرتي لن توافق أبدا وأنا في نفس الوقت أريد التكفير عن هذا الذنب الذي هو بيني وبين الله ولا يعلمه إلا هو. ولقد تقدم لخطبتي شاب فيه كل المواصفات من دين وأخلاق و… لكني لا أريد غشه. هل أقبل بالذي تقدم لخطبتي و أصارحه؟ أو أتزوج بالرجل الذي أخطأت معه؟ لا أريد إلا إرضاء الله. أريد أن أفيدكم إلى أن ذنب الزنا لم يصل إلى درجة الجماع. ولكني فقدت عذريتي إثر حادثة في صغري. أسألكم النصح جزاكم الله. أسألكم الدعاء لي بقبول التوبة. |
- الجواب:
الأخت السائلة:
النية الصادقة في الابتعاد عن المعاصي شيء جميل، فالنوايا الحسنة يثاب عليها صاحبها، كما جاء في الأثر: رب نية سبقت عملا”، غير أن النية وحدها ليست كافية للحفاظ على الإيمان، فالإيمان لازم له العمل، ومن هذا العمل الحفاظ على ما افترض الله تعالى، والابتعاد عما نهى عنه وحرمه.
وهذه الفرائض يجب فيها أن يجاهد الإنسان نفسه، وأن يأخذ التدابير الوقائية حتى يحول بينه وبين نفسه في الوقوع فيما حرم الله تعالى، وأن يكون قويا بإيمانه، إن هذا الضعف البشري في العلاقات الاجتماعية بين الجنسين حدا ببعض الفقهاء أن يحرموا العلاقة بين الجنسين والتعامل بين الجنسين بشكل عام، وهو شيء يخالف ما جاءت به النصوص الشرعية وواقع المسلمين على مر تاريخ الإسلام، وإن كانوا يستندون إلى سد الذرائع، فإن المسلم يحتاج إلى هذه القاعدة العظيمة، أن يسد الذريعة إلى الحرام، لا بتحريم ما هو مباح في أصله.
ولكن بعدم الوقوع فيما حرم الله، فالاختلاط بين الجنسين ليس حراما بذاته، ولا يعرف الإسلام المجتمع الذي يجعل الرجال مجتمعا، والنساء مجتمعا، بل هو مجتمع واحد، مع مراقبة الله تعالى، والاحتفاظ بخصوصية كل جنس، فلا إفراط ولا تفريط في المعاملة.
ولقد كان إيمانك ضعيفا حين سمحت لنفسك أن تنشئ علاقة غير شرعية مع هذا الرجل، ليست علاقة زمالة في العمل، ولكنها أضحت علاقة خاصة وصلت إلى الزنى بغير جماع كما ذكرت، فلم يكن لك عاصم من أمر الله تعالى، وأهنت نفسك أمام نفسك وأمام دينك وأمام ضميرك، إذ رضيت بالقبلات والأحضان وغيرها من المحرمات التي أشار الله تعالى إليها في الآية (32) من سورة الإسراء في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةًۭ وَسَآءَ سَبِيلًۭ}.
لقد خلعت عن نفسك حجاب الحياء، ورضيت لنفسك أن تتعري عن حميد الأخلاق والإيمان، وأمرضت ما في قلبك من حسن العلاقة بالله تعالى، من خلال وسائل اتصال خداعة، مثل وهم الحب الزائف، والوعد الكاذب بالزواج، وإن هذه الكلمة الشريفة “الحب” لتشتكي كل من يدنسها من عاشقي الجنس، الذين جعلوها في أسوأ منظر أمام الناس.
إن الحب الصادق الذي يغلب قلب الإنسان ليجعله أحرص الناس أن يحافظ على من أحب، حتى من نفسه، ولا يرضى له أن يدنس هذا الحب بمعصية، وإن كان جادا وصادقا في حبه، فالزواج طريق استكمال هذا الحب، أو قطع العلاقة بينه وبين من يحب، ليتقلب القلب من حالة العصيان إلى التزام أوامر الرحمن.
ليس صحيحا أن كل من أحب لا يستطيع الاستغناء عن حب من أحب من الجنس الآخر، فكم من المحبين ما كتب لهم بقاء علاقتهم، لطبيعة الوضع الاجتماعي، أو حتى لاختلاف الطباع أو غيرها من الأسباب، و ما انحرفوا، ولكنهم بحثوا عن وسائل يحبها الله تعالى للحفاظ على دينهم الذي هو أسمى من كل شيء في الوجود، ولأنهم عباد لله، يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، فكانت تقواهم حاجزا لهم من أن يقتربوا الكبائر التي حرمها الله تعالى، آملين أن يعوضهم الله تعالى خيرا على ما فقدوه.
إن السعادة بيد الله وحده، فهو الذي يهب الراحة والسعادة والحب للناس، وهو الذي بيده قلوب الخلق، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، فكل محاولة لجلب السعادة خارجة عن إطار طاعة الله، فهي طريق للهلاك، وإن رأى الناس فيها متعة، فهي زائلة، أو سعادة، فهي لا تدوم.
ولكن لا نريد أن نبكي على اللبن المسكوب بكاء دموع، وإن كنا في حاجة أن بنكيه ألف مرة بقلوبنا، ليبقى مادة حية تمنع قلوبنا من أن تقترف جرائم الاعتداء على الدين، ولتكون حائط صد لإغواء النفس أو وسوسة الشيطان.
أما عما تفكرين فيه من اتخاذ خطوات في سبيل التوبة، فهو عود حميد، وتنقية لحياتك، وجلب لراحة نفسك، فإن المعصية من منغصات الحياة، ولا أقول لك: تزوجي من وعدك بالزواج، بعد الخطأ الذي ارتكبته معه، ولا أن تقبلي من تقدم إليك، ولكن وازني بين الاثنين، انظري أين سعادتك، فلا تجعلي الرفض من الأول سبيلا للهرب من المعصية، ولا تجعلي قبول الآخر سبيلا لنسيان ما كان، مع كونه قد لا يناسبك، فالزواج في الإسلام علاقة اجتماعية في المقام الأول، ويأتي الدين حافظا وحاميا ومرشدا لهذه العلاقة الشريفة.
اقرئي شخصيتك جيدا، طباعك، سلوكيات، نمط حياتك، هل تتوافق مع هذا الشاب المتقدم إليك؟ فإن كانت الإجابة بنعم، فتوكلي على الله، ولا ترفضيه، ولا تبلغيه بما كان بينك وبين زميلك في العمل، وأخبريه – كما ذكرت – من أن غشاء البكارة انفض بسبب حادثة في الصغر، أما إن كان هذا الشاب لا يناسبك فارفضيه، فإن رأيت أن الآخر لا يناسبك فاتركيه هو أيضا حتى ترزقي الأنسب لك.
المهم أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا الذنب، وأن تتغير حياتك في طبيعة العلاقة مع الرجال، وإن كان الإسلام أ باح التعامل بضوابط، فإما أن نلتزم تلك الضوابط، أو تتركي كل تعامل قد يجرك إلى حرام، فإن المباح لا يجب على الناس أن يفعلوه، بل على كل إنسان أن يأخذ منه بقدر ما يوافق دينه، ويحفظ سير حياته على النهج السوي دينيا واجتماعيا.
وعلى كل، فاختيار الزواج من الرجل المتزوج، أو من الشاب الآخر هو اختيارك أنت، على أن تختاري الأصل لك ولدينك، ولا علاقة بين توبتك وبين زواجك ممن أخطأت معه، التوبة هي الانقطاع عن المعصية وعدم العودة إليها مرة أخرى، والندم عليها، وأن يتبع ذلك سير في طريق الله، وحسن صلة به سبحانه وتعالى.
وسل الله دائما أن يحفظ عليك دينك، وأن يثبتك على الحق، وأوصيك ببعض الأدعية، فادعي وقولي:
– اللهم اربط على قلبي لأكون من المؤمنين.
– رب توفني مسلمة وألحقني بالصالحين.
– اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك، اللهم اصرف قلبي عن معصيتك.
– اللهم حبب إلي الإيمان وزينه في قلبي، وكره إلي الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين
– اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
وأوصيك بأن تجلسي وحدك، وتتكلمي إلى الله تعالى، وأن تفضفضي ما في قلبك له، على أن يترجم ذلك عمليا بالالتزام بنهجه والحفاظ على أوامره وطاعته.
وفقك الله لما يحب ويرضى. وتابعينا بأخبارك.
- د. مسعود صبري